القرآن والسيدة الزهراء (عليها السلام)

مما يقطع به في عقيدة الشيعة أن حديث الثقلين شامل لجميع المعصومين (عليهم السلام) جميعاً، وإن كان قد ورد في زمن أمير المؤمنين (عليه السلام) للاشتراك في العلة والهدف والدور.

كما يقطع أيضاً في عقيدة الشيعة أن الزهراء (عليها السلام) أيضاً داخلة ومشمولة في أن التمسك بها واق عن الضلال وهي عدل القرآن كما الأئمّة (عليهم السلام)، ومما يؤيد هذا الالتقاء ووحدة العصمة من الضلال بين القرآن والزهراء (عليها السلام) ما ذكرته الآيات الكريمة من الصفات مما ذكره المفسرون أن المقصود بها فاطمة الزهراء (عليها السلام) نورد بعضاً منها في هذا المقال:

 1ـ قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ﴾[1]

روى الحاكم في شواهد التنزيل ج2: ص269، عن ابن عباس أنها نزلت خاصة في علي وحمزة وجعفر وفاطمة (عليهم السلام).

قال ابن عباس: (لكل واحد منهم بستان في الجنة العليا).

2ـ قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ﴾[2] روى الحاكم أيضاً في شواهد التنزيل ج2: ص270، عن ابن عباس قال: نزلت في النبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام).

وعن محمد بن زيد بن جذعان عن عمه قال: قال ابن عمر: إنا إذا أعددنا قلنا: أبو بكر وعمر وعثمان، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن فعلي؟

قال ابن عمر: ويحك، علي من أهل البيت لا يقاس بهم، علي مع رسول الله في درجته، إن الله يقول: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ ...﴾، ففاطمة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في درجته وعلي معهما.

3ـ قوله تعالى: ﴿فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ...﴾[3]

في تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي، ص85، عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لما نزلت الخطيئة بآدم وأخرج من الجنة أتاه جبرئيل (عليه السلام) فقال: يا آدم أدعُ ربك.

فقال: حبيبي جبرئيل ما أدعو؟

قال: قل ربي أسألك بحق الخمسة الذين تخرجهم من صلبي آخر الزمان إلّا ما تبت علي ورحمتني.

فقال له آدم (عليه السلام): يا جبرئيل سمهم لي.

قال: قل ربي أسألك بحق محمد نبيك وبحق علي وصي نبيك وبحق فاطمة بنت نبيك، وبحق الحسن والحسين سبطي نبيك، إلّا ما تبت علي ورحمتني.

فدعا بهن آدم فتاب الله عليه. وذلك قوله تعالى: ﴿فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ...﴾.

وما من عبد مكروب يخلص النية ويدعو بهن إلّا استجاب الله له، وقد مر تحقيق في الكلمات الخمسة، وسيأتي تحقيق آخر في معنى الكلمات التي امتحن الله إبراهيم بها.

4ـ قوله تعالى: ﴿... وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ...﴾[4] روى الحاكم في شواهد التنزيل ج 2: ص 332، عن ابن عباس في قول الله ﴿... وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ...﴾.

قال: نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام).

وقد علق سماحة السيد محمد علي الحلو (رحمه الله) على هذا الخبر بقوله: (والرواية موافقة لما ورد في القرآن حكاية عن إثرتهم (عليهم السلام) المسكين، واليتيم، وابن السبيل على أنفسهم مع حاجتهم إلى الطعام، فآثروا رضا الله تعالى على ما هم عليه من الحاجة كما سيأتي في سورة الدهر، ولا يناسب ما ذهب إليه بعضهم من أنها نزلت في غيرهم.

5ـ قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾[5] جاء في شواهد التنزيل للحاكم النيسابوري، ج 1، ص 539، عن أبي سعيد الخدري في قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾.

قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): قلت: يا جبرئيل من أزواجنا؟

قال: خديجة.

وقال: من ذرياتنا؟

قال: فاطمة.

وقرة أعين؟

قال: الحسن والحسين.

قال: واجعلنا للمتقين إماما؟

قال: علي (عليه السلام)

وذكر أبو بكر الشيرازي في رسالته " الاعتقاد " في سبب نزول الآية عن سعيد بن جبير عن عبد الله بن عمر في مورد نزول الآية قال: والله نزلت هذه الآية في حق علي (عليه السلام)، حيث دعا بهذا الدعاء، وقوله تعالى: ﴿... هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا ...﴾[6] أي فاطمة، ﴿... وَذُرِّيَّاتِنَا ...﴾ (وذرياتنا) أي الحسن والحسين (عليهم السلام). فما رواه في كون ذلك في علي (عليه السلام) لا ينافي ما أوردته الرواية السابقة من أن ذلك دعاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وذلك لوحدتهما - كما أشرنا - مصداقا لقوله تعالى: ﴿... وَأَنْفُسَنَا ...﴾.

وثمة آيات كثيرة في هذا المورد تذكر العلاقة بين الزهراء (عليها السلام) والقرآن الكريم من حيث كونهما مصدر الهداية والتوفيق. 

 


[1] سورة الطور، الآية: 17

[2] سورة الطور: 21

[3] سورة البقرة، الآية: 37

[4] سورة، الآية: 9

[5] سورة الفرقان، الآية: 74

[6] سورة الفرقان، الآية: 74