عابس بن أبي شبيب الشاكري

عابس بن أبي شبيب الشاكري

خصّه الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) بالسلام عليه في زيارته المعروفة بـ (زيارة الناحية المقدّسة)، فقال فيها: (السلام على عابسِ بنِ أبي شبيب الشاكريّ).

 اسمه وكنيته ونسبه:

هو عابس بن أبي شبيب بن شاكر بن ربيعة بن مالك بن صعب بن معاوية بن كثير بن مالك بن جشم بن حاشد الهمداني الشاكري، وبنو شاكر بطن من همدان.

مواقف شامخة:

كان عابس من رجال الشيعة رئيساً شجاعاً خطيباً ناسكاً متهجداً، وكانت بنو شاكر من المخلصين بولاء أمير المؤمنين(عليه السلام) وفيهم يقول(عليه السلام) يوم صفين: (لو تمت عدتهم ألفا لعبد الله حق عبادته)[1]. وكانوا من شجعان العرب وحماتهم، وكانوا يلقبون فتيان الصباح، فنزلوا في بني وادعة من همدان، فقيل لها فتيان الصباح، وقيل لعابس الشاكري والوادعي.

وعابس بن أبي شبيب الشاكريّ رضوان الله عليه.. هو من الطبقة المؤمنة المجاهدة الصابرة، المتفانية في سبيل المبدأ، والتي عُرِفت بمواقفها الشامخة، فهو أحدُ دعاة النهضة الحسينيّة المباركة في الكوفة، وأحدُ المناصرين لمسلم بن عقيل سفير الحسين (عليه السلام).

فحين بلغ الكوفيّين هلاكُ معاوية.. أخذت كتبهم تتلاحق على الإمام الحسين (عليه السلام)، حتّى اجتمع عنده اثنا عشر ألف كتاب، فلم يَرَ بُدّاً من الإجابة، فأرسل إليهم ابن عمّه مسلم بن عقيل ممثلاً عنه. فإذا قَدِم مسلم أسرع أهل الكوفة لمبايعته، وقد قرأ عليهم كتاب الإمام الحسين (عليه السلام) فأخذوا يبكون، وخَطَب خُطَباؤهم مُرَحّبين به مُوَطّنين أنفسَهم على نُصرته.. وفي ذلك قام عابس بن أبي شبيب الشاكريّ، فحَمِد اللهَ وأثنى عليه، ثمّ قال لمسلم:

أمّا بعد، فإنّي لا أُخبرك عن الناس، ولا أعلَم ما في أنفسهم، وما أغرّك منهم. واللهِ أحدّثك عمّا أنا مُوطّنٌ نفسي عليه، واللهِ لأجيبنّكم إذا دَعَوتم، ولأُقاتلنّ معكم عَدُوَّكم، ولأضرِبَنّ بسيفي دونكم، حتّى ألقى اللهَ.. لا أريد بذلك إلاّ ما عند الله)[2].

كان من الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا اللهَ عليه.

ولإيمانه ووثاقته، أرسله مسلم بن عقيل برسالة إلى الإمام الحسين (عليه السلام)، ثمّ لازم عابسٌ سيّدَ الشهداء (عليه السلام) في مكّة بعد أن خرج منها متوجّهاً إلى ساحة الطفّ.. إلى أن جاء معه إلى كربلاء.

يوم عاشوراء:

بعد أن هوى خمسون شهيداً من أصحاب الحسين (عليه السلام) في الحملة الأولى.. أخذوا يَبرُزون للحرب وُحْداناً واثنين اثنين، فيخرج الأخَوان والصَّديقان فيُقاتِلان حتّى يُستَشهدا معاً، وربّما قّدّم الأخُ أخاه والحميمُ حميمَه، حتّى إذا قُتل خرج من بعده.

ولمّا قدّم عابسٌ صاحبَه شَوذَب الشاكريّ، أقبل على إمامه الحسين (عليه السلام) قائلاً له: (يا أبا عبدالله، أمَا والله ما أمسى على ظهر الأرض قريبٌ ولا بعيد أعَزَّ علَيّ ولا أحبَّ إلَيّ منك، ولو قَدَرتُ على أن أدفع عنك الضيمَ والقتلَ بشيءٍ أعزَّ علَيّ من نفسي ودمي لَفَعَلتُه. السلام عليك يا أبا عبدالله، أُشهِدُ اللهَ أنّي على هَدْيك وهَدْي أبيك)[3].

وروى أبو مخنف: أنه لما التحم القتال في يوم عاشوراء وقتل بعض أصحاب الحسين (عليه السلام) جاء عابس الشاكري ومعه شوذب (مولى عابس)، فقال لشوذب: يا شوذب ما في نفسك أن تصنع ؟ قال: ما أصنع ؟ أقاتل معك دون ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى أقتل. فقال: ذلك الظن بك، أما الآن فتقدم بين يدي أبي عبد الله حتى يحتسبك كما احتسب غيرك من أصحابه، وحتى أحتسبك أنا، فإنه لو كان معي الساعة أحد أنا أولى به مني بك لسرني أن يتقدم بين يدي حتى أحتسبه، فإن هذا يوم ينبغي لنا أن نطلب الأجر فيه بكل ما نقدر عليه، فإنه لا عمل بعد اليوم، وإنما هو الحساب[4].

حب الحسين(عليه السلام) أجنني:

 قد بلغ عابس من عشق الإمام الحسين (عليه السلام) مبلغاً قل مثيله. فقد ورد أنه لما خلع درعه قيل له: أجننت يا عابس؟ فقال قولته المشهورة: (حب الحسين أجنني)[5].

الشهادة:

وروى أبو مخنف عن الربيع بن تميم الهمداني أنه قال: لما رأيت عابسا مقبلا عرفته وكنت قد شاهدته في المغازي والحروب، وكان أشجع الناس، فصحت: أيها الناس: هذا أسد الأسود، هذا ابن أبي شبيب، لا يخرجن إليه أحد منكم، فأخذ عابس ينادي: ألا رجل ألا رجل؟! فلم يتقدم إليه أحد، فنادى عمر بن سعد: ويلكم ارضخوه بالحجارة. فرمي بالحجارة من كل جانب، فلما رأى ذلك ألقى درعه ومغفره خلفه، ثم شد على الناس، فوالله رأيته يكرد أكثر من مائتي من الناس، ثم إنهم تعطفوا عليه من حواليه، فقتلوه واحتزوا رأسه، فرأيت رأسه في أيدي رجال ذوي عدة، هذا يقول: أنا قتلته، وهذا يقول: أنا قتلته، فأتوا عمر بن سعد فقال: لا تختصموا، هذا لم يقتله إنسان (سنان) واحد، كلكم قتله، ففرقهم بهذا القول)[6].

خصّه الإمام المهديّ (عجّل الله تعالى فرَجَه الشريف) بالسلام عليه في زيارته المعروفة بـ (زيارة الناحية المقدّسة)، فقال فيها: (السلام على عابسِ بنِ أبي شبيب الشاكريّ).

فسلامٌ على عابس في الموالين المخلصين، والفرسان الغيارى المتحمّسين، والشهداء المتسامين.

مجلة بيوت المتقين العدد (37)

 


[1] أعيان الشيعة للأميني: ج9، ص234.

[2] تاريخ الطبري: ج3، ص279.

[3] بحار الأنوار: 45، ص29.

[4] تاريخ الطبري: ج4، ص338.

[5] أدب الطف أو شعراء الحسين (عليه السلام)، ج ٨، جواد شبر، ص ١٧٢.

[6] تاريخ الطبري: ج4، ص339.