المبحث الأوّل فيما يجب فيه الخمس
وهي أُمور :
الأوّل: الغنائم
المنقولة وغير المنقولة المأخوذة بالقتال من الكفّار الذين يحلّ قتالهم، فإنّه يثبت فيها الخمس إذا كان القتال بإذن الإمام (علىه السلام)، وأمّا إذا لم يكن القتال بإذنه فالغنيمة كلّها له وإن كان للدفاع عن المسلمين عند هجوم الكفّار عليهم.
ويستثنى من الغنيمة فيما إذا كان القتال بإذن الإمام (علىه السلام) ما يصطفيه منها لنفسه، وكذا قطائع الملوك لخواصّهم، وما يكون للملوك أنفسهم، فإنّ جميع ذلك مختصّ به (علىه السلام)، كما أنّ الأراضي التي ليست من الأنفال هي فيء للمسلمين مطلقاً.
مسألة 1188: ما يؤخذ من الكفّار بغير القتال ممّا لا يرتبط بالحرب وشؤونها لا يثبت فيه خمس الغنيمة بل خمس الفائدة - كما سيأتي - هذا إذا كان الأخذ منهم جائزاً، وإلّا - كما إذا كان غدراً ونقضاً للأمان الممنوح لهم - فالأحوط لزوماً ردّه إليهم.
مسألة 1189: لا يعتبر في وجوب الخمس في الغنيمة بلوغها قيمة خمسة عشر مثقالاً صيرفيّاً من الذهب المسكوك.
ويعتبر أن لا تكون لمسلم أو غيره ممّن هو محترم المال، وإلّا وجب ردّها على مالكها، وأمّا إذا كان في أيديهم مال للحربيّ بطريق الغصب أو غيره فيجري عليه حكم مالهم.
مسألة 1190: في جواز تملّك المؤمن مال الناصب وأداء خمسه إشكال فالأحوط لزوماً تركه.
الثاني: المعدن
كالذهب والفضّة والرصاص والنُّحاس والعقيق والفيروزج والياقوت والكحل والملح والقير والنفط والكبريت ونحوها، والأحوط وجوباً إلحاق الجَصّ والنورة ونحوهما بما تقدّم.
والمختار أنّ المعدن من الأنفال وإن لم تكن أرضه منها، ولكن يثبت الخمس في المستخرج منه ويكون الباقي للمُخرِِج على تفصيل سيأتي إن شاء الله تعالى.
مسألة 1191: يشترط في وجوب الخمس في المعدن النصاب، وهو قيمة (خمسة عشر مثقالاً صيرفيّاً من الذهب المسكوك) سواء أكان المعدن ذهباً أم فضّة أو غيرهما، فإذا كانت قيمته أقلّ من ذلك لا يجب الخمس فيه بعنوان المعدن، وإنّما يدخل في أرباح السنة.
والمعتبر بلوغه المقدار المذكور في حال الإخراج بعد استثناء مؤونته دون مؤونة التصفية، نعم إنّما يجب إخراج الخمس من الباقي بعد استثناء مؤونة التصفية وسائر المؤن الأُخرى.
مسألة 1192: إذا أخرج المعدن دفعات كفى بلوغ المجموع النصاب وإن أعرض في الأثناء ثُمَّ رجع، نعم إذا أهمله فترة طويلة ولو لمانع خارجيّ - بحيث لم يعدّ عرفاً عاملاً في المعدن - لا يضمّ اللاحق إلى السابق.
مسألة 1193: إذا اشترك جماعة في الإخراج ولم يبلغ حصّة كلّ واحد منهم النصاب لم يجب الخمس فيه وإن بلغ المجموع نصاباً.
مسألة 1194: قد مرّ أنّ المعدن مطلقاً من الأنفال، إلّا أنّه إذا لم يكن ظاهراً فهو على ثلاثة أقسام:
1. ما إذا كان في الأرض المملوكة أو ما يلحقها حكماً، والمشهور بين الفقهاء (رضوان الله تعالى عليهم) أنّه حينئذٍ ملك لمالك الأرض، فإن أخرجه غيره بدون إذنه فهو لمالكها وعليه الخمس، ولكن هذا غير خالٍ عن الإشكال، فالأحوط لزوماً لهما التراضي بصلح أو نحوه، فإن لم يتراضيا فليراجعا الحاكم الشرعيّ في حسم النزاع بينهما.
2. ما إذا كان في الأرض المفتوحة عنوة التي هي ملك للمسلمين من دون أن يكون لشخص معيّن حقّ فيها، والواجب حينئذٍ الاستئذان في استخراجه من الإمام (علىه السلام) أو نائبه، فإذا استخرجه بإذنه ملكه وعليه الخمس.
3. ما إذا كان في الأراضي الأنفال، ولا حاجة حينئذٍ إلى الاستئذان في استخراجه بل هو جائز لجميع المؤمنين - لولا طروّ عنوان ثانويّ يقتضي المنع عنه - فإذا استخرجه أحد وجب فيه الخمس ويكون الباقي له.
مسألة 1195: إذا شكّ في بلوغ المعدن النصاب فالأحوط وجوباً الاختبار مع الإمكان، ومع عدمه لا يجب عليه الخمس، وكذا إذا اختبره فلم يتبيّن له شيء.
الثالث: الكنز
وهو المملوك المنقول الذي طرأ عليه الاستتار والخروج عن معرضيّة التصرّف، من غير فرق بين أن يكون المكـان المستتـــر فيه أرضــاً أو جــداراً أو غيرهمــا، ولكن يعتبر أن يكون وجوده فيه أمراً غير متعارف.
فمن وجد الكنز يملكه بالحيازة وعليه الخمس، ولا يختصّ ذلك بالذهب والفضّة المسكوكين بل يشمل غير المسكوك منهما أيضاً، وكذلك الأحجار الكريمة بل مطلق الأموال النفيسة.
ويعتبر في جواز تملّك الكنز كونه شرعاً مالاً بلا مالك أو عدم كونه لمحترم المال سواء وجد في دار الحرب أم في دار الإسلام، مواتاً كان حال الفتح أم عامرة أم في خربة بادَ أهلها، وسواء كان عليه أثر الإسلام أم لم يكن.
ويشترط في وجوب الخمس فيه بلوغ النصاب، وهو أقلّ نصابي الذهب والفضّة ماليّة في وجوب الزكاة، وقد مرّا في المسألة (1110).
ولا فرق بين الإخراج دفعة ودفعات - إذا لم تفصل بينها فترة طويلة - ويجري هنا أيضاً استثناء المؤونة، وحكم بلوغ النصاب بعد استثناء مؤونة الإخراج، وحكم اشتراك جماعة فيه إذا بلغ المجموع النصاب كما تقدّم في المعدن.
وإن علم أنّه لمسلم أو ذمّيّ موجود هو أو وارثه فإن تمكّن من إيصاله إلى مالكه وجب ذلك، وإن لم يتمكّن من معرفته جرى عليه حكم مجهول المالك، وإن لم يعرف له وارثاً جرى عليه حكم إرث من لا وارث له على الأحوط لزوماً، نعم إذا كان المالك المسلم أو الذمّيّ قديماً بحدّ يعدّ موجباً لعدم إحراز وجود الوارث له جرى عليه حكم الكنز .
مسألة 1196: إذا وجد الكنز في الأرض المملوكة له فإنْ ملكها بالإحياء جرت عليه الأحكام المتقدّمــة، وإنْ ملكهــا بالشــراء ونحوه عرّفــه المالــك السابــق - إذا كان ذا يد عليها واحتمل كونه له احتمالاً معتدّاً به - فإن ادّعاه دفعه إليه وإلّا راجع من ملكها قبله كذلك وهكذا، فإن نفاه الجميع جرت عليه الأحكام المتقدّمة، وكذلك الحال فيما إذا وجده في ملك غيره إذا كان تحت يده بإجارة أو نحوها.
مسألة 1197: إذا اشترى دابّة فوجد في جوفها مالاً كان حكمه حكم الكنز الذي يجده في الأرض المشتراة في لزوم تعريف البائع على النهج المتقدّم، فإن لم يعرف له مالكاً أخرج خمسه - وإن لم يبلغ نصاب الكنز على الأحوط لزوماً - ويكون الباقي له.
وهكذا الحكم في الحيوان غير الدابّة حتّى السمكة إذا احتمل أن يكون ما في جوفها لمن سبقه، كما إذا كانت تربّى في حوض خاصّ وكان البائع أو غيره يتكفّل بإطعامها دون ما إذا كان قد اصطادها من البحر أو شبهه.
الرابع: ما أخرج من البحر بالغوص من الجوهر ونحوه، لا مثل السمك وغيره من الحيوان
مسألة 1198: يعتبر في وجوب الخمس فىما يخرج بالغوص بلوغ النصاب، وهو قيمة دينار واحد (أي المثقال الصيرفيّ من الذهب المسكوك) فلا خمس فىما ينقص عن ذلك.
