زمن الثرثرة

مَرَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) برجل يتكلم بفضول الكلام فوقف عليه ثم قال (عليه السلام): (يا هذا إنك تملى على حافظيك كتاباً إلى ربك فتكلم بما يعنيك ودع ما لا يعنيك)[1].

في هذا الزمن الذي نعيشه نجد أنّ النّاس مُبتلية ببليّة خطرة جدّاً، وهي هذه الثورة في عالم الاتصالات، حيث لدينا اليوم إضافة إلى أجهزة الإعلام، الهواتف الخلوية والانترنت وغير ذلك، ومن المهمّ علينا أن نفهم أنّ الكتابة على الانترنت والمحادثة الخطيّة هي كلام كالقول اللسانيّ وعلينا أن ننتبه إلى آفات فضول الكلام، وعلينا أن نتقي الله في ذلك كلّه، وننتبه إلى ما نقول وما نكتب وما نسمع وما نشاهد وما نقرء.

وإلّا فإنّ الكلمة التي يقولها الإنسان في الهواء المباح سيتحمّل وزرها بالغاً ما بلغ ولنتأمّل معاً هذه الحكمة لرسول الله (صلى الله عليه وآله).

في وصية له قال: (يا أبا ذر من ملك ما بين فخذيه وما بين لحييه دخل الجنة، قلت: وإنا لنؤاخذ بما تنطق به ألسنتنا؟ فقال(صلى الله عليه وآله): وهل يُكبُّ الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم، إنك لا تزال سالماً ما سكتَّ، فإذا تكلمت كتب لك أو عليك، يا أبا ذر إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله عزّ وجلّ فيكتب بها رضوانه يوم القيامة، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة في المجلس ليضحكهم بها فيهوى في جهنم ما بين السماء والأرض، يا أبا ذر: ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم ويل له، ويل له، ويل له، يا أبا ذر مَنْ صَمَتَ نجى، فعليك بالصمت، ولا تخرجن من فيك كذبة أبداً، قلت: يا رسول الله(صلى الله عليه وآله) فما توبة الرجل الذي يكذب متعمدا؟ قال(صلى الله عليه وآله): الاستغفار وصلوات الخمس تغسل ذلك)[2].

ترك الثرثرة:

لابد لمن أصيب بهذا المرض الخطير وهو الثرثرة أن يسارع إلى تركها: وذلك بسبب ما فيها من غرور مما يكشف عن شخصية غير متزنة؛ لأن الذي يمسك الحديث ويستأثر به دون غيره يبدو وكأنه مغرور يعرض نفسه ومعلوماته على الآخرين، مضافاً إلى أنه ينافي احترام الآخرين وفسح المجال أمامهم ليشاركوا ويمارسوا حقهم بالكلام، كذلك فإن الثرثرة قد تؤدي إلى الحرام من حيث لا يلتفت المتحدث، فلابد للإنسان أن يحرص على أن يصغي أكثر من أن يتحدث فان ذلك يجعله أكثر وقاراً وتواضعاً، وأقل أخطاء وأكثر استفادة.

روي عن النبي (صلى الله عليه وآله): (من وصايا الخضر لموسى (عليه السلام): (لا تكونن مكثاراً بالنطق مهذاراً، فإن كثرة النطق تشين العلماء وتبدى مساوئ السخفاء)[3].

 وعن لإمام علي (عليه السلام): (الكلام في وثاقكَ ما لم تتكلم به، فإذا تكلمت به صرت في وثاقه، فاخزن لسانك كما تخزن ذهبك وورقك، فرب كلمة سلبت نعمة وجلبت نقمة)[4].

 


[1] من لا يحضرة الفقيه للصدوق: ج4، ص 396.

[2] وسائل الشيعة: ج12، ص251.

[3] ميزان الحكمة: ج3، ص2736.

[4] نهج البلاغة: ج4، ص91.