إنما الشورى للمهاجرين والأنصار

(إِنَّمَا اَلشُّورَى لِلْمُهَاجِرِينَ وَ اَلْأَنْصَارِ فَإِنِ اِجْتَمَعُوا عَلَى رَجُلٍ وَ سَمَّوْهُ إِمَاماً كَانَ ذَلِكَ لله رِضًا فَإِنْ خَرَجَ عَنْ أَمْرِهِمْ خَارِجٌ بِطَعْنٍ أَوْ بِدْعَةٍ رَدُّوهُ إِلَى مَا خَرَجَ مِنْهُ فَإِنْ أَبَى قَاتَلُوهُ عَلَى اِتِّبَاعِهِ غَيْرَ سَبِيلِ اَلْمُؤْمِنِينَ)[1].

ظاهر كلام أمير المؤمنين ع يوهم ما يدعم نظرية الشورى في تعيين خليفة النبي (صلى الله عليه وآله) وهو المبدأ الذي صحّحوا به خلافة أبي بكر بدلاً عن أمير المؤمنين (عليه السلام) .

لكن الذي يحلل هذا النص يجده بعيداً عن هذا المعنى كل البعد، وذلك من وجوه:

الأول: إن كلامه (عليه السلام) كان موجهاً لمعاوية بن أبي سفيان، الذي رفض بيعة الإمام (عليه السلام) ونصّب نفسه خليفة في الشام، فهو (عليه السلام) يحتج عليه بأن معاوية وأتباعه قد أقرّوا بخلافة الثلاثة أبا بكر وعمر وعثمان وذلك بسبب بيعة المهاجرين والأنصار لهم، وهو عينه ما حصل في بيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) ، حيث اجتمع عليها المهاجرون والأنصار، فهو احتجاج خاص بما التزم به معاوية في خلافة الثلاثة، وهو احتجاج قوي وأكثر احتجاجات الناس في حياتهم من هذا القبيل، فإذا قال قائل مثلاً : سوف أكرم كل من زار الحسين (عليه السلام) ، ثم أكرم البعض وحرم الآخر، فأول ما يحتج المحروم به: لماذا لم تكرمني وأنا أيضاً كنت من الزائرين؟ فكلامه (عليه السلام) لمعاوية لماذا لا تعترف بخلافتي مع اعترافك بخلافة غيري وأنا لدي نفس سبب خلافة غيري؟ وهذا كما ترى ليس أنه يعطي الشرعية لبيعة الثلاثة.

الثاني: لو حملنا قوله (عليه السلام) على ظاهره وقلنا أن اجتماع المهاجرين والأنصار  يعطي الشرعية لمن أجمع المهاجرون والأنصار على بيعته، فإن المقصود منه ذلك الإجماع الكامل التام بلا مخالف ولا معارض، والحال عدم حصول مثل هذا الإجماع في بيعة الثلاثة لغياب أهل البيت (عليهم السلام)  ، عن ذلك الإجماع، بل واعتراضهم على تلك الشورى، كيف وأمير المؤمنين (عليه السلام) يقول فيها في خطبته المعروفة بالشقشقية: (أَمَا وَ الله لَقَدْ تَقَمَّصَهَا فُلاَنٌ وَ إِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّي مِنْهَا مَحَلُّ اَلْقُطْبِ مِنَ اَلرَّحَى يَنْحَدِرُ عَنِّي اَلسَّيْلُ وَ لاَ يَرْقَى إِلَيَّ اَلطَّيْرُ فَسَدَلْتُ دُونَهَا ثَوْباً وَ طَوَيْتُ عَنْهَا كَشْحاً وَ طَفِقْتُ أَرْتَئِي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَدٍ جَذَّاءَ أَوْ أَصْبِرَ عَلَى طَخْيَةٍ عَمْيَاءَ يَهْرَمُ فِيهَا اَلْكَبِيرُ وَ يَشِيبُ فِيهَا اَلصَّغِيرُ وَ يَكْدَحُ فِيهَا مُؤْمِنٌ حَتَّى يَلْقَى رَبَّهُ فَرَأَيْتُ أَنَّ اَلصَّبْرَ عَلَى هَاتَا أَحْجَى فَصَبَرْتُ وَ فِي اَلْعَيْنِ قَذًى وَ فِي اَلْحَلْقِ شَجًا أَرَى تُرَاثِي نَهْباً حَتَّى مَضَى اَلْأَوَّلُ لِسَبِيلِهِ فَأَدْلَى بِهَا إِلَى فُلاَنٍ بَعْدَهُ).

الثالث: بما أن الكلام موجه الى معاوية، فإنه جاء لإخراج معاوية من دائرة الشورى والإجماع - على فرض كون الشورى مبدأً صحيحاً لاختيار الخليفة –فإنمعاويةغيرمصنّفعلىالمهاجرينولاعلىالأنصار،فليسلهإلاالطاعةلإجماعهاتين الطائفتين، وعلى هذا يكون كلامه ع كلامٌ فرضي بيّن فيه لمعاوية أنه من الطلقاء الذين ليسوا من الأمة التي إجماعها حجة !

 


[1] نهج البلاغة،صبحي صالح: ج1، ص750.