والحمد لله رب العالمين وصلى الله على خاتم الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم أعداء الدين إلى يوم الدين.
السيد عبد العظيم الحسني
(ولاء وتضحية)
النسب الشريف:
الانتساب إلى أسرة كريمة وشريفة يضفي على شخصية الإنسان ميزة مهمة، فكيف إذا كان الانتساب إلى أقدس أسرة عرفها التاريخ البشري على وجه البسيطة، فهذا فخر، وأنعم به من فخر، لاسيما إذا اقترن هذا الشرف بشرف العلم والعمل به، والشخصية التي نحاول الكلام عنها هي من هذا النوع، فهي شخصية عظيمة، فمضافا إلى قداسة النسب الشريف حوت من العلم والمعرفة والفضيلة والولاء للنبي وآله الطاهرين(عليهم السلام) ما يجعلها في الصدارة، فالمترجَم له ينتهي نسبه إلى سبط خير الورى الإمام الحسن المجتبى(عليه السلام)، فهو: أبو القاسم عبد العظيم بن عبد الله بن عليّ بن الحسن بن زيد بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب(عليهم السلام)، واشتهر بالحسني.
ولادته:
ولد السيد عبد العظيم الحسني (رضي الله عنه) في سنة (173 هـ) في مدينة النبي (صلى الله عليه وآله).
أمه:
فاطمة بنت عقبة بن قيس.
مدة حياته:
عاش (رضي الله عنه) 79 عاما، عاصر فيها أربعة من الأئمة الأطهار، وهم الإمام موسى بن جعفر الكاظم، والإمام علي بن موسى الرضا، والإمام محمد بن علي الجواد، والإمام علي بن محمد الهادي (عليهم السلام).
مكانته عند المعصوم (عليه السلام):
نعرض لحديثين عن المعصوم (عليه السلام) تبين فضل السيد عبد العظيم عندهم (عليه السلام):
أولاً: ... حدثنا أبو تراب عبيد الله بن موسى الروياني، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني، قال: دخلت على سيدي علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) فلما بصر بي قال لي: (مرحبا بك يا أبا القاسم أنت ولينا حقا)[1].
ثانياً: روى أبو تراب الروياني قال: سمعت أبا حماد الرازي يقول: دخلت على علي بن محمد (عليهما السلام) بسُرَّ مَن رأى، فسألته عن أشياء من الحلال والحرام فأجابني فيها، فلما ودّعته قال لي: (يا حماد، إذا أشكل عليك شئ من أمر دينك بناحيتك، فسل عنه عبد العظيم بن عبد الله الحسني، واقرأه مني السلام)[2].
ثواب زيارته:
من المتيقن أن المعصوم (عليه السلام) عندما يقيّم الأمور يكون تقييمه طبقا للواقع جزما، وهنا نلاحظ أنه (عليه السلام) مثّل زيارة السيد عبد العظيم بزيارة الحسين (عليه السلام)، مع الأخذ بنظر الاعتبار عظمة زيارة الحسين (عليه السلام)، فقد ورد في البحار، ج102، والوسائل، ج14، وكامل الزيارات لجعفر بن محمد بن قولويه المتوفى (367هـ) واللفظ للأخير: (حدثني علي بن الحسين بن موسى بن بابويه، عن محمد بن يحيى العطار، عن بعض أهل الري، قال: دخلت على أبي الحسن العسكري (عليه السلام) فقال: أين كنت؟ فقلت: زرت الحسين بن علي (عليهما السلام)، فقال: أما إنك لو زرت قبر عبد العظيم عندكم لكنت كمَن زار الحسين)، لذا ورد في زيارته: (السلامُ عليكَ يا أبا القاسمِ ابنَ السبطِ المُنتجَبِ المُجتبى، السلامُ عليكَ يا مَن بزيارتِهِ ثوابُ زيارةِ سيّدِ الشُهداءِ يُرتجى).
روايته للحديث:
يعتبر السيد عبد العظيم الحسني من رواة الحديث في القرن الثالث الهجري، وقد وقع في إسناد كثير من الروايات، فقد روى أحاديث عن الإمامين الجواد والهادي (عليهما السلام)، منها:
في تنزيه الباري عز وجل مما ينسب إليه من المعاصي، ما نصه:
(...حدثنا سهل بن زياد الآدمي، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني، عن الإمام علي بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه الرضا علي بن موسى (عليهم السلام)، قال: خرج أبو حنيفة ذات يوم من عند الصادق (عليه السلام)، فاستقبله موسى بن جعفر(عليهما السلام)، فقال له: يا غلام، مِمَن المعصية؟ فقال (عليه السلام): لا تخلو من ثلاثة: إما أن تكون من الله عز وجل وليست منه، فلا ينبغي للكريم أن يُعذِّب عبده بما لم يكتسبه، وإما أن تكون من الله عز وجل ومن العبد، فلا ينبغي للشريك القوي أن يظلم الشريك الضعيف، وإما أن تكون من العبد وهي منه، فإن عاقبه الله فبذنبه، وإن عفا عنه فبكرمه وجوده)[3].