مسألة 1199: إذا اشترك جماعة في الغوص ولم يبلغ نصيب كلٍّ منهم النصاب لم يجب الخمس فيه كما مرّ نظيره في المعدن، كما يجري هنا ما مرّ فيه من اعتبار بلوغه النصاب بعد استثناء مؤونة الإخراج.
مسألة 1200: إذا أخرج بآلة من دون غوص فالأحوط وجوباً جريان حكم الغوص عليه.
مسألة 1201: الأنهار العظيمة حكمها حكم البحر فيما يخرج منها بالغوص.
مسألة 1202: لا فرق بين اتّحاد النوع وعدمه فيما تقدّم من اعتبار بلوغ النصاب في تعلّق الخمس بما يخرج بالغوص، فإذا كان مجموع ما أُخرج يبلغ النصاب وجب فيه الخمس وإن كان من أنواع مختلفة.
مسألة 1203: يجب الخمس في العنبر إن أُخرج بالغوص، بل يجب فيه وإن أُخذ من وجه الماء أو الساحل.
مسألة 1204: ما يستخرج من البحر من الأموال غير المتكوّنة فيه لا يدخل تحت عنوان الغوص، كما إذا غرقت سفينة وتركها أصحابها وأباحوا ما فيها لمستخرجه فاستخرج شخص لنفسه شيئاً منها، فإنّ ذلك يدخل في الأرباح السنويّة.
الخامس: الأرض التي تملّكها الكافر من المسلم
ببيع أو هبة أو نحو ذلك - على المشهور بين الفقهاء (رضوان الله تعالى عليهم) - ولكن ثبوت الخمس فيها بمعناه المعروف لا يخلو عن إشكال، فلا يترك مراعاة الاحتياط فيه.
السادس: الحلال المخلوط بالحرام
إذا لم يتميّز ولم يتيسّر له معرفة صاحبه ولا مقداره بحيث احتمل زيادته على الخمس ونقيصته عنه، فإنّه يحلّ بإخراج خمسه، والأحوط وجوباً إعطاؤه بقصد الأعمّ من الخمس والصدقة عن المالك إلى من يكون مصرفاً للخمس ولمجهول المالك معاً.
وإذا عَلِمَ أنّ المقدار الحرام يزيد على الخمس أو أنّه ينقص عنه لزمه التصدّق عن المالك بالمقدار الذي يعلم أنّه حرام إذا لم يكن الخلط بتقصير منه وإلّا فالأحوط وجوباً التصدّق بالزائد ولو بتسليم المال كلّه إلى الفقير قاصداً به التصدّق بالمقدار المجهول مالكه، ثُمَّ يتصالح هو والفقير في تعيين حصّة كلٍّ منهمــا، والأحــوط لزومــاً أن يكون التصدّق بإذن الحاكم الشرعيّ.
وإذا عَلِمَ المقدار ولم يتيسّر له معرفة المالك تصدّق به عنه سواء أكان الحرام بمقدار الخمس أم كان أقلّ منه أم كان أكثر منه، والأحوط وجوباً أن يكون التصدّق بإذن الحاكم الشرعيّ.
وإن عَلِمَ المالك ولم يتيسّر له معرفة المقدار فإن أمكن التراضي معه بصلح أو نحوه فهو، وإلّا اكتفى بردّ المقدار المعلوم إليه إذا لم يكن الخلط بتقصير منه وإلّا فالأحوط لزوماً ردّ المقدار الزائد أيضاً، هذا إذا لم يتخاصما في تحديد المقدار أو في تعيينه وإلّا تحاكما إلى الحاكم الشرعيّ فيفصل النزاع بينهما.
وإن عَلِمَ المالك والمقدار وجب دفعه إليه ويكون التعيين بالتراضي بينهما.
مسألة 1205: إذا عَلِمَ قدر المال الحرام ولم يعلم صاحبه بعينه بل علمه في عدد محصور أعلمهم بالحال، فإن ادّعاه أحدهم وأقرّه عليه الباقي أو اعترفوا بأنّه ليس لهم سلّمه إليه ويكون التعيين بالتراضي بينهما، وإن ادّعاه أزيد من واحد فإن تراضوا بصلح أو نحوه فهو وإلّا تعيّن الرجوع إلى الحاكم الشرعيّ في حسم الدعوى، وإن أظهر الجميع جهلهم بالحال وامتنعوا عن التراضي بينهم يلزم العمل بالقرعة، والأحوط لزوماً تصدّي الحاكم الشرعيّ أو وكيله لإجرائها.
وهكذا الحكم فيما إذا لم يتيسّر له معرفة قدر المال وعلم صاحبه في عدد محصور، إلّا أنّ ما تقدّم في كيفيّة الخروج عن عهدة المقدار الحرام في صورة الجهل به والعلم بالمالك - في أصل المسألة - يجري هنا أيضاً.
مسألة 1206: إذا كان في ذمّته مال حرام فلا محلّ للخمس، فإن علم جنسه ومقداره وعرف صاحبه ردّه إليه، وإن لم يعرفه فإن كان في عدد محصور فالأحوط وجوباً استرضاء الجميع، وإن لم يمكن عمل بالقرعة، وإن كان في عدد غير محصور تصدّق به عنه، والأحوط وجوباً أن يكون بإذن الحاكم الشرعيّ.
وإن علم جنسه ولم يتيسّر له معرفة مقداره جاز له في إبراء ذمّته الاقتصار على الأقلّ إذا لم يكن منشأ الجهل به الشكّ في التفريغ وعدمه وإلّا لزمه الأكثر، وكذا إذا كان مقصّراً في طروّ الجهل به على الأحوط لزوماً، وعلى كلّ حال فإن عرف المالك ردّه إليه وإلّا فإن كان في عدد محصور فالأحوط وجوباً استرضاء الجميع، فإن لم يمكن رجع إلى القرعة، وإلّا تصدّق به عن المالك، والأحوط وجوباً أن يكون بإذن الحاكم الشرعيّ.
وإن لم يعرف جنسه وكان قيميّاً وكانت قيمته في الذمّة فالحكم كما لو عرف جنسه، وإلّا - كما لو كان ما في الذمّة مردّداً بين أجناس مختلفة قيميّاً كان الجميع أو مثليّاً أو مختلفاً - فكذلك إذ يرجع حينئذٍ إلى القيمة إن لم يمكن القطع بتفريغ الذمّة على نحو لا يلزم ضرر أو حرج، وإلّا كان هو المتعيّن.
مسألة 1207: إذا تبيّن المالك بعد دفع الخمس كان ضامناً له على الأحوط لزوماً.
مسألة 1208: إذا علم بعد دفع الخمس أنّ الحرام أكثر من الخمس وجب عليه دفع الزائد أيضاً، وإذا علم أنّه أنقص لم يجز له استرداد الزائد على مقدار الحرام على الأحوط لزوماً.
مسألة 1209: إذا كان الحرام المختلط من الخمس أو الزكاة أو الوقف العامّ أو الخاصّ لا يحلّ المال المختلط به بإخراج الخمس، بل يجري عليه حكم معلوم المالك، فيراجع وليّ الخمس أو الزكاة أو الوقف على أحد الوجوه السابقة.
مسألة 1210: إذا كان الحلال الذي اختلط به الحرام قد تعلّق به الخمس، فالأحوط لزوماً إخراج خمس التحليل أوّلاً ثُمَّ إخراج خمس الباقي، فإذا كان عنده خمسة وسبعون ديناراً خمّسه ثُمَّ خمّس الباقي فيبقى له من مجموع المال ثمانية وأربعون ديناراً.
مسألة 1211: إذا أتلف الحلال المختلط بالحرام قبل إخراج خمسه سقط الخمس، وجرى عليه حكم ردّ المظالم المتقدّم في المسألة (1206).
السابع: ما يفضل عن مؤونة سنته
ما يفضل عن مؤونة سنتهله ولعياله ممّا يستفيده بصناعة أو زراعة أو تجارة أو إجارة أو حيازة للمباح أو أيّ كسب آخر، بل يتعلّق الخمس بكلّ فائدة مملوكة وإن لم تكن مكتسبة كالهبة والهديّة والجائزة والمال الموصى به ونماء الوقف الخاصّ أو العامّ إذا صار ملكاً طِلقاً للموقوف عليه.
ولا يجب الخمس في المهر وفي عوض الخلع وفي ديات الأعضاء وفيما يملك بالإرث - وفي حكمه دية النفس - عدا ما يملكه المؤمن بعنوان ثانويّ كالتعصيب، والأحوط لزوماً إخراج خمس الميراث الذي لا يحتسب من غير الأب والابن.
