هو حمزة بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، صحابي من صحابة رسول الإسلام محمد(صلى الله عليه وآله)، وعمُّه وأحد وزرائه الأربعة عشر، وهو خير أعمامه لقوله: (خَيْرُ إِخْوَتِي عَلِيٌّ(عليه السلام))[1]، وقوله (صلى الله عليه وآله): (وَخَيْرُ أَعْمَامِي حَمْزَةُ (رضي الله عنه))[2]، ولد في مكة المكرمة قبل عام الفيل بسنتين فهو أسنُّ من الرسولِ محمدٍ(صلى الله عليه وآله) بسنتين كما أنه قريبٌ له من جهة أمه، فأمه هي هالة بنت وهيب بن عبد مناف، ابنة عم آمنة بنت وهب بن عبد مناف أمِّ الرسولِ محمدٍ(صلى الله عليه وآله)، نشأ وتربى بين قومه بني هاشم سادة قريش ومكة معززاً مكرماً.
كنيته:
أبو عمارة، وأبو يعلى[3]، وكان أشدَّ فتى في قريش وأعزَّهم شكيمة، فقد شهد في الجاهلية حرب الفجار التي دارت بين قبيلتي كنانة وقيس عيلان.
إسلامه:
أسلم حمزة بن عبد المطلب(رضي الله عنه) في السنة الثانية من بعثة الرسول محمد(صلى الله عليه وآله)، وكان سببُ إسلامه أن أبا جهل عَمراً بن هشام المخزومي القرشي اعترض الرسولَ محمداً(صلى الله عليه وآله) عند جبل الصفا، فآذاه وشتمه ونال منه ما يكره من العيب لدينه والتضعيف له، فلم يكلّمه الرسولُ محمدٌ(صلى الله عليه وآله)، ومولاةٌ لعبد الله بن جدعان التيمي القرشي في مسكن لها فوق الصفا تسمع ذلك، ثم انصرف عنه، فعمد إلى نادٍ لقريش عند الكعبة فجلس معهم، ولم يلبث حمزة بن عبد المطلب(رضي الله عنه) أن أقبل متوشحاً قوسه، راجعاً من قنص له، وكان يومئذ مشركاً على دين قومه، وكان إذا فعل ذلك لا يمر على نادٍ من قريش إلا وقف وسلّم وتحدّث معهم، فلما مرّ بمولاة عبد الله بن جدعان، بعدما رجع الرسولُ محمدٌ(صلى الله عليه وآله) إلى بيته، قالت له: (يا أبا عمارة، لو رأيت ما لقي ابنُ أخيك من أبي الحكم آنفاً، وجَدَهَ ههنا فآذاه وشتمه وبلغ منه ما يكره، ثم انصرف عنه ولم يكلمه محمدٌ(صلى الله عليه وآله))، فاحتمل حمزةَ(رضي الله عنه) الغضبُ، فخرج سريعاً لا يقف على أحد كما كان يصنع يريد الطواف بالبيت، مُعداً لأبي جهل أن يقع به، فلما دخل المسجد نظر إليه جالساً في القوم، فأقبل نحوه، حتى إذا قام على رأسه رفع القوس فضربه بها فشجَّه شجةً منكرةً، ثم قال: (أتشتمه وأنا على دينه أقول ما يقول؟ فرُدَّ ذلك علي إن استطعت)، وقامت رجال من قريش من بني مخزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل منه، فقالوا: (ما تراك يا حمزة إلا قد صبأت)، فقال(رضي الله عنه): (وما يمنعني منه وقد استبان لي منه ذلك، وأنا أشهد أنه رسولُ الله(صلى الله عليه وآله)، وأن الذي يقول حق، فوالله لا أنزع، فامنعوني إن كنتم صادقين)، فقال أبو جهل: (دعوا أبا عمارة، فإني والله لقد سببت ابن أخيه سباً قبيحاً)، وتم حمزة(رضي الله عنه) على إسلامه وعلى ما بايع عليه الرسولَ محمداً(صلى الله عليه وآله) من قوله، فلما أسلم عرفت قريش أن الرسولَ محمداً(صلى الله عليه وآله) قد عز وامتنع، وأن حمزة سيمنعه، فكفّوا عن بعض ما كانوا ينالون منه[4].
