قال تعالى (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).[1]
العدل هو إعطاء كل ذي حق حقه، ووضع الأمور فى نصابها الصحيح، وتتحقق في موارد كثيرة منها الرأي في الأمير، والعدالة فى الشهادة، وعدالة القضاة في الحكم، وهي معنى واحد، وضد العدالة الظلم وهو بمعنىً عام وضع الشيء في غير محله.
والعدل حسن أينما كان، وحسن العدل من الأحكام العقلية الأولية كذلك قبح الظلم من أحكام العقل أيضاً، بل ربما ترجع جميع أحكام العقل إلى هذين الحكمين.
وقد أمر القرآن الكريم بالعدل في عدة أمور منها:
1ـ العدل مع المخالفين قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾
2ـ العدل مع الزوجات ﴿وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ﴾
3ـ العدل في موازين البيع والتجارة ﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ﴾
4ـ العدل في الحكم ﴿وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾
والعدل صفة من صفات الله تعالى، بل هي من أصول الدين، وهو تنزيه الله تعالى عن فعل القبيح والإخلال بالواجب، والمقصود منه أن العقل يحكم بأن الحكيم والكامل تقتضي حكمته أن يفعل كذا، وعدم الفعل يؤدي إلى النقص والإخلال بالحكمة، ومنه إرسال الرسل والأنبياء بالهدى ودين الحق، وتنصيب الأئمة الهداة للحفاظ على الدين بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من تحريف وانتحال المبطلين، فالله سبحانه عادل عدالة مطلقة في حكمه وقضائه، قدره، وأمره، ومشيئته، وغير ذلك من أفعاله تعالى شأنه.
أما المساواة فهي مفهوم يختلف حسنه وقبحه بحسب اختلاف الموارد، فالمساواة ليست حسنة مطلقاً مثل العدل، بل قد تكون المساواة مخالفة للعدل، وصفة مضرة، وقد منع القرآن الكريم من تطبيق مفهوم المساواة بين أطراف كثيرة، نذكر منها:
1ـ عدم المساواة في الأجر بينم الإنفاق قبل الفتح وبعده، قال تعالى: (لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).[2]
2ـ عدم المساواة بين الخبيث والطيب، قال تعالى: (قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُواْ اللّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).[3]
3ـ عدم المساواة بين القاعدين والمجاهدين، قال تعالى: (لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا).[4]
وفي موارد أخرى تكون المساواة حسنة مقبولة، كالمساواة في الأجر والأعمال العبادية بين الرجال والنساء، قال تعالى: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾.[5]
وقال تعالى: (مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ).[6]
والدليل على أن المساواة ليست دائماً حسنة ولا قبيحة مطلقاً بل بحسب الموارد، أن القرآن الكريم ذكر المساواة بين الرجل والمرآة تارة حسنة وتارة قبيحة من جهتين مختلفتين، فمن جهة الواجبات الشرعية كلاهما له الأجر والثواب على ما يؤدي من الأعمال، قال تعالى: (وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ).[7]
ومن جهة الاشتراك في إدارة شؤون الأسرة والوظائف الاجتماعية جعل للرجل فضلاً ودرجة أعلى، قال تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ).[8]
وقال تعالى: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى).[9]
وقال تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ).[10]
وبصورة عامة غالباً ما تستعمل المساواة بالمعنى الإيجابي من التمتع بجميع الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية دون التمييز بسبب اللون أو الجنس أو العرق أو اللغة.
وبهذا المعنى صارت المساواة مفهوماً عاماً بين الناس يضبط علاقات الأفراد رجالاً ونساءً، وإن الناس سواسية في أغلب جهات الحياة الإنسانية، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً).[11]
وأخيراً لابد من التنبيه على أن عدم المساواة بين الرجل والرجل في بعض مجالات الحياة لا يعني النقص في جانب المرأة أو إهانته، بل من عدله تعالى أنه وضعها فيما يناسبها من المقام، كما قلنا قبل سطور أن المساواة قد تكون ضد العدل في موارد عدم الاستحقاق، وهو محال على الله تعالى.
فمثلاً تشريع قسمة الإرث أن للمرأة نصف حق الرجل في تركة الميت، قال تعالى: (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ)[12] لا يعني إهانة المرأة ونقص حظها من الإرث، بل استحقاقها هو النصف، وإعطائها أكثر من استحقاقها يكون ظلماً، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.