مسألة 1212: لا يجب الخمس فىما مُلِكَ بالخمس أو الزكاة، فإذا بقي سهم الإمام (علىه السلام) من الخمس ولم ىصرف في مورده حتّى حال علىه الحول لم ىجب فىه الخمس، وكذلك إذا ملك الفقير من سهم السادة من الخمس أو من الزكاة وزاد اتّفاقاً على مؤونة سنته لم يجب فيه الخمس.
والأحوط لزوماً إخراج خمس ما زاد عن مؤونته ممّا ملكه بالصدقات المندوبة أو الواجبة - غير الزكاة - كالكفّارات وردّ المظالم ونحوهما.
مسألة 1213: إذا كان عنده من الأعيان التي لم يتعلّق بها الخمس أو تعلّق بها وقد أدّاه فنمت وزادت زيادة منفصلة أو ما بحكمها عرفاً كالولد والثمر واللبن والصوف والأغصان اليابسة المعدّة للقطع ونحوها وجب الخمس في الزيادة، بل يجب في الزيادة المتّصلة أيضاً إذا عدّت عرفاً مصداقاً لزيادة المال كَسِمَن الحيوان المعدّ للاستفادة من لحمه كالمسمّى بـ (دَجاج اللحم).
وأمّا إذا ارتفعت قيمتها السوقيّة - ولو لزيادة متّصلة لا على النحو المتقدّم - فإن كان الأصل قد أعدّه للاتّجار بعينه وجب الخمس في الارتفاع المذكور إذا أمكن بيعه وأخذ قيمته، وإن لم يكن قد أعدّه له لم يجب الخمس في الارتفاع، وإذا باعه بالسِّعْر الزائد لم يجب الخمس في الزائد من الثمن إذا لم يكن ممّا انتقل إليه بعوض، وإلّا وجب الخمس فيه، مثلاً : إذا ورث من أبيه بستاناً قيمته مائة دينار ولم يعدّه للاتّجار بعينه فزادت قيمته، فوصلت إلى مائتي دينار لم يجب الخمس في المائة الزائدة وإن باعه بالمائتين، وكذا إذا كان قد اشتراه بمائة دينار، ولم يعدّه للاتّجار بعينه فزادت قيمته وبلغت مائتي دينار لم يجب الخمس في زيادة القيمة، نعم إذا باعه بالمائتين ثبت الخمس في المائة الزائدة وتكون من أرباح سنة البيع.
فأقسام ما زادت قيمته ثلاثة:
الأوّل: ما يجب فيه الخمس في الزيادة وإن لم يبعه، وهو ما أعدّه للاتّجار بعينه كالبضائع المعروضة للبيع.
الثاني: ما لا يجب فيه الخمس في الزيادة وإن باعه بالزيادة، وهو ما ملكه بالإرث ونحوه ممّا لم يتعلّق به الخمس ولم يعدّه للاتّجار بعينه.
ومن قبيل ذلك ما ملكه بالهبة أو الحيازة ممّا كان متعلّقاً للخمس ولكن قد أدّاه من نفس المال، وأمّا إذا أدّاه من مال آخر فلا يجب الخمس في زيادة القيمة بالنسبة إلى أربعة أخماس ذلك المال ويجري على خمسه الذي ملكه بأداء قيمته من مال آخر حكمُ المال الذي ملكه بالمعاوضة.
الثالث: ما لا يجب فيه الخمس في الزيادة إلّا إذا باعه، وهو ما ملكه بالمعاوضة كالشراء ونحوه بقصد الاقتناء لا الاتّجار بعينه.
مسألة 1214: الذين يملكون الغنم يجب عليهم في آخر السنة إخراج خمس الباقي بعد مؤونتهم من نماء الغنم من الصوف والسَّمْن واللبن والسِّخال المتولّدة منها، وإذا بيع شيء من ذلك في أثناء السنة وبقي شيء من ثمنه أو عوض ثمنه وجب إخراج خمسه أيضاً، وكذلك الحكم في سائر الحيوانات، فإنّه يجب تخميس ما يتولّد منها إذا كان باقياً في آخر السنة بنفسه أو ثمنه.
مسألة 1215: إذا عمّر بستاناً وغرس فيه نخلاً وشجراً للاتّجار بثمره لم يجب إخراج خمسه، إذا صرف عليه مالاً لم يتعلّق به الخمس كالموروث، أو مالاً قد أخرج خمسه كأرباح السنة السابقة، أو مالاً فيه الخمس - كأرباح السنة السابقة - ولم يخرج خمسه، كأن اشترى ما غرسه فيه بثمن على الذمّة ووفاه ممّا يجب فيه الخمس، نعم يجب عليه حينئذٍ إخراج خمس المال المدفوع نفسه، وأمّا إذا صرف عليه من ربح السنة قبل تمامها فيجب إخراج خمس نفس ما غرسه وأحدثه بعد استثناء مؤونة السنة.
وعلى أيّ تقدير يجب الخمس في نمائه المنفصل أو ما بحكمه من الثمر والسَّعف والأغصان اليابسة المعدّة للقطع، بل في نمائه المتّصل أيضاً إذا عُدّ مصداقاً لزيادة المال على ما عرفت، وكذا يجب تخميس الشجر الذي يغرسه جديداً في السنة الثانية وإن كان أصله من الشجر المخمّس ثمنه مثل: (التال) الذي ينبت فيقلعه ويغرسه، وكذا إذا نبت جديداً لا بفعله كالفسيل وغيره إذا كان له ماليّة.
وبالجملة كلّ ما يحدث جديداً من الأموال التي تدخل في ملكه يجب إخراج خمسه في آخر سنته بعد استثناء مؤونة سنته، ولا يجب الخمس في ارتفاع قيمة البستان في هذه الصورة، نعم إذا باعه بأكثر ممّا صرفه عليه من ثمن الفسيل وأجرة الفلّاح وغير ذلك ثبت الخمس في الزائد لكونه من أرباح سنة البيع، وأمّا إذا كان تعميره بقصد التجارة بنفس البستان وجب الخمس في ارتفاع القيمة الحاصل في آخر السنة وإن لم يبعه كما عرفت.
مسألة 1216: إذا اشترى عيناً للتكسّب بها فزادت قيمتها في أثناء السنة ولم يبعها غفلة أو طلباً للزيادة أو لغرض آخر ثُمَّ رجعت قيمتها في رأس السنة إلى رأس مالها فليس عليه خمس تلك الزيادة، نعم إذا بقيت الزيادة إلى آخر السنة وأمكنه بيعها وأخذ قيمتها فلم يفعل وبعدها نقصت قيمتها ضمن خمس النقص على الأحوط لزوماً.
مسألة 1217: المؤونة المستثناة من الأرباح والتي لا يجب فيها الخمس أمران: مؤونة تحصيل الربح، ومؤونة سنته.
والمراد من مؤونة التحصيل هو كلّ مال يصرفه الإنسان في سبيل الحصول على الربح كأجرة الحمّال والدلّال والكاتب والحارس والدكّان والضرائب الحكوميّة وغير ذلك، فإنّ جميع هذه الأُمور تخرج من الربح ثُمَّ يخمّس الباقي، ومن هذا القبيل ما ينقص من ماله في سبيل الحصول على الربح كالمصانع والسيّارات وآلات الصِّناعة والخياطة والزِّراعة وغير ذلك فإنّ ما يرد على هذه من النقص باستعمالها أثناء السنة يتدارك من الربح، مثلاً : إذا اشترى سيّارة بألفي دينار وآجرها سنة بأربعمائة دينار وكانت قيمة السيّارة نهاية السنة من جهة الاستعمال ألفاً وثمانمائة دينار لم يجب الخمس إلّا في المائتين، والمائتان الباقيتان من المؤونة.
والمراد من مؤونة السنة التي يجب الخمس في الزائد عليها هو كلّ ما يصرفه في سنته سواء في معاش نفسه وعياله على النحو اللائق بحاله، أم في صدقاته وزياراته وهداياه وجوائزه المناسبة له، أم في ضيافة أضيافه، أم وفاءً بالحقوق اللازمة له بنذر أو كفّارة، أم في أداء دين أو أرش جناية أو غرامة ما أتلفه عمداً أو خطأً، أم فيما يحتاج إليه من سيّارة وخادم وكتب وأثاث، أم في تزويج أولاده وخِتانهم وغير ذلك، فالمؤونة كلّ مصرف متعارف له سواء أكان الصرف فيه على نحو الوجوب أم الاستحباب أم الإباحة أم الكراهة، نعم لا بُدَّ في المؤونة المستثناة من الصرف فعلاً فإذا قتّر على نفسه لم يحسب له، كما أنّه إذا تبرّع متبرّع له بنفقته أو بعضها لا يستثنى له مقدار التبرّع من أرباحه بل يحسب ذلك من الربح الذي لم يصرف في المؤونة.
