إن بعض الفرق والمذاهب التي تدّعي الإسلام، وتتستر بلباسه، والإسلام منهم براء، ولا تحمل من الإسلام غير اسمه، ومن تلك الفرق التي ينطبق الوصف المتقدم هي الفرقة (الباطنية)، وهي فرقة تُظهر غير ما تُبطن، ولأنها أيضاً ترى أن لكل ظاهر باطناً، فسميت بالباطنية، والظاهر هو ما جاء به النبي محمد(صلى الله عليه وآله)، والباطن هو علم التأويل الذي لا يعرفه إلّا هم بحسب ادعائهم، وهو لب الدعوة عندهم، ويرون أن الفرائض والسنن هي عبارة عن رموز وإشارات لا حقيقة لها، وهذا من الرؤى التي تعكس تأثيراً تراجعياً على الفرق الإسلامية، والباطنية -بالدقة- ليست مذهباً إسلامياً، أو فرقة منه، وإنما هي طريقة تَسَايرَ عليها معتنقوها.
وأما تأريخ تأسيسها: فأختلف فيه الباحثون في تحديد زمن ظهورها، وهو خلاف له مبرره، إذ من أصول مذهب الباطنية عدم نشر عقائدهم وأفكارهم، فهم يأخذون العهود والمواثيق على من يدخل في مذهبهم ألّا يظهر منه شيئاً، ويعدّون ذلك من أصول دينهم التي لا يجوز الإخلال بها، وأول ظهور للباطنية حسب ما أرّخه السيوطي كان في سنة (92) للهجرة، وذهب بعضهم إلى أن ظهورها كان سنة (276) هـ، حينما شرع زعيمهم (ميمون القداح) بإنشاء هذا المذهب.
وللباطنية ألقاب عدّة، وهذه الألقاب تمثل الأوصاف التي اتصفوا بها، فكان لكل لقب سبب، وكان أشهر تلك الألقاب لهذه الفرقة هو: لقب (الباطنية)، ولُقبِّوا به بسبب دعواهم: أن لظواهر القرآن وأخبار النبي(صلى الله عليه وآله) بواطن تجرى في الظواهر مجرى اللّب من القشر، وتلك البواطن: رموز وإشارات إلى حقائق معينة، وأن من تقاعس عقله عن الغوص في الخفايا والأسرار والبواطن، أبتلي بالأغلال والآصار التي يعنون بها التكاليف الشرعية، والتي تنحلّ عمن ارتقى إلى علم الباطن، فيستريح من أعبائها.
واللقب الآخر الذي تسمّوا به هو: (القرامطة)، ولُقّبوا بهذا اللقب نسبة إلى رجل يقال له حمدان بن قرمط، كان أحد دعاتهم وقادتهم، فسمي أتباعه بذلك.
ولُقّب الباطنية أيضاً بـ(الخرمية) نسبة (لخرم)، وهي كلمة أعجمية، بمعنى الشيء المستلذ المستطاب الذي يرتاح الإنسان بمشاهدته، ويهتز لرؤيته، وهو دال على طي بساط التكليف، وحط أعباء الشرع عن المتعبدين، وتسليط الناس على اتّباع اللذّات، وطلب الشهوات.
أما بالنسبة لعقائد الباطنية فهي إظهار لكل ذي ملّة أو مذهب ما يُحب، فإن أتوا للنصارى، أظهروا لهم القول بالتثليث، وأكدوا لهم ألوهية المسيح، وإن أتوا اليهود، أظهروا لهم بغض المسلمين والنصارى، وإن التقوا بزاهد، أظهروا الزهد في الدنيا، ومجانبة أهلها، فهم يلبسون لكل حالة لبوسها، حتى إذا أمن لهم، ألقوا عليه شبهاتهم، ودعوه إلى الدخول في مذهبهم، ومن عقائدهم القول بإلهين قديمين، أحدهما علّة لوجود الثاني، وأن السابق هو الخالق بواسطة التالي لا بنفسه، وهو مذهب مأخوذ من الثنوية والمجوس، واعتقادهم بأن النبي(صلى الله عليه وآله) عبارة عن شخص، فاضت عليه قوة قدسية من السابق بواسطة التالي، وأن القرآن عبارة عن تعبير النبي(صلى الله عليه وآله) الشخصي، وتسميته كلام الله من باب المجاز، واعتقادهم أن لكل شريعة نبوية مدة زمنية، فإذا تصرّمت بعث الله نبياً آخر ينسخ شريعته، ما عدا النبي(صلى الله عليه وآله) فشريعته نسخت بمجيء الإمام السابع جعفر بن محمد(عليه السلام).
ومن عقائدهم إنكارهم القيامة، والبعث والنشور، وأنكروا الجنة والنار، وقالوا معنى المعاد عَوّد كل شيء إلى أصله، ويعتقدون بسقوط التكاليف الشرعية عنهم، ويرون أنها قيود انحلت عنهم؛ لاتباعهم الإمام المعصوم(عليهم السلام)، واعتقاد بعضهم بألوهية علي بن أبي طالب(عليه السلام)، وظهوره بصورة إنسان ليؤنس خلقه، وزعموا إن الصيام ليس معناه الإمساك عن المفطرات في وقت مخصوص، وإنما الامساك عن كشف السر، أما الطواف بالبيت سبعاً فقالوا هو الطواف بمحمد(صلى الله عليه وآله) إلى تمام الأئمة السبعة، وأوّلوا الصلوات الخمس: بأنها أدلة على الأصول الأربعة وعلى الإمام، وعليه فلا حاجة لأداء هذه الصلوات المعهودة عند المسلمين، فهؤلاء هم الباطنية، وذاك هو تاريخهم.
المصادر:
الرسالة الكافية: لمحمد بن سعد الرفنه الإسماعيلي، الفرْق بين الفِرق: للبغدادي، بيان مذهب الباطنية وبطلانه: للديلمي، راحة العقل: للكرماني، الافتخار: للسجستاني، زهرة المعاني: للداعي إدريس القرشي.
المصدر: مجلة اليقين العدد (31)