كان مالك لي كما كنت لرسول الله (صلى الله عليه وآله)
اسمه ولقبه ونسبه:
اسمه مالك بن الحارث بن عبد يغوث بن مسلّمة بن ربيعة بن خزيمة (خديمة) بن سعد بن مالك بن نخع.
أشهر ألقابه اثنان: «الأشتر» وسبب تسميته بـ «الأشتر» يعود إلى أنه في إحدى المعارك التي خاضها تشققت جفن عينه إثر الضربات التي أصيب بها من قبل الأعداء. ومَنْ تتمزّق جفن عينه يطلق عليه في اللغة أشتر عينه، وعلى هذا الأساس لُقِّب بالأشتر، و«كبش العراق» ولُقب بكبش العراق في حرب صفين حين كان قائد جيش الإمام علي(عليه السلام) وقد أبلى في الحرب بلاءً حسناً وأبدى شجاعة فائقة، فنال لقب كبش العراق.
كنيته: «أبو ابراهيم».
مولده:
لا يُعرف تاريخ مولد مالك الأشتر بدقّة، لكن كتّاب السِّيَر اتفقوا على أنه رأى النور في عهد الجاهلية، وربما بين عامي 25 ـ 30 قبل الهجرة.
مدح الإمام علي(عليه السلام) له:
لقد قلّده أمير المؤمنين (عليه السلام) وسام الشرف الذي بقي مدى الدهر حيث قال فيه: (كان مالك لي كما كنت لرسول الله(صلى الله عليه وآله))[1].
وكفى به فخراً لا يناله أحد إلا بإفناء ذاته في نصرة أولياء الله تعالى، ولذا كان من جملة ما أولاه الإمام من الثقة أن ولّاه مصر في عصره وكتب له عهده المشهور الذي يرسم للإنسانية دستور الحكم العادل الذي يريده الله تعالى في الحياة الدنيا والذي مدحه فيه بقوله (عليه السلام): (أما بعد، فقد بَعثتُ إليكم عبداً من عباد الله، لا ينام أيّامَ الخوف، ولا يَنكُل عن الأعداء ساعاتِ الرَّوع، أشدُّ على الفُجار من حريق النار، وهو مالك بن الحارث أخو مَذْحِج)[2].
وقال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في وصف مالك: (ليت فيكم مثله إثنان، بل ليت فيكم مثله واحد يرى في عدوي مثل رأيه)[3] ، وقد علّق المحدِّث القمّي (رحمه الله) على هذه الرواية في الهامش قائلا: «إن عمرو بن الحمق الخزاعي الذي كان من حواريي أمير المؤمنين(عليه السلام) ومشهوراً بالجلالة والفضل، بل قيل في حقه أنه كان من أمير المؤمنين بمنزلة سلمان من رسول الله(صلى الله عليه وآله)، أن أمير المؤمنين(عليه السلام) قال: (ليت أن في جندي مائة مثلك»، لكنه قال في الأشتر: «ليت فيكم مثله واحد) فتأمل في ذلك ليدلك على مرتبة رفيعة وجلالة عظيمة للأشتر (رضي الله عنه))[4] .
من مُحِّض الإيمان:
إن من جملة عقائد الإمامية التي دلّت عليها الآيات القرآنية الكريمة وفصّلتها الروايات الشريفة ما يعرف بالرجعة حيث يظهر مع الإمام المهدي (عج) من مُحِض الإيمان من أهل الدنيا لينعم بدولة عدله الإلهي، ومن مُحِضَّ الكفر لينتقم منه الإمام(عليه السلام)، وقد ورد في بعض الروايات على أن من جملة الراجعين إلى الحياة مالك الأشتر، فعن المفضل بن عمر عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنه قال: (يخرج مع القائم من ظهر الكوفة سبع وعشرون رجلاً ... سلمان وأبو دجانة الأنصاري والمقداد ومالك الأشتر، فيكونون بين يديه أنصاراً وحكاماً)[5]، وهذا يدل على تمام إيمانه وصحة عقيدته.
أخلاقه الحسنة وتغلبه على هواه:
كان مالك الأشتر مُتحلياً بالزهد والحلْم وحُسْن الخُلق والصبر والتواضع، في ذات الوقت الذي كان يشتهر بالحكمة والشجاعة والفضيلة والنُّبل، ورغم ما عُرف عنه من أنه الفارس الذي لا يشق له غبار في ميادين القتال، وما اشتهر به من شجاعة وشدّة في ذات الله، إلا أن هذه الصفات كانـت متلازمة مع لينٍ وسكينة وعاطفة جيّـاشة، كيف لا وقد تأدب بآداب أمير المؤمنين(عليه السلام) الذي عُرف عنه أنه جمع الأضداد في ذاته الشريفة.