هجرته:
لما ازداد أذى قريش على المسلمين، ولم يَسلم من أذاهم الأقوياءُ ولا الضعفاءُ، أذن لهم الرسولُ محمدٌ(صلى الله عليه وآله) بالهجرة إلى المدينة المنورة، فهاجروا إليها أرسالاً ووحداناً، وهاجر حمزة(رضي الله عنه) مع من هاجر من المسلمين إليها قبيل هجرة الرسولِ محمدٍ(صلى الله عليه وآله) بوقت قصير، ونزل حمزة بن عبد المطلب(رضي الله عنه)، وزيد بن حارثة الكلبي، وأبو مرثد كناز بن حصن الغنوي (ويُقال: ابن حصين)، وابنه مرثد، وهما حليفا حمزة بن عبد المطلب(رضي الله عنه)، وأنسة وأبو كبشة، وهما موليا الرسول محمد(صلى الله عليه وآله)، نزلوا على كلثوم بن هدم أخي بني عمرو بن عوف من الخزرج بقباء، ويقال: بل نزلوا على سعد بن خيثمة، ويقال: بل نزل حمزة بن عبد المطلب على أسعد بن زرارة النجاري الخزرجي، كل ذلك يُقال وبعد هجرة الرسولِ محمدٍ(صلى الله عليه وآله) إلى المدينة المنورة، آخى بين أصحابه من المهاجرين والأنصار، وقال: «تآخوا في الله أخوين، أخوين» ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب(عليه السلام)، فقال: «هذا أخي»، فكان الرسولُ محمدٌ(صلى الله عليه وآله) وعلي بن أبي طالب(عليه السلام) أخوين، وكان حمزة بن عبد المطلب(رضي الله عنه) وزيد بن حارثة الكلبي مولى الرسولِ محمدٍ(صلى الله عليه وآله) أخوين، وإليه أوصى حمزةُ يوم أُحد حين حضره القتال إن حدث به حادث الموت[5].
وكان أولُ لواء عقده الرسولُ (صلى الله عليه وآله) هو اللواءَ الذي عقده لحمزة، وشهد حمزةُ غزوة بدر، وقَتَلَ فيها شيبة بن ربيعة مبارزةً، وقتل غيرَه كثيراً من المشركين، كما شهد غزوة أحد، فقُتل بها سنة 3هـ، وكان قد قَتَلَ من المشركين قبل أن يُقتل واحداً وثلاثين نفساً.
جهاده في غزوة بدر :
شهد حمزة بن عبد المطلب رضوان الله عليه بدراً، وأبلى فيها بلاءً عظيماً مشهوراً، وكان(رضي الله عنه) هو الذي ابتدأ قتال المشركين في غزوة بدر، فقد خرج رجل من جيش قريش هو الأسود بن عبد الأسد المخزومي القرشي فقال: (أعاهد الله لأشربن من حوضهم، أو لأهدمنه، أو لأموتن دونه)، فلما خرج، خرج إليه حمزة بن عبد المطلب(رضي الله عنه)، فلما التقيا ضربه حمزة فأطنّ قدمه بنصف ساقه وهو دون الحوض، فوقع على ظهره تشخب رجله دماً نحو أصحابه، ثم حبا إلى الحوض حتى اقتحم فيه، يريد أن يبرّ يمينه، وأتبعه حمزة فضربه حتى قتله في الحوض، ثم خرج بعده عتبة بن ربيعة، بين أخيه شيبة بن ربيعة وابنه الوليد بن عتبة، حتى إذا فصل من الصف دعا إلى المبارزة، فخرج إليه فتية من الأنصار ثلاثة، وهم: عوف ومعوذ ابنا الحارث -وأمهما عفراء- ورجل آخر يُقال هو عبد الله بن رواحة، فقالوا: (من أنتم؟)، فقالوا: (رهط من الأنصار)، قالوا:
(ما لنا بكم من حاجة)، ثم نادى مناديهم: (يا محمد، أخرج إلينا أكفاءَنا من قومنا)، فقال الرسولُ محمدٌ (صلى الله عليه وآله): قم يا عبيدة بن الحارث، وقم يا حمزة، وقم يا علي (عليه السلام))، فلما قاموا ودنوا منهم، قالوا: (من أنتم؟)، قال عبيدة: عبيدة، وقال حمزة: حمزة، وقال علي: علي، قالوا: (نعم، أكفاء كرام).
