فضل الكعبة:
شرّف الله الكعبة وجعلها مثابةً للناس يثوبون اليها، ويجتمعون حولها، ويجدون عندها الأمن الذي يفتقدونه في حياتهم (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً)[1] وهي بيت الله شرّفه الله تعالى وخصّه لنفسه، وأمر بتطهيره حيث خاطب خليله ابراهيم (عليه السلام): (وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُود) [2] ووصفه الله عزّ وجلّ بالبركة في قوله تعالى: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ) [3] وقد خصّ الله تعالى الكعبة بفضل عظيم، فهي الموضع الذي اختاره الله تعالى من الارض، فقد روي عن النبي(صلى الله عليه وآله) : ((إن الله عز وجل اختار من كل شيء شيئا، اختار من الأرض مكة، واختار من مكة المسجد، واختار من المسجد الموضع الذي فيه الكعبةُ..))[4].
وأيضا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبته القاصعة: ((.. ألا ترون أن الله سبحانه أختبر الأولين من لدن آدم صلوات الله عليه إلى الآخرين من هذا العالم بأحجار لا تضر ولا تنفع، ولا تبصر ولا تسمع، فجعلها بيته الحرام الذي جعله للناس قياما، ثم وضعه بأوعر بقاع الأرض حجرا، وأقل نتائق [جمع نتيقة وهي البقاع المرتفعة، ومكة مرتفعة بالنسبة لما انحط عنها من البلدان] الأرض مدراً [المدر قطع الطين اليابس]، وأضيق بطون الأودية قطرا، بين جبال خشنة، ورمال دمثة [يصعب السير فيها والاستنبات منها]، وعيون وشلة [قليلة الماء]، وقرى منقطعة، لا يزكو بها خف، ولا حافر ولا ظلف، ثم أمر آدم وولده أن يثنوا أعطافهم نحوه [اي يتوجهوا نحوه]، فصار مثابة لمنتجع أسفارهم، وغاية لملقى رحالهم، تهوي إليه ثمار الأفئدة [أي تسرع اليه أرواحهم] من مفاوز [جمع مفازة وهي الفلاة التي لا ماء بها] قفار سحيقة، ومهاوي فجاج عميقة، وجزائر بحار منقطعة، حتى يهزوا مناكبهم ذللا يهلون لله حوله، ويرملون على أقدامهم شعثا غبرا له، قد نبذوا السرابيل وراء ظهورهم، وشوهوا بإعفاء الشعور محاسن خلقهم، ابتلاء عظيما وامتحانا شديدا واختبارا مبينا، وتمحيصا بليغا جعله الله سببا لرحمته، ووصلة إلى جنته، ولو أراد سبحانه أن يضع بيته الحرام ومشاعره العظام بين جنات وأنهار، وسهل وقرار، جم الأشجار، داني الثمار، ملتف البنا، متصل القرى، بين برة سمراء [البُرّة: الحنطة، والسمراء: أجودها]، وروضة خضراء، وأرياف محدقة، وعراص مغدقة، ورياض ناضرة، وطرق عامرة، لكان قد صغر قدر الجزاء على حسب ضعف البلاء، ولو كان الأساس المحمول عليها، والأحجار المرفوع بها بين زمردة خضراء، وياقوتة حمراء، ونور وضياء لخفف ذلك مسارعة الشك في الصدور، ولوضع مجاهدة إبليس عن القلوب، ولنفى معتلج الريب من الناس [الاعتلاج: الالتطام، اعتلجت الأمواج التطمت، أي زال تلاطم الريب والشك من صدور الناس]، ولكنّ الله يختبر عباده بأنواع الشدائد، ويتعبّدهم بأنواع المجاهد، ويبتليهم بضروب المكاره إخراجا للتكبر من قلوبهم، وإسكانا للتذلل في نفوسهم، وليجعل ذلك أبوابا فتُحا إلى فضله [بضمتين أي مفتوحة واسعة]، وأسبابا ذلُلا لعفوه ....))[5].
والكعبة من أحب البقاع إلى الله تعالى كما يقول الإمام الباقر (عليه السلام): ((ما خلق الله عز وجل بقعة في الأرض أحب إليه منها، ثم أومأ بيده نحو الكعبة، ولا أكرم على الله عز وجل منها))[6].
لذلك جعل الله تعالى النظر الى الكعبة عبادة، فقد روي عن النبي(صلى الله عليه وآله) : ((النظر إلى الكعبة حُباً لها يهدم الخطايا هدما))[7].
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): ((إذا خرجتم حُجّاجا إلى بيت الله فأكثروا النظر إلى بيت الله، فإن لله مائة وعشرين رحمة عند بيته الحرام، ستون للطائفين، وأربعون للمصلين، وعشرون للناظرين))[8].
