البرزخ في اللغة هو: الحاجز بين الشيئين.
وقد جاء في القرآن الكريم بهذا المعنى في قوله تعالى: (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ)[1]، وقوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَّحْجُورًا)[2].
كما أطلق القرآن الكريم البرزخ على مساحة زمنية فاصلة بين الدنيا والآخرة، قال تعالى: (وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)[3]، وهو معنى لا يختلف عن المعنى اللغوي.
كذلك فسّر أهل البيت (عليهم السلام) البرزخ بالفترة بين النشأتين كما ورد عَنْ عَمْرِو بْنِ يَزِيدَ، قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ الله الصادق(عليه السلام) ومَا الْبَرْزَخُ؟ قَالَ: «الْقَبْرُ مُنْذُ حِينِ مَوْتِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»[4]، وعن الإمام الصادق(عليه السلام): «البرزخ: القبر، وهو الثواب بين الدنيا والآخرة»[5].
حقيقة عالم البرزخ:
البرزخ من المفاهيم الإسلامية، وهو قائم على أن حياة الإنسان لا تنتهي بالموت، بل يعبر عن الموت أنه بداية حياة ثانية، ليس لها صفات الحياة الأولى، ولا صفات الحياة الآخرة يوم البعث والنشور، لكن لكون هذا المفهوم من المفاهيم الغيبية، فيبقى البرزخ في ساحة الغموض وليس لدينا عنه صورة واضحة غير بعض إشارات أخبار أهل البيت (عليهم السلام)، نذكرها في نقاط:
أولاً: يبدأ البرزخ من حين قبض روح الإنسان ودخول القبر، ويستمر حتى قيام الساعة.
ثانياً: هناك حساب في البرزخ مع الميت يقوم به ملكان (نكير ومنكر)، فيسأل عن عقائده وأعماله، فإذا كان الميت صالحاً أُكرم، وإلّا فيعذب.
ثالثاً: ورد وصف حال الكافرين في البرزخ في قوله تعالى: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ)[6]، فالآية تحكي عن أن آل فرعون يعرضون على النار صباحاً ومساءً قبل يوم القيامة، وأما بعدها فيقحمون في النار.
رابعاً: ورد في القرآن الكريم وصف حال الشهداء في البرزخ في قوله تعالى: (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ)[7].
خامساً: أشار الإمام الصادق(عليه السلام) إلى نعيم وعذاب البرزخ بقوله: «إِنَّ لِلْقَبْرِ كَلَاماً فِي كُلِّ يَوْمٍ، يَقُولُ أَنَا بَيْتُ الْغُرْبَةِ، أَنَا بَيْتُ الْوَحْشَةِ، أَنَا بَيْتُ الدُّودِ، أَنَا الْقَبْرُ، أَنَا رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ»[8]، إن حالتي النعيم والعذاب التي أخبر بها الإمام(عليه السلام)، والآيات الكريمة السابقة رغم كونهما نعيماً وعذاباً، لكن لا يصل الأمر إلى مستوى نعيم وعذاب الآخرة، وهو قليل جداً قياساً بما أعده الله تعالى في الآخرة، وربما لا يُعدّ شيئاً قياساً بذلك اليوم العظيم، قال تعالى: (يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ)[9].
وفي الختام نذكر بعض الأخبار الشريفة الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) فيما يخفف، أو يدفع أهوال القبر وحياة البرزخ، منها:
ما روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): «مَن قرا ألهكم التكاثر عند النوم وقي مِن فتنة القبر»[10].
ومنها: صلاة الليل، فقد روي عن الإمام الرضا(عليه السلام) انّه قال: «عليكم بصلاة الليل، فما من عبد يقوم آخر الليل فيصلي ثمان ركعات، وركعتي الشفع، وركعة الوتر، واستغفر الله في قنوته سبعين مرّةً إلّا أجير مِن عذاب القبر، ومِن عذاب النار، ومُدَّ له في عمره، ووسع عليه في معيشته»[11].
مجلة اليقين العدد (29)