وأيضاً لا بُدَّ أن يكون الصرف على النحو المتعارف، فإن زاد عليه وجب خمس التفاوت، وإذا كان المصرف سفهاً وتبذيراً لا يستثنى المقدار المصروف بل يجب فيه الخمس، بل إذا كان المصرف راجحاً شرعاً ولكنّه غير متعارف من مثل المالك - كما إذا صرف جميع أرباح سنته في عمارة المساجد والإنفاق على الفقراء ونحو ذلك - ففي استثناء ذلك من وجوب الخمس إشكال، فالأحوط وجوباً أن يدفع خمس الزائد على المقدار المتعارف.
مسألة 1218: رأس سنة المؤونة في من لا مهنة له يتعاطاها في معاشه - كالذي يعيله شخص آخر - وحصلت له فائدة اتّفاقاً أوّل زمان حصولها فمتى حصلت جاز له صرفها في المؤن اللاحقة إلى عام كامل، ولا ىجوز له أن ىجبر بها ما صرفه في المؤن قبل ذلك من المال المخمّس أو ما بحكمه.
وأمّا من له مهنة يتعاطاها في معاشه - كالتاجر والطبيب والموظّف والعامل - فرأس سنته حين الشروع في الاكتساب فيجوز له احتساب المؤن المصروفة بعده من الربح اللاحق إلى نهاىة السنة، ولا يحقّ له صرف شيء من الربح الحاصل قبل نهاية السنة في مؤونة السنة التالية إلّا بعد تخميسه، حتّى إذا كان من قبىل المال الموهوب.
وإذا كان للشخص أنواع مختلفة من الاكتساب كالتجارة والإجارة والزراعة جاز له أن يجعل لنفسه رأس سنة واحدة فيحسب مجموع وارداته في آخر السنة ويخمّس ما زاد على مؤونته، كما يجوز له أن يجعل لكلّ نوع بخصوصه رأس سنة، فيخمّس ما زاد من وارده عن مؤونته في آخر تلك السنة.
مسألة 1219: رأس مال التجارة ليس من المؤونة المستثناة، فيجب إخراج خمسه إذا اتّخذه من أرباحه وإن كان مساوياً لمؤونة سنته، نعم إذا كـان بحيــث لا يفي البــاقي - بعد إخراج الخمس - بمؤونته اللائقة بحاله لم يثبت فيه الخمس حينئذٍ، إلّا إذا أمكنه دفعه تدريجاً - بعد نقله إلى الذمّة بمراجعة الحاكم الشرعيّ - فإنّه لا يعفى عن التخميس في هذه الصورة، وفي حكم رأس المال ما يحتاجه الصانع من آلات الصناعة والزارع من آلات الزراعة وهكذا.
مسألة 1220: كلّ ما يصرفه الإنسان في سبيل حصول الربح يستثنى من الأرباح كما مرّ، ولا يفرّق في ذلك بين حصول الربح في سنة الصرف وحصوله فيما بعد، فكما لو صرف مالاً في سبيل إخراج معدن استثنى ذلك من المستخرَج ولو كان الإخراج بعد مضيّ سنة أو أكثر فكذلك لو صرف مالاً في سبيل حصول الربح، مثلاً : إذا صرف من مال مخمّس في سبيل حرث الأرض وإعدادها للزراعة ثُمَّ زرعها وحصد الزرع في عام آخر يستثنى منه ما صرفه في سبيله في العام السابق.
مسألة 1221: لا فرق في مؤونة السنة بين ما يصرف عينه مثل المأكول والمشروب، وما ينتفع به مع بقاء عينه مثل الدار والفرش والأواني ونحوها من الآلات المحتاج إليها في تعيّشه، فيجوز استثناؤها إذا اشتراها من الربح وإن بقيت للسنين الآتية، نعم إذا كان عنده شيء منها قبل ذلك لا يجوز استثناء قيمته، بل حاله حال من لم يكن محتاجاً إليها.
مسألة 1222: يجوز إخراج المؤونة من الربح وإن كان له مال لا خمس فيه بأن لم يتعلّق به أو تعلّق وأخرجه، فإنّه لا يجب إخراجها من ذلك المال ولا التوزيع عليهما.
مسألة 1223: إذا زاد ما اشتراه بربحه للمؤونة من الحنطة والأرز والسَّمْن والسُّكَّر وغيرها وجب عليه إخراج خمسه، أمّا المؤن التي ينتفع بها مع بقاء عينها فإن استغنى عنها لم يجب الخمس فيها إذا كان الاستغناء بعد انقضاء السنة، كما في حُلِيّ النساء الذي يستغنى عنه في عصر الشيب، أمّا إذا كان الاستغناء عنها في أثناء السنة، فإن كانت ممّا يتعارف إعدادها للسنين الآتية - كالثياب الصيفيّة والشتائيّة - لم يجب الخمس فيها أيضاً وإلّا فالأحوط لزوماً أداء خمسها.
مسألة 1224: إذا كانت الأعيان المصروفة في مؤونة السنة قد اشتراها من ماله المخمّس - مثلاً - فزادت قيمتها حين الاستهلاك في أثناء السنة لم يكن له استثناء قيمة زمان الاستهلاك على الأحوط لزوماً، بل يستثني قيمة الشراء.
مسألة 1225: ما يدّخره من المؤن كالحنطة والدُّهن ونحو ذلك إذا بقي منه شيء إلى السنة الثانية وكان أصله مخمّساً لا يجب فيه الخمس لو زادت قيمته، كما أنّه لو نقصت قيمته لا يجبر النقص من الربح المتجدّد.
مسألة 1226: إذا اشترى بعين الربح شيئاً فتبيّن الاستغناء عنه وجب على رأس السنة إخراج خمسه بقيمته حينذاك، والأحوط استحباباً مع نزول قيمته عن رأس المال مراعاة رأس المال، وكذا إذا اشتراه عالماً بعدم الاحتياج إليه كبعض الفرش الزائدة والجواهر المدّخرة لوقت الحاجة في السنين اللاحقة والبساتين والدور التي يقصد الاستفادة بنمائهما، فإنّه لا يراعي في الخمس رأس مالها بل قيمتها حين التخميس وإن كانت أقلّ منه، وكذا إذا اشترى الأعيان المذكورة بالذمّة ثُمَّ وفّى من الربح لم يلزمه إلّا خمس قيمة العين آخر السنة، وإن كان الأحوط استحباباً في الجميع ملاحظة مقدار الثمن.
مسألة 1227: من جملة المؤن مصارف الحجّ واجباً كان أو مستحبّاً، وإذا استطاع في أثناء السنة من الربح ولم يحجّ وجب خمس ذلك المقدار من الربح ولم يُستثنَ له، نعم مع استقرار حجّة الإسلام في ذمّته وعدم تمكّنه من أدائها لاحقاً إلّا مع إبقاء الربح بتمامه لمؤونتها لا يجب عليه إخراج خمسه ويجوز له إبقاؤه ليصرف في تكاليفها.
وإذا حصلت له الاستطاعة من أرباح سنين متعدّدة وجب خمس الربح الحاصل في السنين الماضية فإن بقيت الاستطاعة بعد إخراج الخمس وجب الحجّ وإلّا فلا، أمّا الربح المتمّم للاستطاعة في سنة الحجّ فلا خمس فيه، نعم إذا لم يَحُجَّ وجب إخراج خمسه على التفصيل المتقدّم.
مسألة 1228: العبرة في المؤونة المستثناة عن الخمس بمؤونة سنة حصول الربح، فلا تستثنى مؤن السنين اللاحقة، فمن حصل لديه أرباح تدريجيّة فاشترى في السنة الأُولى عرصة لبناء دار السكنى، وفي الثانية خشباً وحديداً، وفي الثالثة مواد إنشائيّة أُخرى وهكذا، لا يكون ما اشتراه في كلّ سنة من المؤن المستثناة لتلك السنة، لأنّه مؤونة للسنين الآتية التي يحصل فيها السكنى، فعليه خمس تلك الأعيان.
نعم إذا كان المناسب لمثله - بحسب العرف السائد في بلده - السعي في امتلاك دار السكنى تدريجاً على النهج المتقدّم ونحوه بحيث لو لم يفعل ذلك لعُدَّ مقصّراً في حقّ عائلته ومتهاوناً بمستقبلهم ممّا ينافي ذلك شأنه يحسب ما اشتراه في كلّ سنة من مؤونته في تلك السنة، ومثل ذلك ما يتعارف إعداده لزواج الأولاد خلال عدّة سنوات إذا كان تركه منافياً لشأن الأب أو الأمّ ولو بالنظر إلى عجزهما عن تحصيله لهم في أوانه.
مسألة 1229: إذا آجر نفسه سنين كانت الأجرة الواقعة بإزاء عمله في سنة الإجارة من أرباحها، وما يقع بإزاء العمل في السنين الآتية من أرباح تلك السنين.
