1- عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ شَبَابٍ الصَّيْرَفِيِّ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الأَعْرَجُ قَالَ دَخَلْتُ أَنَا وسُلَيْمَانُ بْنُ خَالِدٍ عَلَى أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) فَابْتَدَأَنَا فَقَالَ: (يَا سُلَيْمَانُ مَا جَاءَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) يُؤْخَذُ بِه ومَا نَهَى عَنْه يُنْتَهَى عَنْه جَرَى لَه مِنَ الْفَضْلِ مَا جَرَى لِرَسُولِ الله (صلى الله عليه وآله) ولِرَسُولِ الله (صلى الله عليه وآله) الْفَضْلُ عَلَى جَمِيعِ مَنْ خَلَقَ الله، الْمُعَيِّبُ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) فِي شَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِه كَالْمُعَيِّبِ عَلَى الله عَزَّ وجَلَّ وعَلَى رَسُولِه (صلى الله عليه وآله) والرَّادُّ عَلَيْه فِي صَغِيرَةٍ أَوْ كَبِيرَةٍ عَلَى حَدِّ الشِّرْكِ بِالله كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) بَابَ الله الَّذِي لَا يُؤْتَى إِلَّا مِنْه وسَبِيلَه الَّذِي مَنْ سَلَكَ بِغَيْرِه هَلَكَ وبِذَلِكَ جَرَتِ الأَئِمَّةُ (عليهم السلام) وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ جَعَلَهُمُ الله أَرْكَانَ الأَرْضِ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ والْحُجَّةَ الْبَالِغَةَ عَلَى مَنْ فَوْقَ الأَرْضِ ومَنْ تَحْتَ الثَّرَى...) [1].
الشرح:
قال (عليه السلام): (جَرَى لَه مِنَ الْفَضْلِ مَا جَرَى لِرَسُولِ الله (صلى الله عليه وآله)) يريد مساواتهما في الفضيلة العلميّة والعمليّة والكمالات النفسانيّة أو في الفضل على الغير والإحسان إليه ولمحمّد (صلى الله عليه وآله) الفضل على جميع الخلق فلعليّ (عليه السلام) أيضاً الفضل على جميعهم قضاء للمساواة أو المراد أنَّ له (صلى الله عليه وآله) الفضل على جميع الخلق حتّى على عليّ (عليه السلام) أيضاً رعاية لحقِّ الاُستاذ والإرشاد والتعليم.
ثم قال (عليه السلام): (الْمُعَيِّبُ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) فِي شَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِه كَالْمُعَيِّبِ عَلَى الله عَزَّ وجَلَّ وعَلَى رَسُولِه (صلى الله عليه وآله)) أي الشاكّ فيه وفي أحكامه وفي رواية أخرى (الْمُتَعَقِّبُ) أي التعقّب على الخبر والشاك في حقّيته أو الطالب لعورته وعثرته مَن تعقّبه واستعقبه إذا طلب عورته وعثرته.
ثم قال (عليه السلام): (عَلَى حَدِّ الشِّرْكِ بِالله)، توضيح ذلك إنَّ الإسلام واسطة بين الشرك والإيمان والرَّاد على إمام الوقت وخليفة الله في الأرض في قضيّة صغيرة أو كبيرة مكذِّب له والمكذِّب له يتنزَّل من درجة الإيمان إلى درجة الإسلام وهي حدُّ الشرك فيتسلّط عليه زمرة الشياطين فيدخلونه في الشرك كما ترى في كثير من أهل الإسلام مثل المجسّمة والمصوِّرة والأشاعرة القائلين بزيادة الصفات وأضرابهم فانَّ كلّهم لمّا وقعوا في حدِّ الشرك دخلوا فيه من حيث لا يعلمون.
وقوله (عليه السلام): (جَعَلَهُمُ الله أَرْكَانَ الأَرْضِ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ)، كما أنَّ للبناء أركاناً، بها وجوده وثباته كذلك للأرض أركان وهم الأئمّة (عليه السلام) إذ بهم وجود الأرض وثباتها وبقاؤها ولولاهم لتحركت وساخت الأرض بأهلها ولم تستقرَّ طرفة عين أبدا، ومعنى قوله (عليه السلام) (أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ) أي لولاهم (عليه السلام) لتحركت وزاغت واضطربت.
