قال تعالى: (إنّ الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا...)[1]، فمن هم الصابئة؟ وما وجه تسميتهم بهذا الاسم؟
وفي وجه التسمية اختلفت أقوالهم أيضاً فقيل:
إنّ الصابئة من (صبأ) أي: انحرف عن طريق الأنبياء، وهؤلاء قوم انحرفوا عن طريق الحق ودين الأنبياء، فهم (صابئة)[2].
وقيل: إنّ (صبأ) تعني الخروج من الدين إلى دين آخر[3].
والصابئون جمع صابئ وهي كلمة عبرية، تعني الغوص في الماء (أو التعميد)، والصابئون (فرقة تعبد الملائكة، ويقرأون (الزبور)، ويتجهون نحو القبلة)[4].
وقيل: إنّ الصابئة كانوا على مذهب الحنفاء قبل أن يطرح (زراتشت) دعوة المجوسية على (جشتاسب).
ما هو السبب في اختلاف الآراء؟
سبب اختلاف الآراء حول هذه الطائفة يعود إلى قلّة أفرادها وإصرارهم على إخفاء تعاليمهم، وامتناعهم عن الدعوة إلى دينهم، واعتقادهم أنّ دينهم خاص بهم لا عام لكلّ الناس، وأنّ نبيّهم مبعوث إليهم لا لغيرهم، ولذلك أحيطوا بكثير من الغموض واكتنفتهم الأسرار، وهم يتجهون نحو الانقراض.
الالتزام بتعاليمهم على غاية الصعوبة، ففيها أنواع الأغسال والتعميدات في الشتاء والصيف، ويميلون إلى الانزواء والابتعاد عن غير أبناء دينهم ويحرمون تزوج النساء من غير الصابئين، وكثير منهم اعتنق الإسلام نتيجة اختلاطهم بالمسلمين[5].
يظهر من استقراء آراء أصحاب كتب الأديان أنّ الصابئة أصحاب ديانة موحّدة مرتبطة بالسماء، ومتبعون للأنبياء بدأً بالنبي إبراهيم وصولاً لزكريا(عليهما السلام)، والاختلاف فيهم ينبئ عن كونهم على فرقتين فرقة موحّدة، وفرقة انحرفت عن التوحيد وأشركت، فعبدت الأصنام والتجأت إلى عبادة النجوم والكواكب، وكونها هي المؤثرت في الوجود لأنّها منزل الملائكة.
معتقدات الصابئة:
يعتقد الصابئة أنّ أول كتاب مقدّس سماوي نزل على آدم، وبعده على نوح، ثمّ على سام، ثمّ على رام، ثمّ على إبراهيم الخليل، ثمّ على موسى، وأخيراً على يحيى بن زكريا.
كتبهم المقدسة:
1- (كيزاربا) ويسمّى أيضاً (سدره)، أو (صحف) آدم، وفيه آراء حول كيفية بدء الخلق.
2- كتاب (أدر أفشادهي) أو (سدرادهي)، ويتحدّث عن يحيى وتعاليمه، ويعتقد الصابئة أنّه موحى إلى يحيى عن طريق جبرائيل.
3 - كتاب (قلستا) وفيه تعاليم الزواج والزوجية، وهذا إلى جانب كتب كثيرة أخرى يطول ذكرها.
أهم فرقهم وشعائرهم الدينية:
الصابئة المندائية أكبر وأهم الفرق الموجودة حالياً من الصابئة، ثمّ يأتي بعدهم صابئة (حرّان) في شمالي العراق وسوريا، حيث كانوا يقيمون في القدس، ثمّ طردوا منها بعد الميلاد، فهاجروا إلى حرّان، ثم إلى جنوبي العراق وإيران.
يبدو مما سبق أنّ هؤلاء أتباع يحيى بن زكريا، الذي يسميه المسيحيون يحيى المعمد، أو يوحنا المعمد. وهناك رأي آخر بشأن الصابئة، يقول: (هم مَن يعتقد في الأنواء اعتقاد المنجمين في السيارات حتى لا يتحرّك ولا يسكن ولا يسافر ولا يقيم إلّا بنوء من الأنواء ويقول مطرنا بنوء كذا . . . وهؤلاء كانوا قوم إبراهيم الخليل(عليه السلام) وهو أهل دعوته وكانوا بحران، فهي دار الصابئة.
طوائف منهم يصومون شهر رمضان، ويستقبلون في صلواتهم الكعبة، ويعظمون مكة ويرون الحج إليها، ويحرمون الميتة والدم ولحم الخنزير، ويحرّمون من القرابات في النكاح ما يحرّم المسلمون، وعلى هذا المذهب كان جماعة من أعيان الدولة ببغداد منهم (هلال بن المحسن الصابي) صاحب الديوان الإنشائي وصاحب الرسائل المشهورة، وكان مع المسلمين ويعبد معهم ويزكّي ويحرّم المحرّمات، وكان الناس يعجبون من موافقته للمسلمين وليس على دينهم، وأصل دين هؤلاء فيما زعموا أنّهم يأخذون محاسن ديانات العالم ومذاهبهم ويخرجون من قبيح ما هم عليه قولاً وعملاً، ولهذا سموا صابئة، أي: خارجين، فقد خرجوا عن تقييدهم بجملة كلّ دين وتفصيله إلّا ما رأوه فيه من الحق.
من مجموع ما سبق يتبيّن أنّ الصابئين كانوا في الأصل أتباع أحد الأنبياء(عليهم السلام)، وإن اختلف المحققون في تعيين نبيّهم، ولكن بعد التحقيق يظهر أنهم انحرفوا بعد ذلك، وعبدوا الكواكب والنجوم، ويذهب جلّ علمائنا إلى أنهم ليسوا أصحاب كتاب، وعليه لا يجوز الزواج منهم، وأكل ذبائحهم، ونحو ذلك.
المصدر: مجلة اليقين العدد (64)