الرد على المنحرفين:
حدثنا علي بن أحمد بن موسى (رضي الله عنه)، قال: حدثنا محمد بن هارون الصوفي، قال: حدثنا عبيد الله بن موسى أبو تراب الروياني، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني، عن إبراهيم بن أبي محمود، قال: قلت للرضا(عليه السلام): (يا بن رسول الله ما تقول في الحديث الذي يرويه الناس عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) أنه قال: إن الله تبارك وتعالى ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا؟ فقال(عليه السلام): لعن الله المُحرِّفين الكَلِم عن مواضعه، والله ما قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) كذلك، إنما قال(صلى الله عليه وآله): إن الله تبارك وتعالى يُنزِل مَلكا إلى السماء الدنيا كل ليلة في الثلث الأخير، وليلة الجمعة في أول الليل، فيأمره فينادي: هل من سائل فأعطيه، هل من تائب فأتوب عليه، هل من مستغفر فأغفر له، يا طالب الخير أَقبِل، يا طالب الشر أَقصِر، فلا يزال ينادي بهذا حتى يطلع الفجر، فإذا طلع الفجر عاد إلى محله من ملكوت السماء، حدثني بذلك أبي، عن جدي، عن آبائه(عليهم السلام)، عن رسول الله(صلى الله عليه وآله))[4].
القول الثابت:
لعل كل إنسان يتمنى أن يخرج من هذه الدنيا وهو على عقيدة صالحة ومَرضية عند الباري عز وجل، وهذا السيد الجليل يقرر لنا ذلك عند لقائه بالإمام الهادي(عليه السلام)، قال: (دخلت على سيدي علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب(عليهم السلام)، فقلت له: يا ابن رسول الله إني أريد أن أعرض عليك ديني، فإن كان مرضيا أثبت عليه حتى ألقى الله عز وجل: فقال: هات يا أبا القاسم، فقلت: إني أقول: إن الله تبارك وتعالى واحد، ليس كمثله شيء، خارج عن الحدين حد الإبطال وحد التشبيه، وإنه ليس بجسم ولا صورة ولا عرض ولا جوهر، بل هو مجسم الأجسام، ومصور الصور، وخالق الأعراض والجواهر، وربُّ كل شيء ومالكه وجاعله ومحدثه، وإن محمدا عبده ورسوله خاتم النبيين فلا نبي بعده إلى يوم القيامة، وأقول: إن الإمام والخليفة وولي الأمر من بعده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ثم الحسن، ثم الحسين، ثم علي بن الحسين، ثم محمد بن علي، ثم جعفر بن محمد ثم موسى بن جعفر، ثم علي بن موسى، ثم محمد بن علي ثم أنت يا مولاي، فقال(عليه السلام): ومن بعدي الحسن ابني، فكيف للناس بالخَلَف من بعده؟ قال: فقلت: وكيف ذاك يا مولاي؟ قال: لأنه لا يُرى شخصه ولا يَحُلّ ذكره باسمه حتى يخرجَ فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما مُلئت جورا وظلما، قال: فقلت: أقررت، وأقول: إن وليهم ولي الله، وعدوهم عدو الله، وطاعتهم طاعة الله، ومعصيتهم معصية الله، وأقول: إن المعراج حق، والمسألة في القبر حق، وإن الجنة حق، وإن النار حق، والصراط حق، والميزان حق، وإن الساعة آتية لا ريب فيها، وإن الله يبعث مَن في القبور، وأقول: إن الفرائض الواجبة بعد الولاية الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقال علي بن محمد(عليهما السلام): يا أبا القاسم هذا والله دين الله الذي ارتضاه لعباده، فاثبت عليه، ثبّتَك الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة)[5].
عبد العظيم يروي الوصايا:
عن عبد العظيم الحسني (رضي الله عنه) عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، قال: (يا عبد العظيم أبلغ عني أوليائي السلام، وقل لهم: أن لا يجعلوا للشيطان على أنفسهم سبيلا، ومُرهم بالصدق في الحديث، وأداء الأمانة، ومُرهم بالسكوت، وترك الجدال فيما لا يعنيهم، وإقبال بعضهم على بعض، والمزاورة، فإن ذلك قربة إليَّ، ولا يشغلوا أنفسهم بتمزيق بعضهم بعضا، فإني آليت على نفسي أنه مَن فعل ذلك وأسخط وليا من أوليائي دعوت الله ليعذبه في الدنيا أشد العذاب، وكان في الآخرة من الخاسرين)[6].
