علم الأئمة بالتوراة والإنجيل وكتب الأنبياء

- عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ مُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: (أَتَيْنَا بَابَ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) ونَحْنُ نُرِيدُ الإِذْنَ عَلَيْه فَسَمِعْنَاه يَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ لَيْسَ بِالْعَرَبِيَّةِ فَتَوَهَّمْنَا أَنَّه بِالسُّرْيَانِيَّةِ ثُمَّ بَكَى، فَبَكَيْنَا لِبُكَائِه، ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْنَا الْغُلَامُ فَأَذِنَ لَنَا فَدَخَلْنَا عَلَيْه، فَقُلْتُ: أَصْلَحَكَ الله أَتَيْنَاكَ نُرِيدُ الإِذْنَ عَلَيْكَ فَسَمِعْنَاكَ تَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ لَيْسَ بِالْعَرَبِيَّةِ، فَتَوَهَّمْنَا أَنَّه بِالسُّرْيَانِيَّةِ ثُمَّ بَكَيْتَ فَبَكَيْنَا لِبُكَائِكَ قَالَ نَعَمْ ذَكَرْتُ إِلْيَاسَ النَّبِيَّ وكَانَ مِنْ عُبَّادِ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقُلْتُ كَمَا كَانَ يَقُولُ فِي سُجُودِه ثُمَّ انْدَفَعَ فِيه بِالسُّرْيَانِيَّةِ فَلَا والله مَا رَأَيْنَا قَسّاً - ولَا جَاثَلِيقاً أَفْصَحَ لَهْجَةً مِنْه بِه، ثُمَّ فَسَّرَه لَنَا بِالْعَرَبِيَّةِ فَقَالَ كَانَ يَقُولُ فِي سُجُودِه - أتُرَاكَ مُعَذِّبِي وقَدْ أَظْمَأْتُ لَكَ هَوَاجِرِي أتُرَاكَ مُعَذِّبِي وقَدْ عَفَّرْتُ لَكَ فِي التُّرَابِ وَجْهِي أتُرَاكَ مُعَذِّبِي وقَدِ اجْتَنَبْتُ لَكَ الْمَعَاصِيَ أَتُرَاكَ مُعَذِّبِي وقَدْ أَسْهَرْتُ لَكَ لَيْلِي قَالَ فَأَوْحَى الله إِلَيْه أَنِ ارْفَعْ رَأْسَكَ فَإِنِّي غَيْرُ مُعَذِّبِكَ قَالَ فَقَالَ إِنْ قُلْتَ لَا أُعَذِّبُكَ ثُمَّ عَذَّبْتَنِي مَا ذَا ألَسْتُ عَبْدَكَ وأَنْتَ رَبِّي قَالَ فَأَوْحَى الله إِلَيْه أَنِ ارْفَعْ رَأْسَكَ فَإِنِّي غَيْرُ مُعَذِّبِكَ إِنِّي إِذَا وَعَدْتُ وَعْداً وَفَيْتُ بِه) [1].

2- عَنْ الْحَسَنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ يُونُسَ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ فِي حَدِيثِ بُرَيْه: (أَنَّه لَمَّا جَاءَ مَعَه إِلَى أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) فَلَقِيَ أَبَا الْحَسَنِ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ (عليه السلام) فَحَكَى لَه هِشَامٌ الْحِكَايَةَ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ (عليه السلام) لِبُرَيْه: يَا بُرَيْه كَيْفَ عِلْمُكَ بِكِتَابِكَ، قَالَ أَنَا بِه عَالِمٌ، ثُمَّ قَالَ: كَيْفَ ثِقَتُكَ بِتَأْوِيلِه قَالَ مَا أَوْثَقَنِي بِعِلْمِي فِيه قَالَ فَابْتَدَأَ أَبُو الْحَسَنِ (عليه السلام) يَقْرَأُ الإِنْجِيلَ فَقَالَ: بُرَيْه إِيَّاكَ كُنْتُ أَطْلُبُ مُنْذُ خَمْسِينَ سَنَةً أَوْ مِثْلَكَ قَالَ فَآمَنَ بُرَيْه وحَسُنَ إِيمَانُه وآمَنَتِ الْمَرْأَةُ الَّتِي كَانَتْ مَعَه فَدَخَلَ هِشَامٌ وبُرَيْه والْمَرْأَةُ عَلَى أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) فَحَكَى لَه هِشَامٌ الْكَلَامَ الَّذِي جَرَى بَيْنَ أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى (عليه السلام) وبَيْنَ بُرَيْه فَقَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): (ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ والله سَمِيعٌ عَلِيمٌ)، فَقَالَ بُرَيْه أَنَّى لَكُمُ التَّوْرَاةُ والإِنْجِيلُ وكُتُبُ الأَنْبِيَاءِ قَالَ: هِيَ عِنْدَنَا وِرَاثَةً مِنْ عِنْدِهِمْ نَقْرَؤُهَا كَمَا قَرَؤُوهَا ونَقُولُهَا كَمَا قَالُوا إِنَّ الله لَا يَجْعَلُ حُجَّةً فِي أَرْضِه يُسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ فَيَقُولُ لَا أَدْرِي) [2].

