قال الشريف أبو الحسن الفتوني (قدس سره)، وهو من أعاظم علماء عصره: فالآن نشرع في بيان نُبَذٍ مما جرى عليها بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، من التعدي والتفريط، بحيث أجهرت بالشكوى، وأظهرت الوَجْد[1] والغضب على المعتدين عليها، حتى أنها أوصت بمنعهم عن حضور جنازتها، إذ لا يخفى حينئذ على كل منصف، متذكر لما ذكرناه في شأنها: أن صدور مثل هذا عنهم قدح صريح فيهم، حيث لم يبالوا - أولاً - بما ورد في حقها، ولم يخافوا - ثانياً - من غضب الله ورسوله (صلى الله عليه وآله).
ثم يستمر في الاستدلال.. ثم يذكر رواية عن بكاء النبي (صلى الله عليه وآله) حين حضرته الوفاة، فسُئل عن ذلك، فقال: أبكي لذريتي، وما يصنع بهم شرار أمتي من بعدي، وكأني بفاطمة وقد ظلمت من بعدي، وهي تنادي: يا أبتاه، يا أبتاه، فلا يعينها أحد من أمتي.
ثم يقول: هذا الكلام من النبي (صلى الله عليه وآله) إشارة إلى ما سيأتي...، من بيان هجوم عمر وجماعة معه، بأمر أبي بكر على بيت فاطمة (عليها السلام)، لإخراج علي (عليه السلام) والزبير منه للبيعة، وكذا إلى منعها عن فدك، والخمس، وبقية إرثها من أبيها (صلى الله عليه وآله).
ولا بأس إن ذكرنا مجملاً من ذلك ها هنا:
نقل جماعة منهم الطبري، والجوهري، والقتيبي، والسيوطي، وابن عبد ربه، والواقدي، وغيرهم خلق كثير: أن عمر بن الخطاب وجماعة معه، منهم خالد بن الوليد، أتوا بأمر أبي بكر إلى بيت فاطمة (عليها السلام)، وفيه علي (عليه السلام) والزبير، وغيرهما، فدقوا الباب، وناداهم عمر، فأبوا أن يخرجوا.
فلما سمعت فاطمة (عليها السلام) أصواتهم نادت بأعلى صوتها باكية: يا أبتاه، يا رسول الله، ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب، وابن أبي قحافة.
وفي رواية القتيبي، وجمع غيره: أنهم لما أبوا أن يخرجوا دعا عمر بالحطب، وقال: والذي نفس عمر بيده، لَتَخرُجُنَّ، أو لأحرقنها عليكم على ما فيها، فقيل له: إن فيها فاطمة؟! فقال: وإن...
وفي رواية ابن عبد ربه: إن فاطمة قالت له: يا ابن الخطاب، أجئتنا لتحرق دارنا؟ قال: نعم.
وفي رواية زيد بن أسلم: إنها قالت: تحرق عليَّ، وعلى ولدي؟
قال: إي والله، أو لَيَخرُجُن، ولَيَبُايِعُن.
ثم إن القوم الذين كانوا مع عمر لما سمعوا صوتها وبكاءها انصرف أكثرهم باكين، وبقي عمر وقوم معه، فأخرجوا عليا.
حتى في رواية أكثرهم: إن عمر دخل البيت، وأخرج الزبير، ثم عليا، واجتمع الناس ينظرون، وصرخت فاطمة وولولت، حتى خرجت إلى باب حجرتها، وقالت: ما أسرع ما أغَرْتُم على أهل بيت نبيكم.
وقد ذكر الشهرستاني في كتاب الملل والنحل: أن النَظَّام نقل: أن عمر ضرب بطن فاطمة ذلك اليوم، حتى ألقت المُحسن من بطنها، وكان يصيح: أحرقوها بمن فيها.
وفي روايات أهل البيت (عليهم السلام): أن عمر دفع باب البيت ليدخل، وكانت فاطمة (عليها السلام) وراء الباب، فأصابت بطنها، فأسقطت من ذلك جنينها المسمى بالمُحسن، وماتت بذلك الوجع.
وفي بعض رواياته: أنه ضربها بالسوط على ظهرها، وفي رواية: أن قنفذ ضربها بأمره.
ثم يذكر (قدس سره) خلاصة عما جاء في كتاب سُليم بن قيس، ويذكر أيضا قول الإمام الحسن (عليه السلام) للمغيرة بن شعبة.
ثم يقول: وكفى ما ذكروه في ثبوت دخول بيتها، الذي هو من بيوت النبي (صلى الله عليه وآله) بغير إذنها، وفي تحقق الأذى، لا سيما مع التهديد بالإحراق، حتى أن في الاستيعاب، وكتاب الغرر وغيرهما، عن زيد بن أسلم، أنه قال: كنت ممن حمل الحطب مع عمر إلى دار فاطمة[2].
وقال (قدس سره) أيضا: ثبوت أذية الرجلين لفاطمة غاية الأذى يوم مطالبة علي (عليه السلام) بالبيعة، حتى الهجوم على بيتها، ودخوله بغير إذن، بل ضربها، وجمع الحطب لإحراقه، وكذا أذيتها في أخذ فدك منها، ومنع إرثها، وقطع الخمس، ونحو ذلك، ووقوع المنازعة بينها وبين من آذاها، وتحقق غضبها، وسخطها على من عاندها، إلى أن ماتت على ذلك، فمما لا شك فيه عندنا معشر الإمامية، بحسب ما ثبت وتواتر من أخبار ذريتها الأئمة الأطهار، والصحابة الأخيار كما هو مسطور في كتبهم، بل باعتراف جماعة من غيرهم أيضا، كما سيأتي بعض ذلك، سوى ما مر من أخبار مخالفيهم.
وأما المخالفون، فأمرهم عجيب غريب في هذا الباب، لأن عامة قدماء محدثيهم سطّروا في كتبهم جميع ما نقلناه عنهم...إلى أن قال: بل أكثرها موجودة في كتبهم المعتبرة، بل صحاحهم المعتمدة عندهم، لا سيما الصحيحين، اللذين هما عندهم تاليا كتاب الله في الاعتماد، كما صرحوا به.
وقد عرفت، ما فيها من الدلالة صريحا، حتى على صريح طردها، ومنعها عن ميراثها، وفدكها، وخمسها، ودوام سخطها لذلك إلى موتها، مع موافقة مضمونها لما هو معلوم بين من دفنها سرا، وإخفاء قبرها، بحيث إنهم إلى الآن مختلفون في موضعه...إلى أن قال (قدس سره) - وهو يتحدث عن بعضهم الذي لم يمكنه إنكار أصل القضية -: أسقط من بعض ما نقله ما كان صريحا في دوام غضبها، بل مَوَّه في النقل بذكر ما يشعر بعدم الغضب، غفلةً منه عن أن مثل هذا لا ينفع في مقابل تلك المعارضات القوية كثرة، وسندا، ودلالة...[3].
وقال (قدس سره): ... إن الذي يظهر من روايات القوم، التي نقلناها من كتبهم، موافقة لما روي عن ذريتها الأئمة (عليهم السلام) وغيرهم هو أن أسباب الأذية لم تكن شيئا واحدا، بل كانت متعددة، تواترت منهم عليها من حين وفاة أبيها (صلى الله عليه وآله) إلى أن توفيت هي (عليها السلام): من الهجوم على بابها، بل على داخل بيتها بغير إذنها، وسائر ما ذكرناه، حتى لو فرضنا أنه لم يصدر منهم غير محض إظهار الإهانة يوم مطالبة علي للبيعة...[4].