ورد حديث السفينة عن النبي(صلى الله عليه وآله) عند جميع الفرق الإسلامية وهو قوله(صلى الله عليه وآله): «مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها هلك».
وهو بهذا اللفظ نقلناه عن عيون أخبار الرضا، للشيخ الصدوق: ج 2، ص30، كما ذكره - من طرقنا - كتاب سليم بن قيس: ص 457، والأمالي للشيخ الصدوق: ص 341، وخصائص الأئمة - الشريف الرضي: ص 77، والأمالي للشيخ الطوسي: ص60، ومناقب علي بن أبي طالب(عليه السلام) -لابن المغازلي: ص 323، وغيرهم، فهو من هذه الطرق لا غبار عليه.
وأما من طرق غيرنا فقد رواه الهيثمي مجمع في الزوائد: ج 9، ص168، والطبراني في المعجم الأوسط: ج 6، ص85، والحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين: ج2، ص486، وقال: حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.
وقال أحمد بن حجر الهيثمي في الصواعق المحرقة: ج2، ص445: (وجاء من طرق عديدة يقوي بعضها بعضاً: إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا، وفي رواية مسـلم: ومن تخلف عنها غرق؟! وفي رواية هلك) كما رواها أحمد بن حنبل في كتابه «فضائل الصحابة»: ج 2، ص785، وغيرهم.
أما رواة الحديث ممّن سمعه عن الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله) هم: أبو الحسن، الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) أبو سعيد الخدري، سعد بن مالك، وأبو ذر الغفاري، جندب بن جنادة، وأبو حمزة، أنس بن مالك، وأبو طفيل، عامر بن وائلة الليثي، وأبو العباس، عبد الله بن العبّاس، وأبو بكر، عبد الله بن الزبير، وأبو مسلم، سلمة بن الأكوع.
وقد رواه من التابعين ما يقارب 121 تابعياً.
إذاً حديث السفينة ورد في كتب ومصنفات المسلمين عامة بمختلف مذاهبهم، كما أنه ورد بألفاظ عديدة، حسب الصيغة التي صاغه بها ناقل الحديث مباشرة من الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله) أو الراوي عنه مباشرة، فقد يلحظ المتتبع الاختلافَ والزيادة أو النقصان حسب اختلاف المصادر، إلا أن جميع النقول تشترك في مقدار معين، أو قل قدر متيقن من المعنى، وهو تشبيه أهل البيت(عليهم السلام) بسفينة نوح(عليه السلام) في نجاة المتمسك بهم من الخسران، وهلاك من تركهم وعدل عنهم، قال تعالى: (فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ)[1].
أي: فأنجينا نوحاً وأصحاب سفينته، وهم الذين حملهم في سفينته من الذين أطاعوا أمره، والقصة معروفة مشهورة.
دلالات الحديث:
تدل الصيغة اللغوية والبلاغية لحديث السفينة على أكثر من دلالة تتعلق بعقيدتنا بأهل البيت(عليهم السلام)، حيث أنه من خلال تلك الدلالات نستطيع إدراك أهمية هذا الحديث للأمّة الإسلامية:
أولاً: يدل هذا الحديث على عصمة الأئمة(عليهم السلام) وهي الدلالة الأهم، ذلك لأنهم لو لم يكونوا معصومين فلا يكون التخلّف عنهم حال خطئهم لا يعدّ هلاكًا، والنبي(صلى الله عليه وآله) جزم بأنّ النّجاة في اتباعهم، والهلاك في التخلّف عنهم، فدلّ ذلك على أنّهم لا يخطئون، وإذا كانوا كذلك فهم إذًا معصومون.
ثانياً: وجوب ولزوم التمسّك واتباع أهل بيت الرسول(عليهم السلام) من بعده، وهذا الوجوب وإن لم يذكر بصيغة الأمر، إلا أنه يُعلم من حال المشبه به، حيث أن الأمة في زمن نوح(عليه السلام) كانوا مأمورين بركوب السفينة، والوعيد والهلاك لمن يتخلّف عنها، فأحد أركان التشبيه هم المسلمون، حيث شبههم الحديث بقوم نوح(عليه السلام) من جهة الأمر بالطاعة والإتباع.
ثالثاً: إن الذي يترك اتّباع أهل البيت(عليهم السلام) لا يحصل على شيء آخر يمنحه الأمان ويعوضه معطيات الطاعة لهم، من النعيم والقرب من الباري عز وجل.
رابعاً: إذا خالف العبدُ الأمرَ الإلهي في اتباع أهل البيت(عليهم السلام) فإنه يستحق العذاب، ومصيره الخسران، ولا تغنيه أنواع القرابات والأرحام، كما في ابن نوح(عليه السلام) الذي لم تنجّه البنوّة من مغبّة مخالفته أبيه النبي(عليه السلام).
مجلة اليقين العدد (58)