1- وعَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) قَالَ: «كَانَ عَلِيٌّ(عليه السلام) كَثِيراً مَا يَقُولُ مَا اجْتَمَعَ التَّيْمِيُّ والْعَدَوِيُّ عِنْدَ رَسُولِ الله(صلى الله عليه وآله) وهُوَ يَقْرَأُ - إِنَّا أَنْزَلْنَاه بِتَخَشُّعٍ وبُكَاءٍ فَيَقُولَانِ: مَا أَشَدَّ رِقَّتَكَ لِهَذِه السُّورَةِ فَيَقُولُ رَسُولُ الله(صلى الله عليه وآله): لِمَا رَأَتْ عَيْنِي ووَعَى قَلْبِي ولِمَا يَرَى قَلْبُ هَذَا مِنْ بَعْدِي. فَيَقُولَانِ: ومَا الَّذِي رَأَيْتَ، ومَا الَّذِي يَرَى. قَالَ: فَيَكْتُبُ لَهُمَا فِي التُّرَابِ: (تَنَزَّلُ الملائِكَةُ والرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ)، قَالَ: ثُمَّ يَقُولُ هَلْ بَقِيَ شَيْءٌ بَعْدَ قَوْلِه عَزَّ وجَلَّ: (كُلِّ أَمْرٍ). فَيَقُولَانِ: لَا. فَيَقُولُ هَلْ تَعْلَمَانِ مَنِ المُنَزَلُ إِلَيْه بِذَلِكَ؟ فَيَقُولَانِ: أَنْتَ يَا رَسُولَ الله. فَيَقُولُ: نَعَمْ. فَيَقُولُ: هَلْ تَكُونُ لَيْلَةُ الْقَدْرِ مِنْ بَعْدِي؟ فَيَقُولَانِ: نَعَمْ. قَالَ: فَيَقُولُ: فَهَلْ يَنْزِلُ ذَلِكَ الأَمْرُ فِيهَا؟ فَيَقُولَانِ: نَعَمْ. قَالَ: فَيَقُولُ: إِلَى مَنْ؟ فَيَقُولَانِ: لَا نَدْرِي. فَيَأْخُذُ بِرَأْسِي ويَقُولُ: إِنْ لَمْ تَدْرِيَا فَادْرِيَا هُوَ هَذَا مِنْ بَعْدِي. قَالَ: فَإِنْ كَانَا لَيَعْرِفَانِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ بَعْدَ رَسُولِ الله (صلى الله عليه وآله) مِنْ شِدَّةِ مَا يُدَاخِلُهُمَا مِنَ الرُّعْبِ»[1].
2- عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ(عليه السلام) قَالَ: «قَالَ الله (عَزَّ وجَلَّ) فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ: (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ)، يَقُولُ يَنْزِلُ فِيهَا كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ والمُحَكَمُ لَيْسَ بِشَيْئَيْنِ إِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ وَاحِدٌ فَمَنْ حَكَمَ بِمَا لَيْسَ فِيه اخْتِلَافٌ فَحُكْمُه مِنْ حُكْمِ الله (عَزَّ وجَلَّ) ومَنْ حَكَمَ بِأَمْرٍ فِيه اخْتِلَافٌ فَرَأَى أَنَّه مُصِيبٌ فَقَدْ حَكَمَ بِحُكْمِ الطَّاغُوتِ إِنَّه لَيَنْزِلُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ إِلَى وَلِيِّ الأَمْرِ تَفْسِيرُ الأُمُورِ سَنَةً سَنَةً يُؤْمَرُ فِيهَا فِي أَمْرِ نَفْسِه بِكَذَا وكَذَا وفِي أَمْرِ النَّاسِ بِكَذَا وكَذَا وإِنَّه لَيَحْدُثُ لِوَلِيِّ الأَمْرِ سِوَى ذَلِكَ كُلَّ يَوْمٍ عِلْمُ الله (عَزَّ وجَلَّ) الْخَاصُّ والْمَكْنُونُ الْعَجِيبُ الْمَخْزُونُ - مِثْلُ مَا يَنْزِلُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ مِنَ الأَمْرِ ثُمَّ قَرَأَ: (ولَوْ أَنَّ ما فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ والْبَحْرُ يَمُدُّه مِنْ بَعْدِه سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ الله إِنَّ الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ)» [2].
الشرح:
قوله (عليه السلام): «ومَنْ حَكَمَ بِأَمْرٍ فِيه اخْتِلَافٌ»، أي له أحكام مختلفة في قضية واحدة مخصوصة! وهذا خلاف حكم الله تعالى، فحكمه في كل قضية حكماً واحداً ولا نسخ بعده ولا يتبدل حكمه بغيره بعد النبي (صلى الله عليه وآله)؟
قوله (عليه السلام): «فَقَدْ حَكَمَ بِحُكْمِ الطَّاغُوتِ»، وهو الذي يتّبع هواه ووساوس الشيطان ومن البيّن أنّ حكمه مخالف لحكم الله الذي لا اختلاف فيه وموافق لحكم الشيطان.