وأمّا إذا باع ثمرة بستانه سنين كان الثمن بتمامه من أرباح سنة البيع ووجب فيه الخمس بعد المؤونة وبعد استثناء ما يجبر به النقص الوارد على البستان من جهة كونه مسلوب المنفعة في المدّة الباقية بعد انتهاء السنة، مثلاً : إذا كان له بستان يَسْوى ألف دينار فباع ثمرته عشر سنين بأربعمائة دينار وصرف منها في مؤونته مائة دينار فكان الباقي له عند انتهاء السنة ثلاثمائة دينار لم يجب الخمس في تمامه، بل يستثى منه بمقدار ما يجبر به النقص الوارد على البستان من جهة كونه مسلوب المنفعة تسع سنين.
فإذا فرضنا أنّه لا يسوى كذلك بأزيد من ثمانمائة دينار لم يجب الخمس إلّا في مائة دينار فقط، وبذلك يظهر الحال فيما إذا آجر داره - مثلاً - سنين متعدّدة، فإنّه كبيع ثمرة البستان وليس كإجارة نفسه.
مسألة 1230: إذا دفع مبلغاً من السهمين أو أحدهما، ثُمَّ بعد تمام الحول حسب موجوداته ليخرج خمسها، فإن كان ما دفعه من أرباح هذه السنة افترضه باقياً وحسب خمس الجميع، ثُمَّ استثنى المدفوع ودفع الباقي.
مسألة 1231: أداء الدين من المؤونة سواء أكان حدوثه في سنة الربح أم فيما قبلها، تمكّن من أدائه قبل ذلك أم لا إلّا فيما سيأتي في المسألة (1232).
نعم إذا لم يؤدِّ دينه إلى أن انقضت السنة وجب الخمس في أرباحها من دون استثناء مقدار وفاء الدين، إلّا أن يكون ديناً لمؤونة تحصيل الربح من دون وجود بدل له، أو يكون ديناً لمؤونته في تلك السنة فإنّ مقداره يكون مستثنى من الربح.(1)
ثُمَّ إنّه إن أدّى دينه في السنة التالية من الربح المستثنى نفسه فهو، وإن أدّاه من الربح المتجدّد فيها فإن كان ذلك بعد تلفه أو صرفه في المؤونة عُدّ أداؤه من مؤونة السنة التالية، وأمّا مع بقاء الربح المستثنى بنفسه أو بدله - كما لو اشترى به بضاعة - فلا يعدّ أداء الدين من مؤونة هذه السنة، فإن كان قد أدّاه من ربحها قبل تخميسه عدّ ما استثني له من ربح السنة الماضية من أرباح هذه السنة فيجب تخميسه إن لم يصرف في مؤونته.
ثُمَّ إنّه لا فرق فيما تقدّم من كون أداء الدين من المؤونة بين كون سبب الدين أمراً اختياريّاً كالاقتراض والشراء بثمن في الذمّة أو قهريّاً كأروش الجنايات وقيم المتلفات ونفقة الزوجة الدائمة، كما لا فرق فيه بين كونه من قبيل حقوق الناس - كالأمثلة المتقدّمة - أو من الحقوق الشرعيّة كما إذا انتقل الخمس أو الزكاة إلى ذمّته، وتلحق بالدين في كون أدائه من المؤونة الواجبات الماليّة كالنذور والكفّارات، فإن أدّى شىئاً منها من الربح في سنة الربح لم يجب الخمس فيه وإن كان وجوبه علىه في السنة السابقة وإلّا وجب الخمس في الربح - على التفصيل المتقدّم - وإن كان عاصياً بعدم أداء ذلك الواجب الماليّ.
مسألة 1232: إذا اشترى ما ليس من المؤونة بالذمّة أو استدان شيئاً لإضافته إلى رأس ماله ونحو ذلك - ممّا يكون بدل دينه موجوداً ولم يكن من المؤونة - جاز له أداء دينه من أرباح السنة اللاحقة، نعم يُعدّ البدل حينئذٍ من أرباح هذه السنة فيجب تخميسه بعد انقضائها إذا كان زائداً على مؤونتها، ولو فرض إعداده للتجارة في السنة السابقة وارتفاع قيمته فيها بحيث زادت على قيمة الدين كان الزائد من أرباح تلك السنة لا هذه.
مسألة 1233: إذا اتّجر برأس ماله مراراً متعدّدة في السنة فخسر في بعض تلك المعاملات في وقت وربح في آخر يجبر الخسران بالربح وإن كان الربح بعد الخسران، فإن تساوى الخسران والربح فلا خمس، وإن زاد الربح وجب الخمس في الزيادة، وإن زاد الخسران على الربح فلا خمس عليه وصار رأس ماله في السنة اللاحقة أقلّ ممّا كان في السنة السابقة.
وكذا الحكم فيما إذا تلف بعض رأس المال أو صرفه في نفقاته، كما هو الغالب في التجّار وأضرابهم فإنّهم يصرفون من الدخل قبل أن يظهر الربح، وربّما يظهر الربح في أواخر السنة فيجبر التلف بالربح أيضاً، بل إذا أنفق من ماله غير مال التجارة قبل حصول الربح - كما يتّفق كثيراً لأهل الزراعة فإنّهم ينفقون لمؤونتهم من أموالهم قبل حصول النتائج - جاز له أن يجبر ذلك من نتائج الزرع عند حصوله، وليس عليه خمس ما يساوي المؤن التي صرفها وإنّما عليه خمس الزائد لا غير .
وكذلك حال أهل المواشي، فإنّه إذا خمّس موجوداته في آخر السنة وفي السنة الثانية باع بعضها لمؤونته أو مات بعضها أو سُرِقَ فإنّه يجبر جميع ذلك بالنِّتاج الحاصل له في السنة الثانية، ففي آخر السنة يُجبر النقص الوارد على الأمّهات بقيمة السِّخال المتولّدة فإنّه يضمّ السخال إلى أرباحه في تلك السنة من الصوف والسَّمْن واللبن وغير ذلك فيُجبر النقص ويخمّس ما زاد على الجبر، فإذا لم يحصل الجبر إلّا بقيمة جميع السخال - مع أرباحه الأُخرى - لم يكن عليه خمس في تلك السنة.
مسألة 1234: إذا وزّع رأس ماله على تجارات متعدّدة كما إذا اشترى ببعضه حنطة وببعضه سُكَّراً فخسر في أحدهما وربح في الآخر جاز جبر الخسارة بالربح، نعم إذا تمايزت التجارات فيما يرتبط بشؤون التجارة من رأس المال والحسابات والأرباح والخسائر ونحوها ففي جواز الجبر إشكال، والأحوط لزوماً عدم الجبر، وكذا الحال فيما إذا كان له نوعان من التكسّب كالتجارة والزراعة فربح في أحدهما وخسر في الآخر، فإنّه فلا تجبر الخسارة بالربح على الأحوط لزوماً.
مسألة 1235: إذا تلف بعض أمواله ممّا ليس من مال التكسّب ولا من مؤونته لم تجبر من أرباح سنة التلف، أي لا تستثنى منها قيمة التالف قبل إخراج خمسها.
مسألة 1236: إذا انهدمت دار سكناه أو تلف بعض أمواله ممّا هو من مؤونته كأثاث بيته أو لباسه أو سيّارته التي يحتاج إليها ونحو ذلك لم تجبر أيضاً من أرباح سنة التلف، نعم يجوز له أن يعمّر منها داره ويشتري مثل ما تلف من المؤن إذا احتاج إليه فيما بقي من السنة، ويكون ذلك من الصرف في المؤونة المستثناة من الخمس.
مسألة 1237: إذا أجرى معاملة فربح فيها ثُمَّ استقاله الطرف الآخر فأقاله لم يسقط الخمس عمّا ربحه إلّا إذا كان من شأنه أن يقيله وحصل ذلك قبل انقضاء السنة، مثلاً : إذا اشترى ما قيمته ألف دينار بمائتي دينار مع اشتراط الخيار للبائع إذا أرجع مثل الثمن إليه في وقت محدّد ولم يرجعه البائع في ذلك الوقت فصار البيع لازماً إلّا أنّه استقاله فأقاله في أثناء السنة لم يجب عليه خمس ما ربحه إذا كان من شأنه أن يُقيله كما هو الغالب في مثله من موارد بيع الشرط إذا ردّ البائع مثل الثمن.
مسألة 1238: إذا أتلف المالك أو غيره ما تعلّق به الخمس ضمن المُتلف الخمس ورجع عليه الحاكم الشرعيّ ببدله، وكذا الحكم إذا دفعه المالك إلى غيره وفاءً لدين أو هبة أو عوضاً لمعاملة فإنّه ضامن للخمس ويرجع الحاكم عليه ببدله، ولا يجوز الرجوع على من انتقل إليه المال إذا كان مؤمناً.