واقع مرير:
لو تصفحنا التاريخ لوجدنا أن بعض الثورات والحكومات كانت تتخذ أهدافا لها تتناغم مع طموح الشعوب، من رفع الظلم وبسط الأمن والرفاه المعيشي وغيرها من الأمور، لكن ما إن يصل قادة هذه الثورات الى دَست الحكم سرعان ما تتلاشى وتتبخر هذه المزاعم وتتبدد جهود من قامت هذه الثورات على أكتافهم ودمائهم، وخير شاهد على ذلك ثورة العباسيين، حيث إنها قامت على أساس نشر العدل والاستقرار ورفع الظلم وغيرها، ورفعت شعارا يتناغم مع قلوب أغلب المسلمين وهو الرضا من آل محمد، فما إن تم للعباسيين الأمر حتى ظهرت بواطن النفوس من مكامنها وكشرت الوحوش عن أنيابها، وأعلنت عمليا أن الهدف هو قتل آل محمد لا الرضا منهم، وبدأ دور ظلم جديد، وقتل وتشريد لشيعة أهل البيت(عليهم السلام)، فكان أهل البيت وشيعتهم يهجرون الأوطان ويتغربون في البلدان، حتى قال شاعرهم:
ياليت جور بني أمية دام لنا
وليت عدل بني العباس في النار
ومن هؤلاء النجباء السيد عبد العظيم سليل الدوحة الحسنية العلوية، حيث شمله جور بني العباس، مما حدا به أن يترك وطنه حفاظا على دينه ومعتقده ويتنقل بين البلدان، حتى استقر به المقام في مدينة خصبة تضم ثلة من شيعة أهل البيت(عليهم السلام)كانت تدعى الري (جنوب طهران اليوم)، قال الميرزا النوري: وخاف[عبد العظيم] من السلطان فطاف البلدان على أنه قيج (قيج: معرب بيك)، ثم ورد الري، وسكن بساربانان، في دار رجل من الشيعة في سكة الموالي، وكان يعبد الله عز وجل في ذلك السرب (السرب: حفير تحت الأرض وقيل: بيت تحت الأرض، انظر: لسان العرب: سرب)، يصوم النهار ويقوم الليل، ويخرج مستترا فيزور القبر الذي يقابل الآن قبره، وبينهما الطريق، ويقول: هو قبر رجل من ولد موسى بن جعفر(عليهما السلام) وهو قبر حمزة بن الإمام الكاظم(عليه السلام)، وكان يقع خبره إلى الواحد بعد الواحد من الشيعة حتى عرفه أكثرهم، فرأى رجل من الشيعة في المنام كأن رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال: إن رجلا من ولدي يحمل غدا من سكة الموالي، فيدفن عند شجرة التفاح، في باغ (الباغ: كلمة فارسية معناها: البستان) عبد الجبار بن عبد الوهاب، فذهب الرجل ليشتري الشجرة، وكان صاحب الباغ رأى أيضا رؤيا في ذلك، فجعل موضع الشجرة مع جميع الباغ وقفا على أهل الشرف والتشيع يدفنون فيه، فمرض عبد العظيم (رضي الله عنه) ومات، فحمل في ذلك اليوم إلى حيث المشهد[7].
وذكر العلامة المجلسي: فلما جُرِّد ليُغسل وُجد في جيبه رقعة فيها ذكر نسبه، فإذا فيها: أنا أبو القاسم عبد العظيم بن عبد الله بن علي بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)[8].
تاريخ الوفاة:
كانت وفاته (رضي الله عنه) في 15 شوال 252 هـ، حيث مرقده اليوم بمدينة الري (جنوب العاصمة طهران)، وأصبح مرقده مزارا يؤمه الزائرون ويقصده الوافدون، ومحلا لقبور كثير من العلماء والصالحين، كقبر الشيخ الصدوق (رضي الله عنه) وغيره، وبوفاته (رضي الله عنه) طُويت صفحة ناصعة من صفحات النضال ضد الظلم والاضطهاد.
ثبتنا الله تعالى وجميع المؤمنين على القول الثابت، والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطاهرين.
لتحميل الملف اضغط هنا
[1] التوحيد للشيخ الصدوق: ص81.
[2] مستدرك الوسائل للميرزا النوري الطبرسي: ج17، ص321.
[3] الأمالي للشيخ الصدوق: ص495.
[4] التوحيد للشيخ الصدوق: ص176.
[5] التوحيد للشيخ الصدوق: ص81.
[6] مستدرك الوسائل ميرزا النوري الطبرسي، ج: 9، ص102.
[7] خاتمة المستدرك: ج4، ص405.
[8] بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج99، ص269.