وقوله (عليه السلام): «إِنَّه لَيَنْزِلُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ إِلَى وَلِيِّ الأَمْرِ تَفْسِيرُ الأُمُورِ سَنَةً سَنَةً يُؤْمَرُ»، أي: ولى الأمر (فِيهَا) أي: في ليلة القدر أو في تلك الأُمور، وهذا بيان لتفسير الأُمور وتفصيل له واعلم أنّ الاستدلال بسورة القدر على وجود إمام في كلّ عصر يتوقّف على استمرار حكمها وهو مذهبنا ومذهب العامة أيضاً.
قال عياض: «سُمّيت ليلة القدر (ليلة القدر)لتقدير الله تعالى فيها ما يكون في تلك السنة من الأرزاق والآجال وغير ذلك، والمراد بهذا التقدير إظهاره تعالى لملائكته ممّا يكون من أفعاله بما سبق به علمه وقضاؤه في الأزل، ولخواصّ خلقه بنفسه أو بواسطة الملائكة وهو المراد بقوله: تنزّل الملائكة والروح...الآية، وقيل: سُمّيت بذلك لعظمة قدرها، وقال المازري: أجمع مَن يُعتدّ به على وجودها ودوامها إلى آخر الدهر لتظافر الأحاديث وكثرة رؤية الصالحين لها، وقال عياض: وشذّ قوم فقالوا: كانت خاصّة بهم ورفعت، لحديث: «أنّه أعلمها حتى تلاحا الرجلان فرفعت»، ومعنى هذا عندنا أنّه رفع علم عينها كما قال في آخر «فأنسيتها» انتهى.
وقال المازري: «واحتجاجهم بالحديث غلط لأن في آخره ما يرد عليهم قال فيه البخاري: فرفعت، وعسى أن يكون خيراً لكم فالتمسوها في السبع أو التسع، فلو أُريد رفع وجودها لم يأمر بالتماسها» انتهى.
وبالجملة ظاهر القرآن وصريح رواياتنا ورواياتهم وصريح أقوال علمائنا وعلمائهم في أنّ حكم ليلة القدر مستمرّ إلى آخر الدّهر والمنكر له مكابر.
وقوله (عليه السلام): «عِلْمُ الله (عَزَّ وجَلَّ) الْخَاصُّ والمَكْنُونُ الْعَجِيبُ الْمَخْزُونُ»، أضاف هذا العلم إلى الله تعالى مع أنّ العلوم كلّها منه تعالى للتعظيم والتشريف ثمّ وصفه بأربعة أوصاف:
الأول: الخاصّ، ولعلّ المراد به العلم المتعلّق بمعلوم معلوم كما أنّ الوجود الخاصّ الوجود المتعلّق بموجود موجود، أو العلم المختصّ به (عليه السلام) لا يشاركه أحد سواه.
والثاني: المكنون، والعلم المكنون هو العلم المستور عن أذهان الخلائق إلّا مَن ارتضى من رسول الله ومَن يقوم مقامه.
والثالث: العجيب، والعلم العجيب ما يتعجّب منه لعظم موقعه وخفاء سببه ودقّة وجهه.
والرابع: المخزون وهو المكتوب في اللوح المحفوظ لأنّه خزانة العلوم أو الثابت في ذهن أهله لا يطرأ عليه السهو والنسيان، فإن قلت: جميع العلوم في القرآن واللوح المحفوظ وقد ثبت أنّهم علموا جميع ما فيهما فما معنى ذلك؟ قلت: العلم بأنّ الشيء وجد مغاير للعلم بأنّه سيوجد، والأول هو المراد هنا والحاصل لهم هو الثاني.
وقوله (عليه السلام): «مِثْلُ مَا يَنْزِلُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ مِنَ الأَمْر»، دلّ على أنّه يحدث لهم في كل يوم وليلة مثل ما يحدث لهم في ليلة القدر. فإن قلت: أيّ فضل في ليلة القدر بالنسبة إلى غيرها حينئذٍ؟ قلت: لعلّ الفضل بنزول الملائكة والروح فيها لقصد زيارتهم وتبليغ بشارتهم.
وقوله (عليه السلام): «ثُمَّ قَرَأَ» استشهاد لما سبق من كثرة علومه الفائضة على قلوبهم المطهّرة في كل يوم وليلة إلى انقراض الدهر ورفع لاستبعاد ذلك. وقوله «من شجرة» بيان لما وتنكيرها للتكثير، وقوله: «أقلام»، خبر أن وقوله «والبحر» بالرفع عطف على محلّ اسم (أن) أو الواو للحال والمراد به البحر المحيط من شعبه وخبره محذوف أي: ولو أنّ البحر مداد يمدّه من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله. والمقصود أن هذا البحر مع بحار متكثّرة منضمّة إليه لو صارت مداداً وصارت الأشجار كلّها أقلاماً لا تفي بكتب كلمات الله وآياته وعلومه إنّ الله عزيز غالب قاهر على جميع ما سواه فلا يعجز عن شيء، حكيم يفعل ما يشاء على وفق الحكمة فلا يُسأل عمّا يفعل ومن جملته إفاضته العلوم غير المحصورة على الوجه المذكور إلى وليّ الأمر.
مجلة بيوت المتقين العدد (75)