وقوله (عليه السلام): (والْحُجَّةَ الْبَالِغَةَ عَلَى مَنْ فَوْقَ الأَرْضِ ومَنْ تَحْتَ الثَّرَى)، أي هم (عليه السلام) الحجّة الكاملة والبيّنة الواضحة التي بلغت غاية المتانة والقوة على الإثبات، أنه ليس فوقها أبلغ ولا أتم ولا أكمل منها، وأنها بالغة التمام والكمال في جميع وجوه الاحتجاج، أو بلغ صاحبها صحة دعواه وهي من الحجج الّتي لا يحتاج بعدها إلى شيء آخر بخلاف غيرها من الحجج مثل العقل والقرآن الكريم فإنّهما يحتاجان إلى هذه الحجّة.
2- عَنْ أَبِي الصَّامِتِ الْحُلْوَانِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَالَ: (فَضْلُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) مَا جَاءَ بِه آخُذُ بِه ومَا نَهَى عَنْه أَنْتَهِي عَنْه جَرَى لَه مِنَ الطَّاعَةِ بَعْدَ رَسُولِ الله (عليه السلام) مَا لِرَسُولِ الله (عليه السلام) والْفَضْلُ لِمُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وآله) الْمُتَقَدِّمُ بَيْنَ يَدَيْه كَالْمُتَقَدِّمِ بَيْنَ يَدَيِ الله ورَسُولِه والْمُتَفَضِّلُ عَلَيْه كَالْمُتَفَضِّلِ عَلَى رَسُولِ الله ص والرَّادُّ عَلَيْه فِي صَغِيرَةٍ أَوْ كَبِيرَةٍ عَلَى حَدِّ الشِّرْكِ بِالله فَإِنَّ رَسُولَ الله (عليه السلام) بَابُ الله الَّذِي لَا يُؤْتَى إِلَّا مِنْه وسَبِيلُه الَّذِي مَنْ سَلَكَه وَصَلَ إِلَى الله عَزَّ وجَلَّ وكَذَلِكَ كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) مِنْ بَعْدِه وجَرَى لِلأَئِمَّةِ (عليه السلام) وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ جَعَلَهُمُ الله عَزَّ وجَلَّ أَرْكَانَ الأَرْضِ أَنْ تَمِيدَ بِأَهْلِهَا وعُمُدَ الإِسْلَامِ ورَابِطَةً عَلَى سَبِيلِ هُدَاه لَا يَهْتَدِي هَادٍ إِلَّا بِهُدَاهُمْ ولَا يَضِلُّ خَارِجٌ مِنَ الْهُدَى إِلَّا بِتَقْصِيرٍ عَنْ حَقِّهِمْ أُمَنَاءُ الله عَلَى مَا أَهْبَطَ مِنْ عِلْمٍ أَوْ عُذُرٍ أَوْ نُذُرٍ - والْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ عَلَى مَنْ فِي الأَرْضِ يَجْرِي لآِخِرِهِمْ مِنَ الله مِثْلُ الَّذِي جَرَى لأَوَّلِهِمْ...) [2].
الشرح:
قال (عليه السلام): (وجَرَى لِلأَئِمَّةِ (عليه السلام))، بعدما بَيّنَ الإمام (عليه السلام) ما لأمير المؤمنين (عليه السلام) من الفضل بَيّنَ أن كل ما جرى له (عليه السلام) من التفضيل ووجوب المتابعة وغير ذلك فهو للأئمة (عليه السلام) من بعده، وانه غير مختصّ بأمير المؤمنين (عليه السلام) بل جار في الأئمّة من أولاده الطاهرين.
ثم قال (عليه السلام): (وعُمُدَ الإِسْلَامِ)، وصفهم (عليه السلام) بالعُمُدَ وعطفه على الأركان، والعَمود بالفتح: عمود الخيمة والبيت، وجمعه: عُمُد بالضمّتين، وشَبَّهَ الإسلام بالبيت، فإن قوام البيت هو العمود فلا يقوم إلا به، وكذلك الإسلام لا يقوم ولا يستقيم إلا بهم (عليه السلام).
ثم قال (عليه السلام): (ورَابِطَةً عَلَى سَبِيلِ هُدَاه)، أي جعلهم فرقة رابطة أي لازمة لسبيل الهدى غير مفارقة عنه وقد جاء رابطت بمعنى لازمت كما صرَّح به ابن الأثير في النهاية.
وقوله (عليه السلام): (لَا يَهْتَدِي هَادٍ إِلَّا بِهُدَاهُمْ)، الهدى: الرشاد، فالهدى منحصر بهم فهم سبل الهداة، وسفينة النجاة، وأمناء الله على وحيه، من تمسك بهم نجى، ومن تخلَّف عنهم غرق وهوى.
مجلة بيوت المتقين العدد (50)