معنى قوله تعالى: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا الله لَفَسَدَتَا * فَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ)[1]
هذه الآية الكريمة تقرر دليلاً عقلياً على توحيد الذات الإلهية، وبيان هذا الدليل كالآتي:
أنه لو كان لله تعالى شريك غيره لكان ذلك الشريك مماثلاً له في صفاته، كالعلم والقدرة والقدم، وإذا كان مماثلاً له في جميع صفاته فمعنى ذلك أن يكون لكل منهما إرادة خاصة به، فإذا فرضنا أن أحدهما أراد تحريك شيء من الأشياء مثلاً، وأراد الأخر تسكينه أو عدم حركته، فبنفس وقت إرادة الأول تكون إرادة الثاني! وهنا لا يخلو الأمر من احتمالات:
1- إما أن تجري إرادتاهما معاً بلا مانع، فحينئذ سيكون ذلك الشيء الواحد في الوقت الواحد ساكناً متحركاً، وهذا واضح البطلان لكل جاهل فضلاً عن عالم عاقل، لأنه اجتماع للنقيضين وهو محال عقلاً.
2- وإما ألا تجري ولا تتحقق الإرادتان، لا إرادة الأول ولا إرادة الثاني، وهو محال أيضاً، لأن معناه أن نصف الشيء الواحد في الوقت الواحد أنه ليس متحركاً وليس ساكناً، ولأنه على هذا الكلام يعني أنهما متساويان في القدرة، ولا يمكن أن تكون إرادة أحدهما أولى بالتحقق من إرادة شريكه، لأنه ترجيح بلا مرجح وهو باطل.
3- وإذا قلنا بجواز حصول مراد أحدهما وامتناع الآخر فهو دليل على أن الشريك ضعيف ممنوع عاجز، والعجز نقص، ولا يجوز على الإله أن يكون ناقصاً، كما أن تحقق مراد أحدهما دليل على رجحانه في قدرته على صاحبه، إذ لو لم يكن أقدر منه لم يقع مراده دون مراد شريكه، وهذا يكشف بوضوح عن ضعف صاحبه وعجزه من أن يوقع مراده، والخالق طبعا لا يكون ضعيفاً عاجزاً، وإلى هذا أشار كتاب الله بقوله تعالى: (إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ)[2].
فالمعنى مما تقدم إن القول بتعدد الآلهة يستلزم اختلافها قطعاً، والاختلاف يؤدي الى الفساد وعدم الانتظام - لما بينا من الاحتمالات الفاسدة - يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في هذا المعنى: «وَاعْلَمْ، يا بُنَيَّ، أَنَّهُ لَوْ كانَ لِرَبِّكَ شَرِيكٌ لَأَتَتْكَ رُسُلُهُ، ولَرَأَيْتَ اثارَ مُلْكِهِ وَسُلْطانِهِ، وَلَعَرَفْتَ أَفْعالَهُ وَصِفاتِهِ، وَلكِنَّهُ إلهٌ واحِدٌ، كَما وَصَفَ نَفْسَهُ، لا يضادُّهُ فِي مُلْكِهِ أَحَدٌ»[3].
وعليه يتفرّع من هذا الكلام أن من ينكر التوحيد أو يدّعي الشريك للباري جلّ وعلا إنما ينكر قانون أو قاعدة كشف الأثر عن وجود المؤثر، التي هي من الأحكام العقلية البديهية، وذلك أن عدم إتيان الرسل من قبل إله آخر كاشف عن عدم وجود ذلك الإله، فيثبت بذلك أن الخالق واحد، لا ثاني معه.
بيان آخر لدليل نفي الشريك:
لو كان خالق العالم اثنين - أو أكثر؛ لأن من جوز الاثنين جوز الأكثر - لكانت بينهما فرجة ومساحة زمنية ومكانية، ولكانا محتاجين لتلك الفرجة حتى يتحقق التعدد والاثنينية بينهما، لأن الفرجة هي الحيز الذي يفصل أحدهما عن الآخر، والاحتياج نقص ينافي الكمال، والناقص لا يكون إلهاً ولا يكون خالقاً، لأن العقل يحكم أن الإله الخالق يجب أن يكون موصوفا بالكمال المطلق والكمال المطلق لا يليق الا بواحد، ومجرد وجود الشريك يستلزم الاحتياج وهو نقص، فلا يجوز أن يكون خالق العالم متعدد.
بيان آخر أيضاً:
أنه لو كان الخالق للعالم اثنين، لكانا متغايرين، وحقيقة المتغايرين إنهما يجوز وجود أحدهما بجميع صفاته وعدم وجود الآخر، إما من حيث المكان والزمان، أو على أي جهة أخرى، وإلا فليس ثمة علامة على التغاير والتعدد، وعدم إمكان وجود إلهين يجوز فيهما وجود أحدهما بجميع صفاته وعدم وجود الآخر؛ أمر يمنع من أن يكون الخالق اثنين.
ووجه عدم الإمكان: لأن الطرف الذي يجوز عليه العدم هو ليس بخالق، وليس فيه صفة من صفات الإله، فتم المطلوب.
مجلة اليقين العدد (64)