وإذا كان ربحه حبّاً فبذره فصار زرعاً وجب خمس الزرع لا خمس الحبّ، وإذا كان بَيْضاً فصار دَجاجاً وجب عليه خمس الدجاج لا خمس البيض، وإذا كان ربحه أغصاناً فغرسها فصارت شجراً وجب عليه خمس الشجر لا خمس الغُصْن وهكذا.
مسألة 1239: إذا حسب ربحه فدفع خمسه ثُمَّ انكشف أنّ ما دفعه كان أكثر ممّا وجب عليه لم يجز له احتساب الزائد ممّا يجب عليه في السنة التالية إلّا بمراجعة الحاكم الشرعيّ، نعم يجوز له أن يرجع به على الفقير مع بقاء عينه، وكذا مع تلفها إذا كان عالماً بالحال.
مسألة 1240: إذا جاء رأس الحول وكان ناتج بعض الزرع حاصلاً دون بعض فما حصلت نتيجته يكون من ربح سنته ويخمّس بعد إخراج المؤن، وما لم تحصل نتيجته يكون من أرباح السنة اللاحقة، نعم إذا كان له قيمة حسب بما له من القيمة الفعليّة من أرباح هذه السنة وبالنسبة إلى ما سواه من أرباح السنة اللاحقة، مثلاً : إذا حلَّ رأس السنة وكان بعض الزرع له سنبل وبعضه قَصيل لا سنبل له وجب إخراج خمس الجميع، وإذا ظهر السنبل في السنة الثانية كان من أرباحها لا من أرباح السنة السابقة.
مسألة 1241: إذا كان الغَوْص وإخراج المعدن مكسباً كفاه إخراج خمسهما ولا يجب عليه إخراج خمس آخر من باب أرباح المكاسب بعد إخراج مؤونة سنته، إلّا إذا ربح فيهما فيجب الخمس في الربح.
مسألة 1242: المرأة التي تكتسب يجب عليها الخمس في جميع أرباحها إذا عال بها الزوج فلم تصرف شيئاً منها في مؤونتها، وكذا يجب عليها الخمس إذا لم يُعَلْ بها الزوج وزادت فوائدها على مؤونتها، بل وكذا الحكم إذا لم تكتسب وكانت لها فوائد من زوجها أو غيره فإنّه يجب عليها في آخر السنة إخراج خمس الزائد كغيرها من الرجال، وبالجملة: يجب على كلّ مكلّف كاسباً كان أم غير كاسب أن يلاحظ ما زاد عنده في آخر السنة من أرباح مكاسبه وغيرها، قليلاً كان أم كثيراً ويخرج خمسه.
مسألة 1243: لا يشترط البلوغ والعقل في ثبوت الخمس في جميع ما يتعلّق به الخمس من أرباح المكاسب والكنز والغَوْص والمعدن والحلال المختلط بالحرام، فيجب على الوليّ إخراجه من مال الصبيّ والمجنون، وإن لم يخرج وجب عليهما الإخراج بعد البلوغ والإفاقة، نعم إذا كان الصبيّ المميّز مقلِّداً لمن لا يرى ثبوت الخمس في مال غير البالغ فليس للوليّ إخراجه منه.
مسألة 1244: إذا اشترى من أرباح سنته ما لم يكن من المؤونة فارتفعت قيمته كان اللازم إخراج خمسه عيناً أو قيمة فإنّ المال حينئذٍ بنفسه من الأرباح، وأمّا إذا اشترى شيئاً بعد انتهاء سنته واستقرار الخمس في ثمنه، فإن كانت المعاملة شخصيّة وجب تخميس ذلك المال أيضاً عيناً أو قيمة - بعد تصحيحها بإجازة الحاكم الشرعيّ إذا لم يكن المنتقَل إليه مؤمناً وإلّا فلا حاجة إلى إجازته - وأمّا إذا كان الشراء في الذمّة - كما هو الغالب - وكان الوفاء به من الربح غير المخمّس فلا يجب عليه إلّا دفع خمس الثمن الذي اشتراه به.
ولا يجب الخمس في ارتفاع قيمته إذا لم يكن مُعَدّاً للتجارة ما لم يبعه، وإذا علم أنّه أدّى الثمن من ربح لم يخمّسه ولكنّه شكّ في أنّه كان أثناء السنة ليجب خمس ما اشتراه نفسه - المرتفع قيمته على الفرض - أو كان بعد انتهائها لئلّا يجب الخمس إلّا في مقدار الثمن الذي اشتراه به فقط فالأحوط لزوماً المصالحة مع الحاكم الشرعيّ بنسبة الاحتمال.
مسألة 1245: إذا كان الشخص لا يحاسب نفسه مدّة من السنين وقد ربح فيها واستفاد أموالاً، واشترى منها أعياناً وأثاثاً وعَمَّر دوراً ثُمَّ التفت إلى ما يجب عليه من إخراج الخمس من هذه الفوائد فالواجب عليه إخراج الخمس من كلّ ما اشتراه أو عَمَّره أو غرسه ممّا لم يكن معدوداً من المؤونة، مثل الدار التي لم يتخذها دار سكنى والأثاث الذي لا يحتاج إليه أمثاله، وكذا البستان والحيوان والسيّارة وغيرها على تفصيل مرّ في المسألة السابقة.
وأمّا ما يكون معدوداً من المؤونة مثل دار السكنى والفراش والأواني اللازمة له ونحوها، فإن كان قد اشتراه من ربح السنة التي قد استعمله فيها لم يجب إخراج الخمس منه، وإن كان قد اشتراه من ربح السنة السابقة - بأن كان لم يربح في سنة الشراء والاستعمال، أو كان ربحه لا يزيد على مصارفه اليوميّة - وجب عليه إخراج خمسه على التفصيل المتقدّم في المسألة السابقة، وإن كان قد اشتراه من ربح كلتا السنتين بأنْ كان ربحه في سنة الشراء يزيد على مصارفه اليوميّة لكن الزيادة أقلّ من الثمن الذي اشتراه به وجب عليه إخراج خمس مقدار التفاوت، مثلاً : إذا عَمَّر دار سكناه بألف دينار وكان ربحه في سنة التعمير يزيد على مصارفه اليوميّة بمقدار مائتي دينار وجب إخراج خمس ثمانمائة دينار .
وكذا إذا اشترى أثاثاً بمائة دينار واستعمله في مؤونته وكان قد ربح زائداً على مصارفه اليوميّة عشرة دنانير في تلك السنة وجب تخميس تسعين ديناراً، وإذا لم يعلم أنّ الأعيان التي اشتراها واستعملها في مؤونته يساوي ثمنها ربحه في سنة الاستعمال أو أنّه أقلّ منه أو أنّه لم يربح في تلك السنة زائداً على مصارفه اليوميّة، فالأحوط لزوماً المصالحة مع الحاكم الشرعيّ بنسبة الاحتمال، وإذا علم أنّه لم يربح في بعض السنين بمقدار مصارفه وأنّه كان يصرف من أرباح سنة سابقة وجب إخراج خمس مصارفه التي صرفها من أرباح السنة السابقة.
مسألة 1246: اعتبار رأس السنة في وجوب الخمس إنّما هو من جهة الإرفاق بالمالك، وإلّا فالخمس يتعلّق بالربح من حين ظهوره ويجوز للمالك إعطاء الخمس قبل انتهاء السنة، ويترتّب على ذلك جواز تغيير رأس السنة الخمسيّة بأن يؤدّي خمس أرباحه في أيِّ وقت شاء ويتّخذ مبدأ سنته الشروع في الاكتساب بعده أو حصول الفائدة الجديدة لمن لا كسب له، ويجوز جعل السنة هلاليّة وشمسيّة.
مسألة 1247: يجب على كلّ مكلّف في آخر السنة أن يخرج خمس ما زاد من أرباحه عن مؤونته ممّا ادّخره في بيته لذلك من الأرز والدقيق والحنطة والشعير والسُّكّر والشاي والنَّفْط والحَطَب والفَحْم والسَّمْن والحلوى وغير ذلك من أمتعة البيت ممّا أُعدّ للمؤونة فيخرج خمس ما زاد من ذلك، نعم إذا كان عليه دين استدانه لمؤونة السنة وكان مساوياً للزائد لم يجب الخمس في الزائد، وكذا إذا كان الدين أكثر .
وأمّا إذا كان أقلّ أخرج خمس مقدار التفاوت لا غير، وإذا بقيت الأعيان المذكورة إلى السنة الآتية فوفى الدين في أثنائها صارت معدودة من أرباح السنة الثانية، فلا يجب الخمس إلّا على ما يزيد منها على مؤونة تلك السنة، وكذا الحكم إذا اشترى أعياناً لغير المؤونة - كبستان أو سيّارة - وكان عليه دين للمؤونة يساويها لم يجب إخراج خمسها فإذا وفى الدين في السنة الثانية كانت معدودة من أرباحها ووجب إخراج خمسها آخر السنة.
