الخياط والحفيد

يحكى أن في قديم الزمان كان هناك خياط ماهر، يكسب قوت يومه بصناعة أجمل الملابس لأهل قريته الصغيرة، وكان لدى هذا الخياط حفيد صغير متعلق به أشد التعلق، فكان لا يتركه يوماً إلا وذهب معه إلى ورشته الصغيرة، وكان هذا الصبي الصغير شديد الذكاء والملاحظة، فكان يراقب الجد خلال عمله باستمرار، ويحاول لمس قطع الأقمشة والبحث بين ألوانها الجميلة.
وذات يوم أراد الخياط أن يعلم الحفيد حكمه وعبرة تفيده في حياته، فأحضر الخياط قطعة كبيرة من القماش، ثم أتي بالمقص الخاص بعمله، وهو مقص مميز ثمين، وبدأ الخياط يقص قطعة القماش بشكل عشوائي حتي تحولت إلى قطع صغيرة جداً، وبعد أن انتهى من قطعة القماش بالكامل رمى المقص بعيداً.
ثم أحضر الخياط إبرته، وقام بتخييط القطع الصغيرة مع بعضها البعض من جديد حتى يصنع منها ثوباً، وبالفعل بعد مرور فترة قصيرة انتهى الجد من صناعة الثوب، وقام بوضع الإبرة في العمامة الموضوعة على رأسه، تعجب الحفيد من الأمر وبدأ يسأل جده عن سبب فعله العجيب قائلاً: اخبرني يا جدي لماذا رميت مقصك الغالي الثمين أسفل رجليك، بينما قمت بوضع الإبرة زهيدة الثمن فوق رأسك في عمامتك؟
رد عليه الجد مبتسماً: يا بُني أنك لو لاحظت أن هذا المقص الثمين قام بتمزيق القطعة الكبيرة، وفرقها عن بعضها، وجعل منها قطعاً صغيرة لا قيمة لها، بينما تمكنت هذه الإبرة الصغيرة من جمع القطع وخياطتها مع بعضها من جديد، وجعلتني أصنع هذا الثوب الجميل، وهكذا هم الأشخاص بالنسبة إلينا، هناك من يسعى إلى التفرقة ونشر الفتنة، فيجب على الناس وضعه في مكانه المناسب حينها، وهناك من يجمع الشمل، ويمهد الطريق، ويبعد العواقب، هذا من يكون مكانهُ فوق الرأس، فَكُن دائمًا يا بني من هؤلاء الذين يوحدون صفوف الناس؛ فتأمل.
المصدر: مجلة بيوت المتقين، العدد (89)، صفحة (30)