1 - عَنْ سَمَاعَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله(عليه السلام) قَالَ: «إِنَّ للهِ تَبَارَكَ وتَعَالَى عِلْمَيْنِ عِلْماً أَظْهَرَ عَلَيْه مَلَائِكَتَه وأَنْبِيَاءَه ورُسُلَه فَمَا أَظْهَرَ عَلَيْه مَلَائِكَتَه ورُسُلَه وأَنْبِيَاءَه فَقَدْ عَلِمْنَاه وعِلْماً اسْتَأْثَرَ بِه فَإِذَا بَدَا للهِ فِي شَيْءٍ مِنْه أَعْلَمَنَا ذَلِكَ وعَرَضَ عَلَى الأَئِمَّةِ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِنَا»[1].
2 - عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله(عليه السلام) قَالَ: «إِنَّ لله عَزَّ وجَلَّ عِلْمَيْنِ: عِلْماً عِنْدَه لَمْ يُطْلِعْ عَلَيْه أَحَداً مِنْ خَلْقِه، وعِلْماً نَبَذَه إِلَى مَلَائِكَتِه ورُسُلِه، فَمَا نَبَذَه إِلَى مَلَائِكَتِه ورُسُلِه فَقَدِ انْتَهَى إِلَيْنَا»[2].
3 - عَنْ ضُرَيْسٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ(عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ للهِ عَزَّ وجَلَّ عِلْمَيْنِ: عِلْمٌ مَبْذُولٌ، وعِلْمٌ مَكْفُوفٌ، فَأَمَّا الْمَبْذُولُ فَإِنَّه لَيْسَ مِنْ شَيْءٍ تَعْلَمُه الْمَلَائِكَةُ والرُّسُلُ إِلَّا نَحْنُ نَعْلَمُه، وأَمَّا الْمَكْفُوفُ فَهُوَ الَّذِي عِنْدَ الله عَزَّ وجَلَّ فِي أُمِّ الْكِتَابِ إِذَا خَرَجَ نَفَذَ»[3].
4 - عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ(عليه السلام) قَالَ: «إِنَّ للهِ عَزَّ وجَلَّ عِلْمَيْنِ: عِلْمٌ لَا يَعْلَمُه إِلَّا هُوَ، وعِلْمٌ عَلَّمَه مَلَائِكَتَه ورُسُلَه فَمَا عَلَّمَه مَلَائِكَتَه ورُسُلَه(عليهم السلام) فَنَحْنُ نَعْلَمُه»[4].
من خلال هذه الروايات يتبين لنا، أن لعلم الغيب عدة إطلاقات، فتارة يراد به العلم المخزون المكنون الذي لم يطلع عليه أحد من الخلق، وهو ما استأثر الله تعالى بعلمه دون خلقه، حتى المعصوم عار عن هذا العلم بالقطع واليقين.
ويطلق علم الغيب تارة أخرى ويراد به أحد أمور خمسة ورد ذكرها في قوله تعالى:
(إِنَّ الله عِندَهُ عِلمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الغَيثَ وَيَعلَمُ مَا فِي الأَرحَامِ وَمَا تَدرِي نَفسٌ مَاذَا تَكسِبُ غَداً وَمَا تَدرِي نَفسٌ بِأَيِّ أَرضٍ تَمُوتُ إِنَّ الله عَلِيمٌ خَبِيرٌ)[5]، فهذه الأمور داخلة في علم الغيب بدليل ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه بعدما أخبر ببعض الحروب والوقائع التي تقع بعده (عليه السلام) قال له بعض أصحابه: (لقد أُعطيت يا أمير المؤمنين علم الغيب! فضحك(عليه السلام) وقال للرجل وكان كلبياً: «يَا أَخَا كَلْبٍ لَيْسَ هُوَ بِعِلْمِ غَيْبٍ، وإِنَّمَا هُوَ تَعَلُّمٌ مِنْ ذِي عِلْمٍ، وإِنَّمَا عِلْمُ الْغَيْبِ عِلْمُ السَّاعَةِ، ومَا عَدَّدَه اللهُ سُبْحَانَه بِقَوْلِه: (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)، فَيَعْلَمُ اللهُ سُبْحَانَه مَا فِي الأَرْحَامِ، مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وقَبِيحٍ أَوْ جَمِيلٍ، وسَخِيٍّ أَوْ بَخِيلٍ، وشَقِيٍّ أَوْ سَعِيدٍ، ومَنْ يَكُونُ فِي النَّارِ حَطَباً، أَوْ فِي الْجِنَانِ لِلنَّبِيِّينَ مُرَافِقاً، فَهَذَا عِلْمُ الْغَيْبِ الَّذِي لَا يَعْلَمُه أَحَدٌ إِلَّا الله، ومَا سِوَى ذَلِكَ فَعِلْمٌ، عَلَّمَه الله نَبِيَّه(صلى الله عليه وآله) فَعَلَّمَنِيه، ودَعَا لِي بِأَنْ يَعِيَه صَدْرِي، وتَضْطَمَّ عَلَيْه جَوَانِحِي»[6].
وأما علم الغيب بالمعنى الواسع الذي نفهمه نحن وسائر الناس ونريد به ما خفي عن الحواس أو ما لم تصل إليه عقول عامة الناس أو ما لا يحتمله الخاصة منهم فضلاً عن العامة، فإن هذا العلم بدرجاته المشار إليها مقدور للمعصومين (عليهم السلام)، بل هو مقدور لبعض الأفذاذ من الرجال من خواص الأئمة(عليهم السلام) وأمناءهم كسلمان وكميل وجابر الجعفي وأضرابهم.
فعلم الممكنات ليس ذاتياً لهم بل مأخوذ من الله تعالى، فلا بد أن يكون حاصلاً لهم بمقدار ما يرى الله المصلحة في تعليمهم كما قال تعالى: (عَالِمُ الغَيبِ فَلا يُظهِرُ عَلَى غَيبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارتَضَى مِن رَسُولٍ)[7].
ومن هنا نفهم أن نفي علم الغيب عن الإنسان أو عن الأئمة أو الأنبياء (عليهم السلام) المراد به نفي العلم ذاتاً بغير تعليم من الله تعالى.
أما العلم الثابت لهم من علم الغيب فهو العلم الحاصل بالتعليم والإلهام، بل هو ثابت لجميع أفراد الإنسان، ولكن يختلف بحسب اختلاف النفوس كمالاً ونقصاً، وقلة وكثرة، ولذا قال بعض الحكماء: إن لكل إنسان نصيباً من علم الغيب، وإنما يتفاضلون في مقداره وفي صراحته وإبهامه.
ثم إن علم الأئمة (عليهم السلام) بالغيب هو جانب واحد من جملة علمهم بكل شيء، وليس هذا العلم هو أجلّ وأفضل ما عندهم، فقد روى ابن شهرآشوب في مناقبه حديثاً عن الإمام الصادق (عليه السلام) جاء فيه: «والله لقد أعطينا علم الأولين والآخرين، فقال له رجل من أصحابه: جعلت فداك أعندكم علم الغيب؟ فقال له: إني لأعلم ما في أصلاب الرجال وأرحام النساء، ويحكم وسّعوا صدوركم ولتبصر أعينكم ولتعِ قلوبكم فنحن حجة الله تعالى في خلقه، ...الخبر»[8].
مجلة بيوت المتقين العدد (72)