وإذا اشترى بستاناً مثلاً بثمن في الذمّة مؤجّلاً فجاء رأس السنة لم يجب إخراج خمس البستان، فإذا وفى تمام الثمن في السنة الثانية كان البستان من أرباح السنة الثانية ووجب إخراج خمسه، وإذا وفى نصف الثمن في السنة الثانية كان نصف البستان من أرباح تلك السنة ووجب إخراج خمس النصف، وإذا وفى ربع الثمن في السنة الثانية كان ربعه من أرباح تلك السنة، وهكذا كلّما وفى جزءاً من الثمن كان ما يقابله من البستان من أرباح تلك السنة.
هذا إذا كان ذاك الشيء موجوداً، أمّا إذا تلف فلا خمس فيما يؤدّيه لوفاء الدين.
وكذا إذا ربح في سنة مائة دينار - مثلاً - فلم يدفع خمسها العشرين ديناراً حتّى جاءت السنة الثانية فدفع من أرباحها عشرين ديناراً وجب عليه خمس العشرين ديناراً التي كانت هي الخمس مع بقائها لا مع تلفها، وإذا فرض أنّه اشترى داراً للسكنى فسكنها ثُمَّ وفى في السنة الثانية ثمنها لم يجب عليه خمس الدار، وكذا إذا وفى في السنة الثانية بعض أجزاء الثمن لم يجب الخمس في الحصّة من الدار، ويجري هذا الحكم في كلّ ما اشترى من المؤن بالدين.
مسألة 1248: إذا نذر أن يصرف نصف أرباحه السنويّة - مثلاً - في وجهٍ من وجوه البرّ وجب عليه الوفاء بنذره، فإن صرف المنذور في الجهة المنذور لها قبل انتهاء السنة لم يجب عليه تخميس ما صرفه مع كون ذلك متعارفاً لمثله، وإن لم يصرفه حتّى انتهت السنة وجب عليه إخراج خمسه كما يجب عليه إخراج خمس النصف الآخر من أرباحه بعد إكمال مؤونته.
مسألة 1249: إذا كان رأس ماله مائة دينار - مثلاً - فاستأجر دُكّاناً بعشرة دنانير واشترى آلات للدكّان بعشرة وفي آخر السنة وجد ماله يبلغ مائة كان عليه خمس الآلات فقط ولا يجب إخراج خمس أجرة الدكّان لأنّها من مؤونة التجارة، وكذا أجرة الحارس والحمّال والضرائب التي يدفعها إلى الحكومة والسرقفليّة التي يدفعها للحصول على الدكّان، فإنّ هذه المؤن مستثناة من الربح، والخمس إنّما يجب فيما زاد عليها كما عرفت، نعم إذا كانت السرقفليّة التي دفعها إلى المالك أو غيره أوجبت له حقّاً في أخذها من غيره وجب تقويم ذلك الحقّ في آخر السنة وإخراج خمسه، فربّما تزيد قيمته على مقدار ما دفعه من السرقفليّة وربّما تنقص وربّما تساوي.
مسألة 1250: إذا حلَّ رأس الحول فلم يدفع خمس الربح ثُمَّ دفعه ولو تدريجاً من ربح السنة الثانية لم يُحسب ما يدفعه من المؤن، إلّا مع تلف الربح السابق عيناً وبدلاً، وكذا لو صالحه الحاكم على مبلغ في الذمّة لم يكن وفاء مال المصالحة من أرباح السنة الثانية من المؤن إلّا إذا كان عوضاً عن خمس عين تالفة، ولو كان عوضاً عن خمس عين موجودة فوفاه من ربح السنة الثانية قبل تخميسه صار خمس العين المزبورة من أرباح هذه السنة فيجب تخميسه عند انقضائها إذا لم يُصرف في المؤونة.
مسألة 1251: إذا حلَّ رأس السنة فوجد بعض أرباحه أو كلّها ديناً في ذمّة الناس فإن أمكن استيفاؤه وجب دفع خمسه، وإن لم يمكن تخيّر بين أن ينتظر استيفاءه في السنة اللاحقة، فإذا استوفاه أخرج خمسه وكان من أرباح السنة السابقة لا من أرباح سنة الاستيفاء، وبين أن يقدّر ماليّة الديون فعلاً فيدفع خمسها، فإذا استوفاها في السنة الآتية كان الزائد على ما قدّر من أرباح سنة الاستيفاء.
مسألة 1252: يتعلّق الخمس بالربح بمجرّد حصوله وإن جاز تأخير الدفع إلى آخر السنة احتياطاً للمؤونة، فإذا أتلفه ضمن الخمس، وكذا إذا أسرف في صرفه أو وهبه أو اشترى أو باع على نحو المحاباة فيما إذا كانت الهبة أو الشراء أو البيع غير لائقة بشأنه، وإذا علم أنّه ليس عليه مؤونة في باقي السنة فالأحوط وجوباً أن يبادر إلى دفع الخمس ولا يؤخّره إلى نهاية السنة.
مسألة 1253: إذا مات صاحب الربح في أثناء السنة فالمستثنى هو المؤونة إلى حين الموت فقط.
مسألة 1254: إذا علم الوارث أنّ مورّثه لم يُؤدِّ خمس ما تركه وجب عليه أداؤه، وإذا علم أنّه أتلف مالاً له قد تعلّق به الخمس وجب إخراج خمسه من أصل تركته كغيره من الديون، نعم إذا كان المورّث ممّن لا يعتقد الخمس أو ممّن لا يعطيه ولم ىوصِ بأدائه من تركته، كان الخمس محلّلاً للوارث المؤمن في كلتا الصورتين.
مسألة 1255: إذا اعتقد أنّه ربح فدفع الخمس فتبيّن عدمه انكشف أنّه لم يكن خمسٌ في ماله فيجوز أن يرجع به على المعطى له مع بقاء عينه، وكذا مع تلفها إذا كان عالماً بالحال، وأمّا إذا ربح في أوّل السنة فدفع الخمس باعتقاد عدم حصول مؤونة زائدة فتبيّن عدم كفاية الربح لتجدّد مؤونة لم تكن محتسبة لم يجز له الرجوع إلى المعطى له حتّى مع بقاء عينه فضلاً عمّا إذا تلفت.
مسألة 1256: الخمس بجميع أقسامه وإن كان يتعلّق بالعين إلّا أنّ المالك يتخيّر بين دفع العين ودفع قيمتها من النقود، ولا يجوز له التصرّف في العين بعد انتهاء السنة قبل أدائه، بل لا يجوز له التصرّف في بعضها أيضاً وإن كان مقدار الخمس باقياً في البقيّة، وإذا ضمنه في ذمّته بالمداورة مع الحاكم الشرعيّ صحّ ويسقط الحقّ من العين فيجوز التصرّف فيها.
مسألة 1257: لا بأس بشركة المؤمن مع من لا يخمّس إمّا لاعتقاده - لتقصير أو قصور - بعدم وجوبه أو لعصيانه وعدم مبالاته بأمر الدين، ولا يلحقه وزر من قبل شريكه، ويُجزىه أن يخرج خمسه من حصّته في الربح.
مسألة 1258: لا يجوز التصرّف في العين بعد انتهاء السنة قبل دفع الخمس، ولو تصرّف فيها بالاتّجار فإن كان الاتّجار بما في الذمّة وكان الوفاء بالعين غير المخمّسة صحّت المعاملة ولكن يلزمه دفع خمس تلك العين ولو من مال آخر، وإن كان الاتّجار بعين ما فيه الخمس صحّت المعاملة أيضاً إذا كان طرفها مؤمناً - من غير حاجة إلى إجازة الحاكم الشرعيّ - ولكن ينتقل الخمس حينئذٍ إلى البدل، كما أنّه إذا وهبها لمؤمن صحّت الهبة وينتقل الخمس إلى ذمّة الواهب.
وعلى الجملة كلّ ما ينتقل إلى المؤمن ممّن لا يخمّس أمواله لأحد الوجوه المتقدّمة بمعاملة أو مجّاناً يملكه فيجوز له التصرّف فيه، وقد أحلّ الأئمّة (علىهم السلام) ذلك لشيعتهم تفضّلاً منهم عليهم، وكذلك يجوز التصرّف للمؤمن في أموال هؤلاء فيما إذا أباحوها لهم من دون تمليك ففي جميع ذلك يكون المَهْنَأ للمؤمن والوزر على مانع الخمس إذا كان مقصّراً.
