فاطمة(عليها السلام) الصديقة الكبرى

عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال يصفُ فاطمة(عليها السلام): «.. وهي الصدِّيقةُ الكبرى..»[1].

ومنها: عن جابر الأنصاري قال: قال النبيُّ (صلى الله عليه وآله): «إنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالى اصطَفَانِي وَاختَارَنِي وَجَعَلَنِي رَسُولاً.. فَجَعَلَ اللهُ لِيَّ عَلِيّاً وَزيِراً وأَخاً.. فَهُوَّ سَيِّدُ الأَوصِيَاءَ.. وَزَوجَتُهُ الصدِّيقَةُ الكُبْرَى ابْنَتِي..»[2].

ومنها: عن الْمُفَضَّلِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله(عليه السلام) قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ(عليه السلام) مَنْ غَسَلَ فَاطِمَةَ؟ قَالَ: «ذَاكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، وكَأَنِّي اسْتَعْظَمْتُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِه، فَقَالَ: كَأَنَّكَ ضِقْتَ بِمَا أَخْبَرْتُكَ بِه قَالَ: فَقُلْتُ قَدْ كَانَ ذَاكَ جُعِلْتُ فِدَاكَ، قَالَ: فَقَالَ(عليه السلام): «لَا تَضِيقَنَّ؛ فَإِنَّهَا صِدِّيقَةٌ، ولَمْ يَكُنْ يَغْسِلُهَا إِلَّا صِدِّيقٌ..»[3].     

معنى الصِّدِّيق:

الصِّدِّيق: مبالغة في الصدق، فيكون (الصدِّيق) صادقٌ في كلِّ ما يقول، وفيما يفعل، وفيما يعتقد؛ لأنَّ معنى الصدق هو المطابقة للواقع، فالصدِّيق قوله وخبره مطابقٌ أبدًا للواقع، لا يصدرُ عنه الكذب، ويكون فعله مطابقٌ لقوله ومطابق لمعتقده، كما أنَّ معتقده يكون مطابِقاً للحقِّ، ورؤيته لمعتقده لا يشوبُها شكٌّ أو غموض، فيقينُه عينُ اليقين، وهو صادقٌ فيما يرى ويعلم، فهو يرى الحقائق كما هي رأي شهود، وهذا هو معنى ما أفاده العلامة الطبأطبائي (رحمه الله) أنَّ الصدِّيق: (يشاهد حقائق الأشياء ويقول الحقَّ ويفعل الحق)[4].

تعريف آخر (غير صحيح) للصِّدِّيق:

طبقاً لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولَٰئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ ...)[5] قال بعض: أن الصدّيق كلّ مَن آمن بالله ورسله.

وجواب هذه الشبهة: (أنَّ مَن آمن بالله ورسله فإنَّ الله تعالى سوف يُلحقُه يوم القيامة بالصدِّيقين والشهداء، فهو وعدٌ وبُشرى للمؤمنين بأنَّه تعالى سيُلحقهم بالصدِّيقين والشهداء ويمنحُهم من نوع أجورهم، ويهبُ لهم من نوع نورهم، فالآيةُ ليست بصدد التعريف للصدِّيقين والشهداء بل هي بصدد الوعد والبشرى للمؤمنين بقرينة ذيل الآية المباركة، فهي بعد أنْ وعدت المؤمنين بثواب الصدِّيقين ونورهم توعَّدت الكافرين بالنار، يقول تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ)[6].

فذلك هو ما يقتضيه ظاهرُ الآية، وهو ما يقتضيه الجمعُ بينها وبين قوله تعالى: (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا)[7]، فالمؤمنون المطيعون لله ورسوله ملحقون -بمقتضى صريح الآية- يوم القيامة، أي: أنَّهم سيكونون معهم وفي رفقتهم لا أنَّهم سيكونون منهم.

من الذي يوصف بالصّدّيق؟

لم يطلق في القرآن الكريم  أحدًا بهذا الوصف إلا وكان من الأصفياء، فمنهم النبي إبراهيم(عليه السلام) في قوله تعالى:(وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا)[8]، ومنهم النبي إدريس(عليه السلام)في قوله تعالى: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا)[9]، ومنهم النبي يوسفَ(عليه السلام)في قوله تعالى: (يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ ...)[10]، ومنهم السيَّدة مريم(عليه السلام) أيضاً في قوله تعالى: (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ ...)[11].

فإن هؤلاء جميعهم قد نصَّ القرآن على أنَّهم ممَّن اجتباهم اللهُ تعالى واصطفاهم مِن خلقه، وأنهم ليسوا مؤمنين عاديّين.

أما بالنسبة للزهراء (عليها السلام) فقد ورد من طرقنا أنَّ أئمة أهل البيت (عليهم السلام) أنها صدِّيقة.

ومنه عن الصادق (عليه السلام): «اللَّهُمَّ صلِّ على فاطمةَ بنت نبيِّك، ...، الصِّدِّيقة الزكية..»[12].

بل ورد الوصف بالكبرى في العديد من الروايات منها عن أبي عبد الله(عليه السلام): «..وهي الصِّدِّيقةُ الكبرى..»[13].

وعن النبيِّ (صلى الله عليه وآله): «إنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالى اصطَفَانِي وَاختَارَنِي وَجَعَلَنِي رَسُولاً.. فَجَعَلَ اللهُ لِيَّ عَلِيّاً وَزيِراً وأَخاً.. فَهُوَّ سَيِّدُ الأَوصِيَاءَ... وَزَوجَتُهُ الصدِّيقَةُ الكُبْرَى ابْنَتِي..»[14].

والمراد من وصفها بالكبرى هو أنَّها أعلى الصِّدِّيقات منزلةً، وأفضلُهنَّ على الإطلاق، فما مِن صدِّيقةٍ في تاريخ الرسالات إلى قيام الساعة إلا وفاطمة (عليها السلام) تفوقُها رتبة وكمالًا ومنزلةً.

مجلة اليقين العدد (70)

 


[1] الأمالي، الطوسي: ص668.

[2] الأمالي، الصدوق: ص74.

[3] الكافي، الكليني: ج1، ص459.

[4] تفسير الميزان، السيد الطبأطبائي: ج4، ص408.

[5] الحديد: 19.

[6] تفسير الميزان، السيد الطباطبائي: ج19، ص163.

[7] النساء: 69.

[8] مريم: 41.

[9] مريم: 56.

[10] يوسف: 46.

[11] المائدة: 75.

[12] كامل الزيارات، ابن قولويه: ص402.

[13] الأمالي، الشيخ الطوسي: ص668.

[14] الأمالي، الشيخ الصدوق: ص74.