عندما بدأ أبي حواره معي عن الموت كنت متوتّراً، ومشدوداً لكلامه، وحين لاحظ أمارات الخوف على وجهي سألني أخائف أنت؟
فقلت: وكيف لا!
فقال أبي: أتخاف الموت أم الميّت؟
فقلت: أخاف من الميّت أكثر من الموت.
فقال أبي: أتخاف من كان حياً مثلك، فعليك أن تخاف الموت لهول ما بعده لقوله تعالى: (.. وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ)[1]، وليكن الميّت مذكراً لك بما سيؤول إليه مصيرك.
وهل تعرف أحكام الميّت؟
قلت: لا.
فقال: إذا حضرت رجلاً يحتضر فَدَعْ مخاوفك جانباً ووجِّهه للقبلة وهو أنْ تضعَه على ظهره وتجعلَ باطنَ رجليه إلى القبلة، ويُستحب أن تلقّنه الشهادتين، والإقرار بالنبي والأئمة وتقرأ «الصافات» ليسهّل عليه النَزْع ويكره حضور الجنب والحائض عنده، وأن يُمسّ حال النَزْع.
فقلت: وإذا مات؟
قال أبي: يُستحب أن تُغمضَ عينيه، وتغلقَ فمَه، وتمدَّ ساقيه ويديه إلى جانبيه، وتغطّيه بثوب، وتقرأ عنده القرآن، وتخبر المؤمنين بموته.
ويُستحب الإسراع في تجهيزه إلاّ أن يُشتَبه بموته حتى يُتأكّدَ منه، عندها يجب تغسيله، فيغسِّله المماثل، إلاّ في الزوج والزوجة فيجوز لكلّ منهما تغسيل الأَخر وكذا الصبي المميّز سواء الذكر والأنثى فانّه يجوز تغسيله للذكر والأنثى وهكذا المحرم فانه يجوز له أنْ يغسل محرمه غير المماثل إذا لم يوجد المماثل.
فقلت له: والسقط؟
قال: إذا أتمّ أربعة أشهر بل وإنْ لم يتمّها إذا كان مستوي الخلقة، ولكنْ لا يصلّى عليه.
فقلت: وكيف يغسّل الميّت؟
قال: يُغسَّل بثلاثة أغسال: بماء السدر والكافور والقراح، ويكون الغسل ترتيبياً بغسل الرأس والرقبة، ثمّ الجانب الأيمن، ثمّ الأيسر ويكون ماء الغسل طاهراً وغير مغصوب، ولا مضاف، ويكون السدر، والكافور مباحَيْن أيضاً.
فقلت: وهل تُنزع ملابس الميّت أثناء الغسل؟
قال أبي: يجوز تغسيله بملابسه.
قلت: وكيف يكون الماء مطلقاً ويضافُ السدر أو الكافور اِليه؟
قال أبي: يضاف إليه بمقدار لا يحوّله إلى ماء مضاف.
فقلت: وإذا تنجّس جسد الميّت بنجاسة خارجية أو منه أثناء الغسل؟
قال لي: وجب تطهيرها، ولا تجب إعادة الغسل.
فقلت: وبعد الانتهاء من تغسيله؟
قال أبي: يُحنّط ويُكفّن.
فقلت: وما التحنيط؟
قال أبي: إمساس مواضع السجود السبعة بالكافور المسحوق ويجب كونه غيرَ مغصوب، ولا نجس.
فقلت: وكيف يُكفّن الميّت.
قال: يُكفّن بقطع ثلاث: المئزر ويستر ما بين السرّة والركبة، والقميص ويستر ما بين الكتفين إلى نصف الساق، والإزار فيغطّي جميع الجسد بحيث يشدّ طرفاه العلوي والسفلي وعرضاً بحيث يقع أحد جانبيه على الآخر.
فقلت: وإذا تعذّرت القطع الثلاث؟
قال: يُكفّن الميّت بما يتيسّر منها.
فقلت: وماذا بعد التكفين؟
قال أبي: يُصلّى عليه وإن كان طفلاً كأن بلغ ست سنوات.
قلت: وكيف يصلّى عليه؟
الأب: الصلاة على الميت هي خمس تكبيرات لا قراءةَ، ولا ركوعَ، ولا سجودَ، ولا تشهّدَ، ولا تسليمَ فيها، فيُكبِّر الأولى ويتشهَّد الشهادتين، ويُكبِّر ثانية فيُصلّي على النبي وآله، ويكبِّر ثالثة ويدعو للمؤمنين والمؤمنات، ويكبِّر رابعة ويدعو للميّت، ثمّ يكبِّر خامسة وينصرف.
فقلت: وهل يشترط في الصلاة على الميت شيء؟
قال أبي: نعم يا ولدي، يشترط فيها جملة من الأمور وهي: النيّة، والقيام، واستقبال المصلّي للقبلة، والميّت أمامه، ورأس الميّت على يمينه ورجلاه الى يساره، وأن لا يكون حائل بين الميّت والمصلّي إلا بمثل النعش أو ميت آخر، وأن لا يفصل بين الميّت والمُصلّي بُعدٌ مفرِط، وأن لا يعلو أحدُهما على الآخر علوّاً مفرطاً.
فقلت: والطهارة؟
فقال: والطهارة غير واجبة في هذه الصلاة.
فقلت: وإذا انتهت الصلاة؟
قال أبي: يُدفن الميّت بمواراته في الأرض مع تحقق حفظه من الحيوانات المفترسة، وإخفاء رائحته عن النّاس، ويوضع على جانبه الأيمن في قبره مع توجيه وجهه للقبلة.
المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (24)