المبحث الثاني مستحقّ الخمس ومصرفه
مسألة 1259: يقسّم الخمس في زماننا - زمان الغيبة - نصفين: نصف لإمام العصر الحجّة المنتظر (عجّل الله تعالى فرجه الشرىف) ونصف لبني هاشم: أيتامهم ومساكينهم وأبناء سبيلهم، ويشترط في هذه الأصناف جميعاً الإيمان ولا يعتبر العدالة، ويعتبر الفقر في الأيتام ويكفي في ابن السبيل الفقر في بلد التسليم ولو كان غنيّاً في بلده إذا لم يتمكّن من السفر بقرض ونحوه على ما عرفت في الزكاة.
والأحوط وجوباً اعتبار أن لا يكون سفره معصية، ولا يعطى أكثر من قدر ما يوصله إلى بلده، أو إلى محلّ ىمكنه فىه تحصىل نفقة الرجوع إلى بلده.
مسألة 1260: الأحوط وجوباً أن لا يعطى الفقير أكثر من مؤونة سنته دفعة واحدة، وأمّا إذا أُعطي تدرىجاً حتّى بلغ مقدار مؤونة سنته فلا ىجوز أعطاؤه الزائد علىها بلا إشكال.
ويجوز البسط والاقتصار على إعطاء صنف واحد، بل يجوز الاقتصار على إعطاء واحد من صنف.
مسألة 1261: المراد من بني هاشم من انتسب إلى هاشم - جدّ النبيّ (صلّى الله علىه وآله) بالأب، أمّا إذا كان الانتساب بالأمّ فلا يحلّ له الخمس وتحلّ له زكاة غير الهاشميّ، ولا فرق في الهاشميّ بين العلويّ والعقيليّ والعباسيّ وغيرهم وإن كان الأولى تقديم العلويّ بل الفاطميّ.
مسألة 1262: لا يصدّق من ادّعى الانتساب إلى هاشم إلّا بالبيّنة العادلة، نعم يكفي الشياع واشتهار المدّعي له في بلده الأصليّ أو ما بحكمه، كما يكفي الوثوق والاطمئنان به من أيِّ منشأ عقلائيّ.
مسألة 1263: لا يجوز على الأحوط إعطاء الخمس لمن تجب نفقته على المعطي وإن كان للتوسعة عليه - زائداً على النفقة اللازمة - إذا كان عنده ما يوسّع به عليه، نعم إذا كان لواجب النفقة حاجة أُخرى غير لازمة للمعطي - كما إذا كان للولد زوجة تجب نفقتها عليه - يجوز للمعطي تأمينها من خمسه مع توفّر الشروط المتقدّمة.
ولا يجوز إعطاء الخمس لمن يصرفه في الحرام، بل الأحوط لزوماً اعتبار أن لا يكون في الدفع إليه إعانة على الإثم وإغراء بالقبيح وإن لم يكن يصرفه في الحرام، كما أنّ الأحوط لزوماً عدم إعطائه لتارك الصلاة أو شارب الخمر أو المتجاهر بالفسق.
مسألة 1264: يجوز للمالك دفع النصف المذكور (سهم السادة) إلى مستحقّيه مع استجماع الشروط المتقدّمة، وإن كان الأحوط استحباباً الدفع إلى الحاكم الشرعيّ.
مسألة 1265: النصف الراجع للإمام (عليه وعلى آبائه أفضل الصلاة والسلام) يرجع فيه في زمان الغيبة إلى نائبه وهو الفقيه المأمون العارف بمصارفه إمّا بالدفع إليه أو الاستئذان منه في صرفه، ومصرفه ما يوثق برضاه (علىه السلام) بصرفه فيه، كدفع ضرورات المؤمنين المتديّنين من السادات (زادهم الله تعالى شرفاً) وغيرهم، والأحوط استحباباً نيّة التصدّق به عنه (علىه السلام)، واللازم مراعاة الأهمّ فالأهمّ.
ومن أهمّ مصارفه في هذا الزمان - الذي قلّ فيه المرشدون والمسترشدون - إقامة دعائم الدين ورفع أعلامه، وترويج الشرع المقدّس ونشر قواعده وأحكامه، ويندرج في ذلك تأمين مؤونة أهل العلم الصالحين الذين يصرفون أوقاتهم في تحصيل العلوم الدينيّة، الباذلين أنفسهم في تعليم الجاهلين وإرشاد الضالّين ونصح المؤمنين ووعظهم وإصلاح ذات بينهم، ونحو ذلك ممّا يرجع إلى إصلاح دينهم وتكميل نفوسهم وعلوّ درجاتهم عند ربّهم تعالى شأنه وتقدّست أسماؤه، والأحوط لزوماً مراجعة المرجع الأعلم المطّلع على الجهات العامّة.
مسألة 1266: يجوز نقل الخمس من بلده إلى غيره مع عدم وجود المستحقّ، بل مع وجوده إذا لم يكن النقل تساهلاً وتسامحاً في أداء الخمس، ويجوز دفعه في البلد إلى وكيل الفقير وإن كان هو في البلد الآخر كما يجوز دفعه إلى وكيل الحاكم الشرعيّ، وكذا إذا وكّل الحاكم الشرعيّ المالك فيقبضه بالوكالة عنه ثُمَّ ينقله إليه.
مسألة 1267: إذا كان المال الذي فيه الخمس في غير بلد المالك ولم يكن متمكّناً من إعطائه من نفس العين إلّا مع التأخير ولكن كان متمكّناً من إعطاء قيمته فوراً لم يجب عليه ذلك، بل يجوز له التأخير إلى أن يتيسّر الدفع من العين ولكن اللازم عدم التساهل والتسامح في ذلك.
مسألة 1268: لا يتعيّن الخمس بمجرّد عزل المالك، ويترتّب على ذلك أنّه إذا عزله ونقله إلى بلد آخر لعدم وجود المستحقّ في بلده - مثلاً - فتلف بلا تفريط لا يفرغ ماله من الخمس بل عليه تخميس الْمُتَبَقّي منه، نعم إذا قبضه وكالة عن المستحقّ أو عن الحاكم الشرعيّ يتعيّن فيما قبضه، ولو نقله بعد ذلك بإذن موكّله فتلف من غير تفريط لم يضمن.
مسألة 1269: إذا كان له دين في ذمّة الفقير الهاشميّ جاز احتسابه عليه من سهم السادة بمراجعة الحاكم الشرعيّ وأمّا بدون مراجعته ففيه إشكال، فإن أراد الدائن ذلك فالأحوط لزوماً أن يتوكّل عن الفقير الهاشميّ في قبض سهم السادة وفي إيفائه دينه، أو أنّه يوكِّل الفقير في استيفائه دينه وأخذه لنفسه خمساً.
وأمّا إذا كان له دىن في ذمّة الفقىر غىر الهاشميّ فلىس له احتسابه من سهم الإمام (علىه السلام) حتّى إذا كان عاجزاً عن أدائه، نعم إذا كان مستحقّاً لسهم الإمام (علىه السلام) بغضّ النظر عن ذلك الدىن جاز له أن يعطيه منه - وفق ما مرّ في المسألة (1265) - فإذا قبضه جاز له أن يفي به دينه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مثلاً : إذا اشترى داراً لسكناه بخمسين ألف دينار ديناً على ذمّته، فإن توفّرت له من الأرباح في أوّل سنة السكنى فيها ما تفي بتمام ذلك الدين لم يجب إخراج خمسها في آخر تلك السنة وإن لم يؤدّ دينه بها، وإذا صرف الربح المستثنى في مؤونة السنة اللاحقة كان له أن يستثني بمقداره من أرباحها، وإذا صرفه في غير المؤونة أو تلف بسرقة أو نحوها لم يكن له ذلك.
وإن لم يتوفّر له من الأرباح في أوّل سنة السكنى في الدار ما يفي بتمام الدين المتعلَّق بها - كما لو توفّر له في المثال مقدار عشرة آلاف دينار فقط - كان له استثناء الباقي من أرباح السنين اللاحقة بشرط كون الدار مؤونة له فيها، وإلّا لم يكن له ذلك.
فلو توفّر له في السنة الثانية - وهو ساكن في الدار - أربعون ألف دينار من الأرباح لم يجب إخراج خمسها، وهكذا إذا توفّرت الأربعون ألفاً خلال عدّة سنوات فإنّها تستثنى من أرباحها تدريجاً بشرط كونه ساكناً في الدار خلالها، فلو خرج منها في السنة الثانية - مثلاً - لم ىستثن باقي الدين من أرباحها.
وبالجملة: لا يستثنى من أرباح السنة ما كان ديناً للمؤونة في سنة سابقة إلّا إذا لم يكن قد استثني له بمقداره من أرباحها وكان ما تعلّق به الدين - كدار السكنى والسيّارة الشخصيّة وأثاث المنزل - مستخدماً في المؤونة في السنة اللاحقة.