فبارز عبيدةُ، وكان أسن القوم، عتبةَ بن ربيعة، وبارز حمزة شيبة بن ربيعة، وبارز علي الوليد بن عتبة، فأما حمزة(رضي الله عنه) فلم يُمهل شيبة أن قتله، وأما علي(عليه السلام) فلم يمهل الوليد أن قتله، واختلف عبيدة وعتبة بينهما ضربتين، كلاهما أثبت صاحبه (أي جرحه جراحةً لم يقم معها )، وكرَّ حمزة(رضي الله عنه) وعلي(عليه السلام) بأسيافهما على عتبة فذففا عليه (أي أسرعا قتله)، واحتملا صاحبهما فحازاه إلى أصحابه، وكان حمزة يُعلَّم في الحرب بريشة نعامة، وقاتل يوم بدر بين يدي الرسول محمد(صلى الله عليه وآله) بسيفين، وقد رُوي عن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: قال لي أمية بن خلف، وأنا بينه وبين ابنه آخذ بأيديهما (أي وهما أسيران عنده): (يا عبد الإله، من الرجل منكم المعلم بريشة نعامة في صدره؟)، قلت: (ذاك حمزة بن عبد المطلب(رضي الله عنه))، قال: «ذاك الذي فعل بنا الأفاعيل»[6].
جهاده في غزوة أحد واستشهاده:
شهد حمزة بن عبد المطلب (رضي الله عنه) غزوة أحد، فقُتل بها، وقد قَتَلَ اللهُ بيد حمزة (رضي الله عنه) من الكفار واحداً وثلاثين رجلاً، وكان يدعى أسد الله (وكان جبير بن مطعم النوفلي القرشي قد دعا غلاماً له حبشياً يُقال له وحشي، يقذف بحربة له قذف الحبشة، قلَّما يخطئ بها، فقال له: (اخرج مع الناس، فإن أنت قتلت حمزة (رضي الله عنه) عمَّ محمد بعمي طعيمة بن عدي، فأنت عتيق»، وكان وحشي كلما مر بهند بنت عتبة أو مرت به تقول: (ويهاً أبا دسمة، اشف واشتف)، أي تحرضه على قتل حمزة بن عبد المطلب (رضي الله عنه). وكان حمزة يقاتل يومئذٍ بسيفين، فقال قائل: (أيّ أسد هو حمزة!)، فبينما هو كذلك إذ عثر عثرة وقع منها على ظهره، فانكشف الدرعُ عن بطنه، فزرقه وحشي الحبشي مولى جبير بن مطعم بحربة فقتله، ومثَّل به المشركون، وبقرت هند بنت عتبة بطنَه فأخرجت كبده، فجعلت تلوكها فلم تسغها فلفظتها، فقال الرسولُ محمدٌ(صلى الله عليه وآله): «لو دخل بطنها لم تمسها النار»، وخرج الرسولُ(صلى الله عليه وآله) يلتمس حمزة(رضي الله عنه)، فوجده ببطن الوادي قد مُثِّل به، فلم ير منظراً كان أوجع لقلبه منه فقال: «رحمك الله، أي عم، فلقد كنت وصولاً للرحم فعولاً للخيرات»، ودفن حمزة وابن أخته عبد الله بن جحش في قبر واحد[7].
وكان مقتل حمزة(رضي الله عنه) للنصف من شوال من سنة 3هـ، وكان عمره سبعاً وخمسين سنة، على قول[8].
مجلة بيوت المتقين العدد (13)
[1] مناقب الإمام علي محمد بن سلمان الكوفي: ج1، ص 308.
[2] شجرة طوبى مهدي الحائري: ج2، ص281.
[3] الصحيح من سيرة النبي الأعظم، جعفر مرتضى العاملي، ج2، ص63-68.
[4] سيرة ابن إسحاق، ص171-172/ سيرة ابن هشام، ج1 ص291-292.
[5] تاريخ ابن أبي خيثمة / سيرة ابن هشام، ج1 ص504-505.
[6] البداية والنهاية، ج3 ص332 / سيرة ابن هشام، ج1 ص 625.
[7] أُسد الغابة ابن الأثير: ج3، ص105.
[8] سيرة ابن إسحاق: ص323.