أنواع الهداية في القرآن الكريم

تنقسم الهداية في القرآن الكريم إلى ثلاثة أنواع، وهي: الهداية التكوينية، والهداية التشريعية، والهداية التوفيقية.

أولاً: الهداية التكوينية:

الهداية التكوينية هي الهداية العامّة التي تشمل جميع الكائنات، فالباري عز وجل هدى المخلوقات لِما ينفعها من أمور حياتها ولما يُبعدها عن الأمور الضارّة، فالطيور والنّحل هداها الله تعالى لتتخذ بيوتها في الشجر أو الجبال، وهدى النّمل لطريقة وهندسة بناء بيتها، وضوابط خروجها وسباتها، وجميع الكائنات هداها وعلّمها لِما يحقق الراحة والاستقامة في العيش.

ومن مظاهر هذه الهداية العامة التكوينية فطرة المخلوقات جميعاً للتسبيح له جل وعلا: (سَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبعُ وَالأَرضُ وَمَن فيهِنَّ وَإِن مِن شَيءٍ إِلّا يُسَبِّحُ بِحَمدِهِ وَلـكِن لا تَفقَهونَ تَسبيحَهُم)[1].

توضيح:

لقد خلق الله الكون وما فيه لغاية وهدف؛ لأن وجود مخلوق بلا هدف معناه وجود خلق عبثي وهو محال على الله تعالى، فلا يمكن أن يصدر أو ينقدح في الذّهن شيء خلقه تعالى من دون هدف وغاية وحكمة من خلقه، لعدم جواز اللّهو واللّعب على الله تعالى، وقد نفى القرآن الكريم الخلق العبثي عن الباري عزّ وجلّ: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ)[2]، فكل مخلوق خلق لغاية وهدف، والهداية التكوينية هي إلهام هذه المخلوقات وتزويدها بغرائز أو إيحاءات، وهي تسلك عن طريق ذلك كلّه الطريق  لتصل إلى هدفها وغايتها المنشودة تلك التي خلقت من أجلها، وقد صرّح القرآن الكريم بهذا النوع من الهداية، في قوله تعالى: (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ)[3]، وقوله: (قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ)[4].

ثانياً: الهداية التّشريعية:

يتمثّل هذا النّوع من الهداية بالإرشاد و إراءة طريق السّعادة والدّعوة إليه، وتمييز طريق الشّقاء والسّوء والغيّ والمنع والتحذير منه، وهذا النّوع من الهداية خاص بالإنسان؛ لأنه المخلوق القادر على إدراك الخير والشّر، ولأنّ أداة هذه الهداية هي الأحكام الشّرعية والأوامر الرّبّانية التي يشترط فيها العقل والإدراك، وتكون الهداية التّشريعية عن طريق الأنبياء والرّسل وأوصيائهم والكتب السماوية والعلماء والمصلحين وغير ذلك، ومن مصاديق هذه الهداية قوله تعالى: (إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ)[5] (ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ)[6]، ومنها قوله تعالى: (وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ)[7] فهداية القرآن الكريم المشار إليها في هذه الآيات الكريمة هي من نوع الهداية التشريعية.

كما تختلف الهداية التشريعية عن الهداية التكوينية أن حصولها ووجود آثارها تتعلّق بإرادة الإنسان؛ لأنها اختيارية بالنسبة له، بخلاف الهداية التكوينية.

ثالثاً: الهداية التّوفيقية:

ويمكن عدها من أقسام الهداية التّكوينية، وهي فيض من الله سبحانه وتعالى يفيضه على العبد الذي اهتدى بالهداية التّشريعية، والهداية التّوفيقية فيض من الرّحمة الإلهيّة للعباد المتقين ينوّر بها قلبه الّذي يطوي مسيرة الكمال للوصول إليه سبحانه، فيبصّره الله سبحانه بحقائق الأمور، وكلّما قطع العبد مسافة أطول في طريق الكمال، وريّض نفسه على الطّاعات والالتزام بتعاليم الشّرع المقدّس فإن الله تعالى  يفيض عليه من هذه الهداية، ويهيئ له الظّروف التي تجعله سعيداً ويقربه من موارد الاستقرار والرّاحة والأمان،  وحدّث  القرآن الكريم بهذا النّوع من الهداية  في آياته الكريمة، ومنها قوله تعالى: (وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا)[8]، ومنها قوله تعالى: (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)[9].

ومن هذه الهداية التّوفيق لزيادة الإيمان والتّقوى، فالمهتدون بالهداية التّشريعية، ونتيجة لاختيارهم طريق الهداية وابتعادهم عن طريق الضلال والغواية ولإيمانهم وطاعتهم لله تعالى، وعملهم بدين الله الحنيف يكونون في معرض المزيد من اللّطف الإلهي، فيهبهم الحقّ سبحانه المزيد من الهداية ويظهر لهم من البراهين والأدلّة ما يزيد في إيمانهم ويرسّخ من يقينهم، وبهذا يرتقون شيئًا فشيئًا في مراتب الكمال والقرب الإلهي.

مجلة اليقين العدد (61)

 


[1] الإسراء: 44.

[2] الأنبياء: 16.

[3] الأعلى: 2 - 3.

[4] طه: 50.

[5] الرعد: 7.

[6] البقرة: 2.

[7] الأعراف: 181.

[8] مريم: 76.

[9] هود: 88.