تبت يدا أبي لهب

اسمه (عبد العزّى) وكنيته (أبو لهب)، وقيل إنه كّني بذلك لحمرة كانت في وجهه.

وفي الرّواية عن طارق المحاربي قال: بينما أنا بسوق ذي المجاز إذا بشاب يقول: (يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا) وإذا برجل خلفه يرميه قد أرمى ساقيه... ويقول: يا أيها الناس إنه كذاب فلا تصدقوه، فقلت: من هذا؟ فقالوا: هو محمد يزعم أنّه نبي، وهذا عمه أبو لهب يزعم أنه كذاب[1].

أبو لهب يتتبع النبيّ كالظل:

كلما جاء وفد إلى النبي (صلى الله عليه وآله) يسألون عن عمّه أبي لهب- اعتباراً بكبره وقرابته وأهميته- كان يقول لهم: إنه ساحر، فيرجعون ولا يلقونه، فأتاه وفد فقالوا: لا ننصرف حتى نراه، فقال: إنا لم نزل نعالجه من الجنون فتباً له وتعساً....)[2].

إنّ أبا لهب كان يتتبع النبي (صلى الله عليه وآله) غالباً كالظل. وما كان يرى سبيلاً لإيذائه إلاّ سلكه، وكان يقذعه بأفظع الألفاظ. ومن هنا كان أشدّ أعداء الرسول والرسالة. إنّه الوحيد الذي لم يوقع على ميثاق حماية بني هاشم للرسول (صلى الله عليه وآله) ووقف في صف الأعداء، واشترك في عهودهم.

تبت يدا أبي لهب:

عن ابن عباس قال: عندما نزلت (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)[3]، أمر النبي (صلى الله عليه وآله) أن ينذر عشيرته ويدعوهم إلى الإسلام (أي أن يعلن دعوته).

صعد النبي (صلى الله عليه وآله) على جبل الصفا ونادى: (يا صباحاه) ـ وهو نداء يطلقه العرب حين يهاجمون بغتة كي يتأهبوا للمواجهة، وإنما اختاروا هذه الكلمة لأن الهجوم المباغت كان يحدث في أوّل الصبح غالباً-. عندما سمع أهل مكة هذا النداء قالوا: من المنادي؟ قيل: محمد فأقبلوا نحوه وبدأ ينادي قبائل العرب بأسمائهم، ثم قال لهم: أرأيتم لو أخبرتكم أن العدوّ مصبحكم وممسيكم، أما كنتم تصدقوني؟ قالوا: بلى، قال: فإني نذير لكم من بين يدي عذاب شديد فقال أبو لهب: تبّاً لك لهذا دعوتنا جميعًا؟! فأنزل الله سورة المسد[4].

القرآن يرد على هذا الإنسان البذيء ويقول له: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ)، فليس بإمكان أمواله أن تدرأ عنه العذاب الإلهي (سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ)[5].

من الآية الأولى نفهم أنّه كان ثرياً ينفق أمواله في محاربة النبي (صلى الله عليه وآله)، وأبو لهب ناره ذات لهب يصلاها يوم القيامة، وقيل: يصلاها في الدنيا قبل الآخرة.

عاقبة أبي لهب:

جاء في الروّاية، قال أبو رافع (مولى العباس) وقد كان جالساً: تلك الملائكة، فرفع أبو لهب يده فضرب وجهه ضربة شديدة ثم حمله وضرب به الأرض، ثم برك عليه يضربه وكان رجلاً ضعيفاً، وما أن شهدت أم الفضل (زوجة العباس) ذلك وكانت جالسة أيضاً حتى أخذت عمودًا وضربت أبا لهب على رأسه وقالت: تستضعفه إن غاب عنه سيّده؟! فقام مُولياً ذليلاً. قال أبو رافع: فو الله ما عاش إلاّ سبع ليال حتى رماه الله بالعدسة (مرض يشبه الطاعون) فمات، وقد تركه أبناه ليلتين أو ثلاثة ما يدفناه حتى نتن في بيته.

فلما عيّرهما الناس بذلك أُخذ وغُسل بالماء قذفاً عليه من بعيد، ثم أخذوه فدفنوه بأعلى مكة وقذفوا عليه الحجارة حتى واروه[6].

 


[1] مناقب آل أبي طالب، ابن شهرآشوب: ج1، ص51.

[2] تفسير الرازي: ج32، ص166.

[3] الشعراء: آية 214.

[4] بحار الأنوار: ج18، ص164.

[5] المسد: آية 1ـ3.

[6] تفسير مجمع البيان ـ الشيخ الطبرسي: ج4، ص442.