تأريخ بناء الكعبة المعظمة:
قال تعالى: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [9].
نفهم بوضوح من خلال الآية الكريمة أن بيت الكعبة كان موجودا قبل إبراهيم (عليه السلام)، وكان قائمـا منذ زمن آدم (عليهما السلام) ، فإبراهيم وإسماعيل(عليهما السلام) قد رفعا قواعد البيت التي كانت موجودة، والآية 37 من سورة إبراهيم تتحدث عن لسان إبراهيم (عليه السلام) فتقول: (رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ) وهذه الآية تدل على أن بيت الكعبة كان له نوع من الوجود حين جاء إبراهيم (عليه السلام) مع زوجه وابنه الرضيع إلى مكة.
وتقول الآية96من سورة آل عمران: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ) ومن المؤكد أن عبادة الله وإقامة أماكن العبادة لم تبدأ في زمن إبراهيم (عليه السلام)، بل كانتا منذ أن خلق الإنسان على ظهر هذه الأرض.
وقد روي عن الامام الباقر (عليه السلام): ((أمّا بَدءُ هذَا البَيتِ فَإِنَّ اللهَ تَبارَكَ وتَعالى قالَ لِلمَلائِكَةِ: (إنّي جاعِلٌ فِي الأَرضِ خَليفَةً )، فَرَدَّتِ المَلائِكَةُ عَلَى اللهِ عَزَّ وجَلَّ فَقالَت: (أتَجعَلُ فيها مَن يُفسِدُ فيها ويَسفِكُ الدِّماء)[10].؟ ! فَأَعرَضَ عَنها، فَرَأَت أنَّ ذلِكَ مِن سَخَطِهِ فَلاذَت بِعَرشِهِ، فَأَمَرَ اللهُ مَلَكًا مِنَ المَلائِكَةِ أن يَجعَلَ لَهُ بَيتًا فِي السَّماءِ السّادِسَةِ يُسَمَّى الضُّراحَ [لضُّراح: بيت في السماء مقابل الكعبة في الأرض، قيل: هو البيت المعمور[11]] بِإِزاءِ عَرشِهِ، فَصَيَّرَهُ لأَهلِ السَّماءِ، يَطوفُ بِهِ سَبعونَ ألفَ مَلَك في كُلِّ يَوم لا يَعودونَ، ويَستَغفِرونَ، فَلَمّا أن هَبَطَ آدَمُ إلَى السَّماءِ الدُّنيا أمَرَهُ بِمَرَمَّةِ هذَا البَيتِ - وهُوَ بِإِزاءِ ذلِكَ – فَصَيَّرَهُ لآدَمَ وذُرِّيَّتِهِ كَما صَيَّرَ ذلِكَ لأَهلِ السَّماءِ)) [12].
وعنه (عليه السلام): ((أمَرَ اللهُ المَلائِكَةَ أن تَبنِيَ فِي الأَرضِ بَيتًا لِيَطوفَ بِهِ مَن أصابَ ذَنبًا مِن وُلدِ آدَمَ (عليه السلام) كَما طافَتِ المَلائِكَةُ بِعَرشِهِ؛ فَيَرضى عَنهُم كَما رَضِيَ عَنِ المَلائِكَةِ، فَبَنَوا مَكانَ البَيتِ بَيتًا رُفِعَ زَمانَ الطّوفانِ، فَهُوَ فِي السَّماءِ الرّابِعَةِ، يَلِجُهُ كُلَّ يَوم سَبعونَ ألفَ مَلَك لا يَعودونَ إلَيهِ أبَدًا، وعَلى أساسِهِ وَضَعَ إبراهيمُ (عليه السلام) البَيتَ))[13].
وفي رواية أخرى عن الإمام الصادق (عليه السلام): ((.....ثم جعل الله البيت الحرام حذو الضراح توبة لمن أذنب من بني آدم وطهورا لهم....)) [14]
وكما تقدم في خطبة أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في نهج البلاغة، وهي المسماة بالقاصعة، يقول: ((ألا ترون أن الله سبحانه اختبر الأولين من لدن آدم صلوات الله عليه إلى الآخرين من هذا العالم بأحجار... فجعلها بيته الحرام... ثم أمر آدم (عليه السلام) وولده أن يثنوا أعطافهم نحوه [ أي أن يطوفوا حوله]. . [15]
فالقرائن القرآنية والروائية تؤيّد أن الكعبة بُنيت أولا بيد آدم (عليه السلام)، ثم انهدمت في طوفان نوح (عليه السلام)، ثم أعيد بناؤها على يد إبراهيم وإسماعيل(عليهما السلام) .
