وقال شيخ الطائفة، الشيخ محمد بن الحسن الطوسي (قدس سره):
ومما أُنكر عليه: ضربهم لفاطمة (عليها السلام)، وقد روي: أنهم ضربوها بالسياط، والمشهور الذي لا خلاف فيه بين الشيعة: أن عمر ضرب على بطنها حتى أسقطت، فسمي السِّقط (مُحسناً). والرواية بذلك مشهورة عندهم، وما أرادوا من إحراق البيت عليها حين التجأ إليها قوم، وامتنعوا من بيعته.
وليس لأحد أن ينكر الرواية بذلك، لأنا قد بيّنا الرواية الواردة من جهة العامة من طريق البلاذري وغيره[1]، ورواية الشيعة مستفيضة به، لا يختلفون في ذلك.
وليس لأحد أن يقول: إنه لو صحَّ ذلك لم يكن طعناً؛ لأن للإمام أن يهدد من امتنع من بيعته إرادة للخلاف على المسلمين.
وذلك: أنه لا يجوز أن يقوم عذر في إحراق الدار على فاطمة وأمير المؤمنين والحسن والحسين (عليهم السلام)، وهل في مثل ذلك عذر يُسمع؟
وإنما يكون مخالفاً للمسلمين وخارقاً لإجماعهم إذا كان الإجماع قد تقرر وثبت، وإنما يصح ذلك ويثبت متى كان أمير المؤمنين (عليه السلام) ومن قعد عن بيعته ممن انحاز إلى بيت فاطمة (عليها السلام) داخلاً فيه (أي: الإجماع) غير خارج عنه.
وأيّ إجماع يصح مع خلاف أمير المؤمنين (عليه السلام) - وحده، فضلاً عن أن يبايعه على ذلك غيره، ومن قال هذا من الجبائي وغيره - بانت عداوته، وعصبيته؛ لأن قصة الإحراق جرت قبل مبايعة أمير المؤمنين (عليه السلام)
والجماعة الذين كانوا معه في منزله، وهم إنما يدّعون الإجماع - فيما بعد - لمّا بايع الممتنعون... فبان: أن الذي أنكرناه مُنكر[2].
وقال الشيخ الطوسي أيضاً:
وقد روى البلاذري، عن المدائني، عن مسلمة بن محارب، عن سُليمان التميمي عن أبي عون: أنّ أبا بكر أرسل إلى علي (عليه السلام) يريده على البيعة، فلم يبايع - ومعه قَبَس- فتلقته فاطمة (عليها السلام) على الباب، فقالت: يا ابن الخطاب، أتُراك مُحرقاً عليّ بابي؟
قال: نعم وذلك أقوى فيما جاء به أبوك[3].
قال الشيخ الطوسي: وهذا الخبر قد روته الشيعة من طرق كثيرة، وإنما الطريف أن يرويه شيوخ محدثي العامة، لكنهم كانوا يروون ما سمعوا بالسلامة، وربما تنبهوا على ما في بعض ما يروونه عليهم، فكفّوا منه، وأي اختيار لمن يحرق عليه بابه حتى يبايع؟[4].
[1] وسيأتي ذكرها قريباً.
[2] تلخيص الشافي الشيخ محمد بن الحسن الطوسي: ج3، ص156- 157.
[3] تلخيص الشافي: ج3، ص76، والشافي للسيد المرتضى: ج3، ص261. وراجع البحار: ج28، ص389-411، وهامش: ص268، وأنساب الأشراف: ج1، ص586. وراجع المصادر التالية، فإن بعضها أبدل كلمة (بابي)، بكلمة (بيتي): العقد الفريد: ج4، ص259- 260، وكنز العمال: ج3، ص149، والرياض النضرة: ج1، ص167، والمختصر في أخبار البشر: ج1، ص 156، والطرائف: ص239، وتاريخ الخميس: ج1، ص178، ونهج الحق: ص271، ونفحات اللاهوت: ص79، وراجع العوالم: ج11، ص602- 408، والشافي لابن حمزة: ج4، ص174.
[4] تلخيص الشافي الشيخ محمد بن الحسن الطوسي: ج3، ص76.