إن ظهورَ إمام في آخر الزمان يملأ الأرض قسطاً وعدلاً أمرٌ لا يُنكره أحد من المسلمين، فجميع المسلمين شيعةً وسُنّة يُسلِّمون أن آخر الزمان يظهر إمامٌ يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، وهذا ليس فيه خلاف، وذلك لدلالة القرآن والحديث النبوي على ذلك:
أما القرآن الكريم:
1- قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)[1].
يعني لابد في يوم من الأيام تمتد الدعوة الإسلامية ويمتد النداء الإسلامي إلى جميع أرجاء الأرض وتظهر راية الإسلام خفّاقة على جميع الرايات.
2- قوله تعالى:(وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَْرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ)[2].
والمستضعفون هم المسلمون طبعاً، فالمسلمون هم الوارثون، يعني يرثون الأرض، أي أنهم آخر من يحكم الأرض. إذن لابد من دولة إسلامية تعمّ أرجاء الأرض في آخر الزمان، حسب صريح القرآن الكريم.
وأما الحديث النبوي:
1- فقد ورد عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (لا تقوم الساعة حتى تملأ الأرض ظلماً وجوراً، فيخرج رجل من أهل بيتي فيملؤها قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً)[3].
وفي كنز العمال: (لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من أهل بيتي من ولد فاطمة فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً)[4].
غيبة الإمام المهدي (عليه السلام):
تقدم أنّ مسألة ظهوره (عليه السلام) ليس فيها نقاش، إنما الكلام في غيبة الإمام (عليه السلام) فإنّ الشيعة الإمامية تعتقد أن الإمام (عليه السلام) ولد وهو غائب ويخرج يوماً من الأيام إذا أذن الله له بالخروج، وغيرهم من المسلمين يقولون: الإمام (عليه السلام) إلى الآن لم يولد وأنه يولد آخر الزمان ويخرج، فالخلاف في الغيبة، أي هل إنه ولد وهو غائب، أم لا؟
نحن الشيعة الأمامية نقول: نعم ولد وهو غائب، ودليلنا على ذلك هو:
أولاً: الدليل التاريخي: من يقرأ كتب التأريخ مثل: وفيات الأعيان لابن خلكان (ج٤: ١٧٦)، ومطالب السؤول لمحمد بن طلحة الشافعي، وتذكرة خواص الأمة لسبط ابن الجوزي، يجدهم ينصّون على أن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) أنجب ولداً اسمه محمد، ولكنه غاب عن الأنظار، وهو حي يرزق.
ثانياً: الأحاديث: وفيما يلي نذكر بعضها:
1- ورد عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله): (إني مُخلِّف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي، وقد أنبأني اللطيف الخبير بأنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفونني فيهما)[5].
إن حديث الثقلين يصرّح بأنّ العترة والكتاب لا يتفارقان أبداً إلى يوم القيامة، وهذا معناه أنه في كل زمان يوجد القرآن لابد من وجود رجل من أهل البيت (عليهم السلام) في ذلك الزمان مع القرآن الكريم.
والدليل التاريخي - كما ذكرنا - ساعدنا أن هذا الإمام الغائب، هذا الإمام الموجود هو محمد بن الحسن المهدي عجل الله تعالى فرجه.
2- ورد عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله): (لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة ويقوم فيكم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش)[6]، وهذا الحديث يدل على أن الأئمة(عليهم السلام) متواصلون إلى يوم القيامة بمعنى أنه لا تمرّ فترة على الأمة الإسلامية خالية من وجود الإمام.
3- وهذا ما أكّده الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله): في حديث آخر: (من لم يعرف إمام زمانه ومات مات ميتة جاهلية)[7].
لكل زمان إمام، ولا أحد يجرؤ ويتجاسر ويدعي أنه إمامٌ الزمان في شرق الأرض وغربها، ولا يمكن أن تنسب هذه الدعوى إلا للإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه).
إشكال وجواب:
إن مسألة استبعاد غيبة الإمام وأنه كيف يغيب هذه المئات من السنين، ويعيش هذه المئات من السنين؟
هذه المسألة واضحة الدفع بعيسى بن مريم(عليه السلام)، فإن جميع المسلمين يُقرّون أن عيسى بن مريم(عليه السلام) لم يمت (وَما قَتَلُوهُ وما صَلَبُوهُ ولكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ)[8] وفي آية أخرى (بَلْ رَفَعَهُ اللَهُ إِلَيْهِ)[9] وأنه (عليه السلام)ما زال حياً ويظهر آخر الزمان.
فإذا كان يمكن أن يبقى عيسى بن مريم(عليه السلام) متمتعاً بصحة وعافية هذه السنين، وهذه المئات من السنين، فأي مانع يمنع من بقاء الإمام المنتظر(عليه السلام) هذه المئات من السنين بصحة وعافية مهيأ لذلك اليوم العظيم، وهو يوم خروجه؟!!!
المصدر: مجلة بيوت المتقين ا/ لعدد (47) - صفحة: 20- 21.
[1] التوبة: ٣٣.
[2] القصص: ٥.
[3] المستدرك للحاكم، ج٤: ٤٦٤، ٥٥٧.
[4] كنز العمال، المتقي الهندي، ج١٤: ٢٦١، ح٣٨٦٥٣، ج١٤: ٢٦٤، ح٣٨٦٦٢.
[5] سنن الترمذي: ج٥، ص ٣٢٨، السنن الكبرى للنسائي، ج٥: ٤٥، المعجم الكبير للطبراني، ج٥: ١٥٤ - ١٨٦.
[6] راجع صحيح البخاري، ج٨: ١٢٧، صحيح مسلم، ج٦: ٣، مسند أحمد، ج٥: ٨٦ - ١٠٧، سنن أبي داود، ج٢: ٣٠٩، المستدرك للحاكم، ج٣: ٦١٨.
[7] صحيح مسلم: ج٦، ٢٢.
[8] النساء: ١٥٧.
[9] النساء: ١٥٨.