تجديد بناء الكعبة:
وحين الاشتغال بإعادة بناء الكعبة تضرع إبراهيـــم وإسماعيل (عليهما السلام) إلى رب العالمين بخمسة طلبات هامة ذُكرت في قوله تعالى: (رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ) [16].
وهذه الطلبات المقدسة جامعة ودقيقة بحيث تشمل كل احتياجات الإنسان المادية والمعنوية، وتفصح عن عظمة هذين النبيين الكبيرين، قالا أولا: (ربنا واجعلنا مسلمين)، ثم أضافا: (ومن ذريتنا أمة مسلمة لك)، وطلبا تفهم طريق العبادة: (وأرنا مناسكنا)، ليُعبد الله حق عبادته، ثم طلبا التوبة: (وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم)، والطلب الخامس، وهو هداية الذرية (ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم)[17].
وهناك رواية شريفة سلَّطت الأضواء على تاريخ بناء الكعبة بالتفصيل فقد روى علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن النضر بن سويد، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: ((إن إبراهيم (عليه السلام) كان نازلا في بادية الشام، فلما ولد له من هاجر إسماعيل (عليه السلام) اغتمت سارة من ذلك غما شديدا، لأنه لم يكن له منها ولد، وكانت تؤذي إبراهيم (عليه السلام) في هاجر وتغمه، فشكا إبراهيم (عليه السلام) ذلك إلى الله عز وجل، فأوحى الله إليه: إنما مثل المرأة مثل الضلع العوجاء، إن تركتها استمتعت بها، وإن أقمتها كسرتها، ثم أمره أن يُخرج إسماعيل (عليه السلام) وأمَّه، فقال: يا رب إلى أي مكان؟ قال: إلى حرمي وأمني، وأول بقعة خلقتها من الأرض، وهي مكة، فأنزل الله عليه جبرئيل بالبُراق، فحمل هاجر وإسماعيل وإبراهيم (عليهما السلام)، وكان إبراهيم لا يمر بموضع حسن فيه شجر ونخل وزرع إلا وقال: يا جبرئيل، إلى هاهنا، إلى هاهنا، فيقول جبرئيل: لا، أمضِ، أمضِ، حتى وافى [أتى] مكة، فوضعه في موضع البيت، وقد كان إبراهيم (عليه السلام) عاهد سارة أن لا ينزل حتى يرجع إليها، فلما نزلوا في ذلك المكان كان فيه شجر، فألقت هاجر على ذلك الشجر كساء كان معها، فاستظلوا تحته، فلما سرحهم - أي أرسلهم - إبراهيم ووضعهم وأراد الانصراف عنهم إلى سارة، قالت له هاجر: يا إبراهيم، أتدعنا [لم تدعنا] في موضع ليس فيه أنيس ولا ماء ولا زرع؟ فقال إبراهيم (عليه السلام): الله الذي أمرني أن أضعكم في هذا المكان هو يكفيكم، ثم انصرف عنهم، فلما بلغ كداء - وهو جبل بذي طوى - التفت إليهم إبراهيم (عليه السلام)، فقال: (رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) [18] .
ثم مضى، وبقيت هاجر، فلما ارتفع النهار عطش إسماعيل (عليه السلام) وطلب الماء، فقامت هاجر في الوادي في موضع السعي، ونادت: هل في الوادي من أنيس؟ فغاب عنها إسماعيل (عليه السلام) فصعدت على الصفا، ولمع لها السراب في الوادي، فظنت أنه ماء، فنزلت في بطن الوادي وسعت، فلما بلغت المسعى غاب عنها إسماعيل (عليه السلام)، ثم لمع لها السراب في ناحية الصفا، فهبطت إلى الوادي تطلب الماء، فلما غاب عنها إسماعيل (عليه السلام) عادت حتى بلغت الصفا، فنظرت حتى فعلت ذلك سبع مرات، فلما كانت في الشوط السابع وهي على المروة، نظرت إلى إسماعيل (عليه السلام) وقد ظهر الماء من تحت رجليه، فعادت حتى جمعت حوله رملا، فإنه كان سائلا، فزمّته – زمّته أي شدّته وحجزته بما جعلت حوله من الرمل- بما جعلته حوله، فلذلك سميت زمزم، وكانت جَرْهم نازلة بذي المجاز - موضع سوق بعرفة على ناحية كبكب - وعرفات، فلما ظهر الماء بمكة عكفت الطير والوحش على الماء.
