اعلم بني، إنّه مثلما يصاب الجسد بالمرض ويحتاج إلى العلاج كذلك القلب يصيبه المرض ويحتاج إلى العلاج، إلّا أنّ مرض القلب (القسوة) أشدّ من مرض الجسد، فإذا أصيب القلب به يبدأ بعدم تذوق كلّ ما يقرّبه من الله تعالى؛ لأنّ قلبه أصبح قاسياً.
أسباب قسوة القلب.
1ـ احتقار المعصية: كثير منّا إذا فعل الذنب يعتبر نفسه لم يفعل شيئاً، وأنّه أمر عابر وغير ظاهر، واستصغاره يؤدي إلى قسوة القلب، فقد ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «أشدّ الذنوب ما استهان به صاحبه»[1].
وعنه (عليه السلام) أيضاً: «إيَّاكم وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ فَإِنَّهُنَّ يَجْتَمِعْنَ عَلَى الرجُل حَتَّى يُهْلِكْنَهُ»[2].
2ـ كثرة الذنوب: ربما يرتكب الإنسان في اليوم ذنوباً كثيرة، فيرتكب الذنب الأول، ثمّ الثاني وهلمّ جرّاً، فإلى أين يريد الوصول والعمر قصير، والدقائق تمر؟ واستمرار ارتكاب الذنب على الذنب من دون توبة وإنابة واستغفار، فإلى متى يبقى على هذه الحال؟
فقد ورد في الحديث النبوي: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ، فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ صُقِلَ قَلْبُهُ، فَإِنْ زَادَ زَادَتْ حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ، وَذَاكَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللهُ فِي الْقُرْآنِ (كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ مَا كانُوا يَكْسِبُونَ)»[3].
3ـ الاعتداء على الحرمات:
يبيّن الله تعالى في كتابه العزير أنّ للمؤمن حرمات منها قوله جلّ وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ)[4]، في هذه الآية المباركة يبيّن الله تعالى بعض الحرمات، ابتدأها بالظنّ، واختتمها بالغيبة، فالظنّ السيّء بالمؤمن من المحرمات، وكذلك التجسس عليه، وغيبته، فالمؤمن ما دام هو متستر العيوب فلا يجوز غيبته وهتك حرمته، فضلاً عن الظنّ به بالسوء والتجسس عليه.
وهناك أسباب أخرى لم نتطرّق لها بُغية الاختصار.
طرق علاج قسوة القلب.
1ـ محاسبة النفس: قال رسول الله: «حاسِبوا أنْفُسَكُم قَبلَ أنْ تُحاسَبوا، وزِنوها قَبلَ أنْ تُوزَنوا ...»[5]. وورد عن الإمام الكاظم (عليه السلام): «لَيس مِنّا مَن لَم يُحاسِبْ نَفْسَهُ في كُلِّ يَومٍ، فإنْ عَمِلَ خَيراً اسْتَزادَ الله َ مِنهُ وحَمِدَ الله َ علَيهِ، وإنْ عَمِلَ شَيئا شَرّا اسْتَغْفَرَ اللهِ وتابَ إلَيهِ»[6].
فعلى كلّ إنسان مؤمن لا بدّ أن يحاسب نفسه أشدّ من محاسبة شريكه في العمل؛ كي ينجو من مهالك النفس الأمارة بالسوء، ولا يعطيها مجال في ارتكاب المعاصي والتمادي فيها.
2ـ الإقرار بالذنب: من الأمور المهمّة للمؤمن الإقرار بالذنب أمام الله تعالى، والبكاء والتحسّر على ما فرّط في جنب الله، فالبكاء ليس عيباً، فهو يغسل النفس، الإمام الصادق (عليه السلام) يعلّمنا كيف لنا أنّ نتضرّع لله ونبكي على ذنوبنا، كي لا نبكي يوم القيامة، قال(عليه السلام): «كُلُّ عَينٍ باكيةٌ يومَ القيامةِ غيرَ ثلاثٍ: عينٌ سَهِرَتْ في سبيلِ الله، وعينٌ فاضَـتْ مـِن خَشيَةِ الله، وعَيـنٌ غَضّـتْ عـن مَحارِمِ الله»[7].
3ـ الخلوة مع النفس: إنّ الخلوة بالنفس لها منافع كثيرة منها: استرجاع ما مضى من عمرك فيمَ أفنيته، وتتأمل في الباقي منه بأيّ شيء تشغله؛ لأنّه سيأتي يوم ستكون فيه وحدك كما تذكر الآية المباركة: (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ)[8].
فالخلوة تذكر بالذنوب والخطايا والمعاصي، فتجعلك تبادر إلى التوبة والإنابة، لإصلاح النفس، وكان أمير المؤمنين يقف في السوق يبكى ويقول لهم: «يا عبيد الدنيا وعمال أهلها إذا كنتم بالنهار تحلفون وبالليل تنامون وفي خلال ذلك عن الآخرة تغفلون، فمتى تحرزون الزاد وتفكرون في المعاد»[9].
فتنبّه بني لما يُحي قلبك ويبعد عنك قسوته، فعليك بما تقدّم ذكره، وأضف لها تلاوة كتاب الله، ومجالسة أهل ذكر الله، وأكثر من ذكر الموت، ونحو ذلك.
المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (58)
[1] نهج البلاغة، خطب أمير المؤمنين: ج4، ص18.
[2] إرشاد القلوب، الديلمي: ج1، ص33.
[3]مرآة العقول، العلامة المجلسي: ج2، ص239.
[4]الحجرات: آية 12.
[5] وسائل الشيعة، الحر العاملي: ج16، ص99.
[6] الوافي، الفيض الكاشاني: ج4، ص313.
[7]الكافي، الكليني: ج2، ص80.
[8] الأنعام: آية 94.
[9] الأمالي، الشيخ المفيد: ج1، ص119.