الشرح:

قال بريه: (فَحَكَى لَه هِشَامٌ الْحِكَايَةَ)، لعلَّ المراد بها حكاية علمه ونصرانيّته وتمامها في التوحيد.

واما سؤال الإمام (عليه السلام): (كَيْفَ ثِقَتُكَ بِتَأْوِيلِه)، أي كيف اعتمادك على نفسك في تأويله والعلم بمعانيه.

قال في مجمع البيان: التفسير: معناه كشف المراد عن الّلفظ المشكل، والتأويل: ردُّ أحد المحتملين إلى ما يطابق الآخر، وقيل: التفسير: كشف المعنى، والتأويل: انتهاء الشيء ومصيره وما يؤول إليه أمره.
فأجاب بريه: (قَالَ مَا أَوْثَقَنِي)، صيغة تعجب أي انا واثق به وثوقا تاما بما اعرف من تأويله.

وقال بريه: (فَابْتَدَأَ أَبُو الْحَسَنِ ع يَقْرَأُ الإِنْجِيلَ)، ولعلَّ المراد قراءته مع تفسيره وتأويله بقرينة السياق قوله: (أَوْ مِثْلَكَ)، يحتمل الترديد والبدليّة عن إيّاك والجمعيّة.

وقوله (عليه السلام): (ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ والله سَمِيعٌ عَلِيمٌ)، قال الله تعالى: (إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحاً وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ)[3]، بالرِّسالة والرئاسة الدُّنيويّة والاُخرويّة والخصائص الرُّوحانيّة ثمَّ وصف حال الآلين بقوله: (ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ)، أي ذريّة ناشئة متشعّبة بعضها من بعض (والله سَمِيعٌ) بأقوال الناس، (عَلِيمٌ) بأعمالهم وعقائدهم وصفاتهم، فيصطفي من عباده من كان مستقيم القول والعمل والعقائد، وفيه مدح لابنه (عليه السلام) ولنفسه المقدَّسة ولآبائه الطاهرين بأنّهم العالمون الصادقون المؤيّدون الموفّقون المسدَّدون من نسل آدم (عليه السلام) وذرّية إبراهيم الخليل.

فَقَالَ بُرَيْه: (أَنَّى لَكُمُ التَّوْرَاةُ والإِنْجِيلُ وكُتُبُ الأَنْبِيَاءِ)، أنّى هنا بمعنى من أين كان كما في قوله تعالى (أنّى لك هذا).

فجاء الجواب منه (عليه السلام): قوله (هِيَ عِنْدَنَا وِرَاثَةً مِنْ عِنْدِهِمْ نَقْرَؤُهَا كَمَا قَرَؤُوهَا ونَقُولُهَا كَمَا قَالُوا)، أي نفسّرها ونأوِّلها كما فسّروها وأوّلوها.

فهم (عليهم السلام)، ورثة الأنبياء والمرسلين(عليه السلام)، فقد ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله: (ولو ثنيت لي وسادة لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم وبين أهل الأنجيل بانجيلهم وبين أهل الزبور بزبورهم وبين أهل القرآن بقرآنهم)[4]. ولا بدع في ذلك فقد علمه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ألف باب من العلم كل باب يفتح ألف باب.

وورد عن علم الإمام المهدي (عجل الله فرجه) وحكمه، عن كعب قال: (المهدي يبعث بقتال الروم، يعطى فقه عشرة يستخرج تابوت السكينة من غار بأنطاكية، فيه التوراة التي أنزل الله تعالى على موسى (عليه السلام) والأنجيل الذي أنزل الله عز وجل على عيسى (عليه السلام) يحكم بين أهل التوراة بتوراتهم وبين أهل الأنجيل بأنجيلهم)[5].

مجلة بيوت المتقين العدد (66)

 


[1] الكافي، الشيخ الكليني: ج١، ص227.

[2] الكافي، الشيخ الكليني: ج١، ص227.

[3] سورة آل عمران: آية 33.

[4] خصائص الائمة: ص55.

[5] الملاحم والفتن: ج1، ص355.