ويروى أن مالكا الأشتر كـان مجتازاً، ذات يوم -بسوق الكوفة- وعليه قميص خام وعمامة منه، فرآه بعض السَوَقـة، فأزرى بزيِّه، فرماه ببندقـة تهاوناً به، فمضى ولم يلتـفت، فقيل له: ويلك أتعرف لمن رميت؟ فقال: لا، فقيل له: هذا مالك صاحب أمير المؤمنين(عليه السلام)، فارتعد الرجل ومضى إليه ليعتذر وقد دخل مسجداً وهو قائم يصلي، فلما انفتـل، إنكبّ الرجل على قدميه يقبلهما، فقال: ما هذا الأمر؟ فقال: أعتـذر إليك مما صنعت. فقال: لا بأس علـيك، فوالله ما دخلت المسجد إلا لأستغفرن لك)[6].
الأشتر وأُمنية الشهادة:
عند اشتداد أوار حرب صفّين التي استشهد خلالها عدد من أصحاب وأنصار الإمام علي(عليه السلام) بكى الأشتر ذات يوم، فسأله الإمام عن سبب بكائـه فأجاب: أبكي لأنني لم أُرزق بما رُزق به أنصارك الشهداء الفائزون، فقال له الإمام علي(عليه السلام): أَبْـشِر بالخير يا مالك، ثم ترنَّم بالبيتين التاليين:
أيَّ يَوْمَيْـكَ من المـــوتِ تَـفِرْ يَـومَ لا يـقدر أو يـومَ قُدرْ
يـوم لا يـقـــــدر لا أرهـبـه ومن المقدور لا يُنجي الحَذَرْ[7]
شهادته:
وبعد حياة حافلة بالعزّ والجهاد، وتاريخ مشرق في نصرة الإسلام والنبوّة والإمامة.. يكتب الله تعالى لهذا العبد الصالح خاتمةً مشرّفة، هي الشهادة على يد أرذل الخَلْق، إذ كان لأعداء الله طمع في مصر، لقربها من الشام، ولكثرة خراجها، ولتمايل أهلها إلى أهل البيت(عليهم السلام) وكراهتهم لأعدائهم، فبادر معاوية بإرسال الجيوش إليها وعلى رأسهم عمرو بن العاص ومعاوية بن خديج ليحتلّها، فكان من الخليفة الشرعيّ الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) أن أرسل مالكَ الأشتر والياً له على مصر.. فاحتال معاوية في قتله، داسّاً إليه سُمّاً بواسطة الجايستار -وهو رجل من أهل الخراج، وقيل: كان دهقان القُلْزُم- وكان معاوية قد وعد هذا ألاّ يأخذ منه الخراج طيلة حياته إن نفّذ مهمّته الخبيثة تلك، فسقاه السمّ وهو في الطريق إلى مصر، فقضى رضوان الله عليه شهيداً، فقال عمرو بن العاص مُعرِباً عن شماتته: إنّ لله جنوداً من عسل!
وقال معاوية: إنّه كان لعليّ بن أبي طالب يدان يمينان: قُطِعت إحداهما بصِفِّين ـ يعني عمّار بن ياسر ـ وقُطعت الأُخرى اليوم ـ يعني مالك الأشتر.
وكانت شهادته (رضي الله عنه) عام 38 هجريّة بعد أن امتدّ العمر به فنال ما كان يتمنّاه أن يقضي مظلوماً على أيدي أعداء الله وقد حاربهم جهده، فاستجاب الله دعوته واُمنيّته، إذ كان يقول:
ياربِّ جنّبْني سبيـلَ الفجَرهْ ولا تُخيّبْنـي ثوابَ البـررَهْ
واجعَلْ وفاتي بأكفِّ الكفرَهْ
وحزن الإمام علي(عليه السلام) حزناً عظيماً عند ورود خبر موت الأشتر وقال فيه: (ألا إن مالكاً بن الحارث قد قضى نحبه، وأوفى عهده ولقي ربّه، فرحم الله مالكاً...)[8].
مجلة بيوت المتقين العدد (21)
[1] شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد: ج15، ص98.
[2] نهج البلاغة خطب الإمام علي (عليه السلام): ج3، ص63.
[3] بحار الأنوار المجلسي: ج32، ص547.
[4] سفينة البحار القمي : ج4، ص388.
[5] بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج53، ص91.
[6] بحار الأنوار المجلسي ج42، ص157.
[7] الفصول المهمة في معرفة الأئمة لابن الصباغ المالكي: ص1356.
[8] الاختصاص الشيخ المفيد: ص79.