هناك نظرية تقول بأنّ هذا العالم في تغيّر مستمر، والتطور يزداد يوماً بعد يوم، وهو أمر يشمل حتى الشرائع السماوية، فشريعة النبي موسى (عليه السلام) نسخت الشرائع التي كانت قبلها، وشريعة النبي عيسى (عليه السلام) نسخت شريعة النبي موسى (عليه السلام)، وكان بينهما ما يقارب ألف وستمائة سنة، وشريعة نبينا (صلى الله عليه وآله) نسخت شريعة عيسى (عليه السلام)، وكان بينهما ما يقارب خمسمائة سنة، هنا يأتي سؤال حاصله:
أنه إذا كانت الفترة بين موسى (عليه السلام) وعيسى (عليه السلام) وجيزة، وهكذا الفترة بين عيسى ونبينا (صلى الله عليه وآله) وجيزة أيضاً اقتضت أنْ يغير الله تعالى الشريعة، ويأتي بشريعة جديدة، فكيف نبقى على شريعة الإسلام أكثر من ألف سنة، ومن يدري لعل الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) لا يظهر إلاّ بعد آلاف السنين، فالغيب لا يعلمه إلا الله، وهل بإمكان الشريعة الإسلامية أن تلبي جميع حاجات الإنسان؟ حتى الإنسان الذي يأتي بعد آلاف السنين؟
فاليوم هناك من يسعى لبث هذه الشبهة في أوساط المجتمع، ويحاول أن يفصل الدين عن الحياة، بل يحاول التشكيك في الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، ويقول: نحن لسنا بحاجة إلى الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) إلا في زمن ظهوره، وأما الآن فلسنا بحاجة إليه، وكذلك لسنا بحاجة إلى الصلاة والحج وغيرها من العبادات، فالإنسان اليوم أصبح فكره ناضجاً، وباستطاعته أن يحل مشاكله بفكره وعقله، فلسنا بحاجة إلى شريعة سماوية تعين التكليف علينا.
ونقول في الجواب عن هذه الشبهة: إنّ الله تعالى قد ضرب في القرآن الكريم مثلاً وهو قصة موسى والخضرC، فموسى كان لديه علم الشريعة الظاهرة، وهي لا تقتضي خرق السفينة، ولا قتل الغلام، ولا بناء الحائط، فإذا كان الله تعالى يقتصر على الشريعة الظاهرية لما قتل الغلام وبسببه كان الناس يحرمون من سبعين نبياً، لكن أوجد الله تعالى الخضر ليعمل في الخفاء بواسطة علمه اللدني ما فيه المصلحة للبشرية يقول تعالى: (فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا)[1]، يقول العلماء: إن المراد من (عبادنا) أن هناك مجموعة من العباد زودناهم بالعلم اللدني، وبواسطته يعملون في الخفاء ويحدثون تغييرات مهمة تكون في صالح المجتمع الإنساني .
نحن الشيعة نعتقد بأن الله تعالى زود إمامنا المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، بل جميع الأئمة(عليهم السلام) بالعلم كله، قال تعالى: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِيْ ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِيْ كِتَابٍ مُبِيْنٍ)[2]، فكل شيء أودعه الله تعالى في كتاب مبين، فما هو المراد من الكتاب المبين الذي أودع الله تعالى فيه كل شيء؟ إنّ المراد هو الإمام (عليه السلام)، فقد ورد عن الحسين بن خالد، قال: سألت أبا الحسين (عليه السلام) عن قول الله: ... (في كتاب مبين)، قال: (في إمام مبين).
نقول في جواب شبهات العلمانيين: إنّ الله تبارك وتعالى خالق الكون، وهو تعالى صاحب الكمالات اللامتناهية والعلم اللامتناهي، إذن فهو يعلم بحاجات البشرية في جميع الأوقات والأزمان، وقد زود الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) بهذا العلم، وهذا هو معنى ما ورد في زيارة الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف): «السلام عليك يا ناظر شجرة طوبى وسدرة المنتهى، السلام عليك يا نور الله الذي لا يطفئ...»، ومن جملة أسرار رب العالمين هو ما يحتاج إليه الإنسان في جميع الأزمان. إذن لسنا بحاجة إلى أن نرفع اليد عن الدين والشريعة، لأنها تلبي كل طلبات الإنسان وتحتوي على كل ما يحتاج إليه.
المصدر: مجلة اليقين العدد (63)