حجر بن عدي الكندي

قال الإمام علي (عليه السلام): (اللّهم نوّر قلبه بالتُقى، واهده إلى صراط مستقيم، ليت أنّ في جندي مائة مثلك)[1].

إن في دراسة أمثال هؤلاء الأفذاذ (شهداء الولاية) قدوة وعبرة لغيرهم، من أجل مواصلة الطريق الذي سلكوه في سبيل الدفاع عن هذا الولاء المقدس، الذي يمثل الإسلام الأصيل، وطريق الكمال والسعادة والفلاح في الدنيا والآخرة، والحفاظ على تلك المبادئ والمكتسبات مهما كانت التضحيات.

اسمه وكنيته ونسبه:

أبو عبد الرحمن، حُجْر بن عَدِي بن معاوية الكِنْدي، المعروف بحُجر الخير.

ولادته:

لم تُحدّد لنا مصادر التاريخ ولادته ومكانها، إلّا أنّه من أعلام القرن الأوّل الهجري، ومن المحتمل أنّه ولد في الكوفة باعتباره كوفيا.

صحبته:

 کإن (رضي الله عنه) من أصحاب النبي(صلى الله عليه وآله)، والإمام علي والإمام الحسن والإمام الحسين((عليهم السلام)).

جوانب من حياته:

* اشترك مع الإمام علي(عليه السلام) في حروبه كلّها: الجمل، وصفّين والنهروان، وكان فيها من قادة الجيش.

* عيّنه الإمام علي(عليه السلام) أميراً على أربعة آلاف رجلاً؛ لردّ غارة الضحّاك بن قيس الفهري على أطراف العراق[2].

* كان أحد الذين اشتركوا في دفن أبي ذر الغِفاري (رضي الله عنه) في الربذة، والذين شهد لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأنّهم عصابة من المؤمنين، قال(صلى الله عليه وآله): (... ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض تشهده عصابة من المؤمنين...)[3].

* كان من أهل الكوفة الذين كتبوا إلى عثمان ينقمون عليه أُمورا، ينصحونه وينهونه عنها.

من أقوال النبي(صلى الله عليه وآله) فيه:

1ـ قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): (سيُقتل بعذراء أُناس يغضب الله لهم وأهل السماء)[4].

2ـ وقال: (صلى الله عليه وآله): (يُقتل بمرج عذراء نفر يغضب لهم أهل السماوات) تاريخ اليعقوبي: ج2، ص231.

من أقوال الإمام علي(عليه السلام) فيه:

1ـ قال (عليه السلام): (اللّهم نوّر قلبه بالتقى، واهده إلى صراط مستقيم، ليت أنّ في جندي مائة مثلك)[5].

2ـ وقال(عليه السلام): (يا أهل العراق، سيُقتل منكم سبعة نفر بعذراء، مثلهم كمثل أصحاب الأخدود)[6].

من أقوال العلماء فيه:

1ـ قال الشيخ الطوسي(قدس سره): (وكان من الأبدال)[7].

والأبدال: الأولياء والعبّاد، سمّوا بذلك لأنّهم كلّما مات منهم واحد أُبدل بآخر.

2ـ قال السيّد علي خان المدني(قدس سره): (يُعدّ من الرؤساء والزهّاد، ومحبّته وإخلاصه لأمير المؤمنين (عليه السلام) أشهر من أن تُذكر)[8].

3ـ قال السيّد محسن الأمين(قدس سره): (هو من خيار الصحابة، رئيس، قائد، شجاع، أبيّ النفس، عابد، زاهد، مستجاب الدعوة، عارف بالله تعالى، مسلّم لأمره، مطيع له، مجاهر بالحق، مقاوم للظلم، لا يبالي بالموت في سبيل ذلك)[9].

عدم براءته من الإمام علي(عليه السلام):

قال(رضي الله عنه): (قال لي الإمام علي (عليه السلام): (كيف تصنع أنت إذا ضربت وأُمرت بلعنتي؟ قلت له: كيف أصنع؟ قال: العنّي ولا تبرأ منّي، فإنّي على دين الله)[10].