استيطان القبائل في مكّة:
فلما كان كذلك نظرت جرهم إلى تعكف الطير والوحش على ذلك المكان، فأتبعوها حتى نظروا إلى امرأة وصبي نازلين في ذلك الموضع قد استظلا بشجرة، وقد ظهر الماء لهما، فقالوا لهاجر: من أنت، وما شأنك وشأن هذا الصبي؟ قالت: أنا أم ولد إبراهيم خليل الرحمن، وهذا ابنه، أمره الله أن ينزلنا هاهنا، فقالوا لها: أتأذنين [فقالوا لها: أيّها المباركة أفتأذني ] لنا أن نكون بالقرب منكما؟ فقالت لهم: حتى يأتي إبراهيم (عليه السلام)، فلما زارهما إبراهيم (عليه السلام) في اليوم الثالث، قالت هاجر: يا خليل الله، إن هاهنا قوما من جَرْهم يسألونك أن تأذن لهم حتى يكونوا بالقرب منا، أفتأذن لهم في ذلك؟ فقــــال إبراهيم (عليه السلام): نعم، فأذنت هاجر لجرهم فنزلوا بالقرب منهم وضربوا خيامهم، فأنست هاجر وإسماعيل بهم، فلما زارهم إبراهيم (عليه السلام) في المرة الثانية نظر إلى كثرة الناس حولهم فسُرَّ بذلك سرورا شديدا، فلمــا ترعرع إسماعيل (عليه السلام)، وكانت جرهم قد وهبوا لإسماعيل (عليه السلام) كل واحد منهم شاة أو شاتين، فكانت هاجر وإسماعيل يعيشان [ بها ]، فلما بلغ إسماعيل (عليه السلام) مبلغ الرجال أمر الله إبراهيم (عليه السلام) أن يبني البيت، فقال: يا رب، في أي بقعة؟ قال: في البقعة التي أنزلت على آدم القبة فأضاء لها الحرم، فلم تزل القبة التي أنزلها الله على آدم (عليه السلام) قائمة حتى كان أيام الطوفان أيام نوح (عليه السلام)، فلما غرقت الدنيا رفع الله تلك القبة وغرقت الدنيا إلا موضع البيت، فسميت البيت العتيق، لأنه أعتق من الغرق، فلما أمر الله عز وجل إبراهيم (عليه السلام) أن يبني البيت لم يدر في أي مكان يبنيه، فبعث الله عز وجــل جبرئيل (عليه السلام) فخطَّ له موضع البيت، فأنزل الله عليه القواعد من الجنة، وكان الحجر الذي أنزله الله على آدم (عليه السلام) أشد بياضا من الثلج، فلما مسته أيدي الكفار اسودّ، فبنى إبراهيم (عليه السلام) البيت، ونقل إسماعيل (عليه السلام) الحجر من ذي طوى، فرفعه في السماء تسعة أذرع، ثم دله على موضع الحجر، فاستخرجه إبراهيم (عليه السلام) ووضعه في موضعه الذي هو فيه الآن، وجعل له بابين: بابا إلى الشرق، وبابا إلى الغرب والباب الذي إلى الغرب يسمى المستجار، ثم ألقى عليه الشجر والإذخر، وألقت [وعلَّقت] هاجر على بابه كساء كان معها، وكانوا يكنّون تحته، فلما بناه وفرغ منه حج إبراهيم وإسماعيل (عليه السلام)، ونزل عليهما جبرئيل (عليه السلام) يوم التروية لثمان من ذي الحجة، فقال: يا إبراهيم قم فارتو من الماء، لأنه لم يكن بمنى وعرفات ماء، فسميت التروية لذلك، ثم أخرجه إلى منى فبات بها، ففعل به ما فعل بآدم (عليه السلام)، فقال إبراهيم (عليه السلام) لما فرغ من بناء البيت والحج: (رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وارْزُقْ أَهْلَه مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِالله والْيَوْمِ الآخِرِ): قال: من ثمرات القلوب، أي حببهم إلى الناس لينتابوا إليهم - انتاب الرجل القوم انتيابا: إذا قصدهم وأتاهم مرّة بعد مرّة - ويعودوا إليهم))[19].
لتحميل الملف اضغط هنا
[1] سورة البقرة: آية125.
[2] سورة البقرة: آية125.
[3] سورة آل عمران: آية 96.
[4] مستدرك الوسائل ج9/ص347.
[5] نهج البلاغة ج3: ص148.
[6] الكافي ج4/ص240.
[7] المحاسن ج1/ص 69 / ذيل الحديث 135.
[8] المحاسن: ج1 / 69 /ح 135 .
[9] سورة البقرة: آية 127.
[10] سورة البقرة : آية 30 .
[11] تاج العروس : 4 / 134.
[12] الكافي: ج4/ص187/ح1.
[13] دعائم الإسلام: ج1/ص 292.
[14] الكافي: ج4 /ص 187 /ح 2.
[15] نهج البلاغة ج3/ ص148.
[16] سورة البقرة: الآيات 128-129.
[17] تفسير الامثل ج1 ص382.
[18] سورة إبراهيم: آية 37.
[19] تفسير البرهان ج1 ص330-333.