قال ابن أبي الحديد المعتزلي: (وأمر المغيرة بن شعبة ـ وهو يومئذٍ أمير الكوفة من قبل معاوية ـ حُجر بن عَدي أن يقوم في الناس، فيلعن عليّاً(عليه السلام)، فأبى ذلك، فتوعّده، فقام فقال: أيّها الناس، إنّ أميركم أمرني أن ألعن عليّاً فالعنوه، فقال أهل الكوفة: لعنه الله، وأعاد الضمير إلى المغيرة بالنية والقصد)[11].

إرساله إلى معاوية: كتب والي الكوفة زياد بن أبيه كتاباً إلى معاوية بن أبي سفيان يذكر له عدم تحمّله من وجود حُجر في الكوفة، فأمره معاوية أن يرسله إليه موثقاً بالحديد، وعندئذٍ أرسل زياد حُجراً وأصحابه إلى معاوية.

شهادته:

لمّا وصلوا إلى قرية عذراء جاء رسول معاوية إليهم قائلاً: (إنّا قد أُمرنا أن نعرض عليكم البراءة من علي واللعن له، فإن فعلتم تركناكم، وإن أبيتم قتلناكم، وإنّ أمير المؤمنين يزعم أنّ دماءكم قد حلّت له بشهادة أهل مصركم عليكم، غير أنّه قد عفا عن ذلك فابرأوا من هذا الرجل نُخَلِّ سبيلكم.

قالوا: اللّهم إنّا لسنا بفاعلي ذلك، فأمر بقبورهم فحفرت وأدنيت أكفانهم.

ثمّ إنّ حُجراً قال لهم: دعوني أتوضّأ، قالوا له: توضّأ، فلمّا توضّأ قال لهم: دعوني أُصلّي ركعتين، فأيمُن الله ما توضّأت قطّ إلّا صلّيت ركعتين، قالوا: ليصلِّ، فصلّى ثمّ انصرف، فقال: والله ما صلّيت صلاة قطّ أقصر منها، ولولا أن تروا أن ما بي جزع من الموت لأحببت أن أستكثر منها)[12].

وقال المسعودي في تأريخه: وفي سنة ثلاث وخمسين قَتَلَ معاوية حُجْر بن عَديّ الكِنْدي وهو أول من قتل صبرا في الاسلام حمله زياد من الكوفة ومعه تسعة نفر من أصحابه من أهل الكوفة وأربعة من غيرها، ولما صار إلى مرج عذراء على اثني عشر ميلا من دمشق تقدم البريد بأخبارهم إلى معاوية فبعث برجل أعور، فلما أشرف على حجر وأصحابه، قال رجل منهم: إن صدق الزجر فإنه سيقتل منا النصف وينجو الباقون، أما ترون الرجل المقبل مصاب بإحدى عينيه؟ فلما وصل إليهم قال لحجر: إن أمير المؤمنين أمرني بقتلك يا رأس الضلال ومعدن الكفر والطغيان والمتولي أبي تراب وقتل أصحابك إلا أن ترجعوا عن كفركم وتلعنوا صاحبكم وتبرأوا منه، فقال حجر وجماعة ممن كان معه: (إنّ الصبر على حَدّ السيف لأيسر علينا ممّا تدعونا إليه، ثمّ القدوم على الله وعلى نبيّه وعلى وصيّه أحبّ إلينا من دخول النار)[13] ، ودُفن في نفس المنطقة وهي مرج عذراء التي تبعد(25 كلم) عن دمشق، وقبره معروف يُزار.

مجلة بيوت المتقين العدد (29)

 


[1]بحار الأنوار للمجلسي: ج32، ص399.

[2] الفتوح احمد بن أعثم الكوفي: ج4، ص37.

[3] بحار الأنوار للمجلسي: ج22، ص420.

[4] كنز العمال للمتقي الهندي: ج11، ص126.

[5] بحار الأنوار للمجلسي: ج32، ص399.

[6] مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب: ج2، ص107.

[7] رجال الشيخ الطوسي: ص60، رقم515.

[8] الدرجات الرفيعة للسيد علي خان المدني: ص423.

[9] أعيان الشيعة لمحسن الأمين: ج4، ص571.

[10] رجال الكشي للشيخ الطوسي: ج1، ص319.

[11] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج4، ص58.

[12] تاريخ الطبري: ج4، ص205.

[13] مروج الذهب للمسعودي: ج3، ص4.