كان زيد في طريقه إلى غرفة العمليات وهو يستذكر شريط الأحداث الذي مرّ عليه خلال السنوات الماضية، وعندما وصلت والدته إلى مكان تواجده خاف كثيراً من اللوم الذي ينتظره بعد كل سنوات العقوق والانحراف.
نادت والدته ابنها بصوت متألم: هل وصلت إلى الحرية التي كنت تبحث عنها خلال السنوات الماضية؟
أطرق زيد برأسه خجلاً: وقال كنت أظنّ أن الدنيا ليس لها غير شكل واحد وهو الحرية.
قالت له الأم: الآن وقد تبين الأمر لك هل أنت مستعد للقاء ربك بعد كل هذه السنوات من المعصية؟
لم يجد زيد كلاماً يردّ به على كلام والدته سوى الصمت وتمني الموت قبل هذه الساعة.
قالت الأم: أنا كنت أظنّ أنّي فقدت الأمل فيك، لكن ما حصل كشف لي أن الله يريد منك العودة إليه فحمدت الله انك لا زلت حيّاً.
قال زيد: كيف وأنا الآن في أسوءِ حال؟
قالت الأم: لأن الله يتعامل مع عبد بطريقتين فقد يترك له الحبل ممدوداً لأنه لا يرجى منه شيء في كل الأحوال وتقلباتها وقد يقلب له الأحوال، إذاً كان هناك امل فيه للرجوع فيكون البلاء طريقه للعودة إلى ربه وهذا الأسلوب هو الأقرب إلى الجذب نحو الاستقامة.
عاد زيد قائلا: لكنك لم تمنعيني من الخطأ وكان المفروض أن تمنعيني بالقوة.
قالت الأم: لو كان من حقي أن أمنعك بالقوة لكنت فعلت ذلك لكني سألت عن ذلك فقالوا لي أن واجبي أن أنصحك ليس أكثر وأما استعمال القوّة فهو أمر مرفوض وليس مسموحاً لي بذلك، وأنت تعلم كم كنت أتعذب بسب وضعك السابق.
أخذ زيد يفكر طويلا حتى يجد كلاماً ورداً مناسباً لكلام والدته وأخذ يتذكر كيف حاول إرسال أمه لدار العجزة لولا تدخل بعض أخواله.
ثم قال لأمّه: أنت لو استعملت القوة لكنت في أمان أكثر ولكان وضعي أفضل فقد دفعت ثمن حماقتي غالياً فأنا على باب غرفة سأخرج منها بساق واحدة.
أخذت الأم بالبكاء على ما وصل إليه ابنها من مصير وعذاب.
وعندما خرج زيد من العمليات كان قد فقد رجله اليمنى وكانت أمّه تنتظره في صمت وبكاء وهي تتضرّع لربّها أن يكون هذا آخر الضياع الذي يعيش فيه ابنها.
وبعد أن استيقظ زيد كان مترددا في الكلام مع أمّه لأنه كان يريد أن يعرف منها كيف يصلّي من كان برجل واحدة.
وعندما مرّت أيام واستعاد وضعَه الصحّي، بادر بسؤال أمه حول وضعه الجديد مع العبادة، وكان الوقت قريباً من مناسبة ولادة إمام العصر عليه السلام فطلب من والدته أنْ تأخذه الى كربلاء.
علّمته والدته بعد الرجوع من الزيارة كيف يصلي من جلوس، وكيف يتوضأ من فقد إحدى رجليه وعاد زيد ليعوّض ما فاته من سنوات الضياع والتقصير.
فوضع جدولاً بالسنوات التي فاتت من عمره حتى يقضي ما فاته، وعندما اقترب شهر رمضان كان يستعدّ لتعويد نفسه لأول مرّة على صيام الشهر الكريم.
عادت الأمّ لتعيش مع ابنها تنظّم له جداول عباداته التي فاتت، وكانت الأم تبحث له عن زوجة تعيش معه بعد طول عزوبة، لكنّ زيداً لم يكن مقتنعاً بوجود امرأة ترضى به، خصوصاً وأنه أصبح رجلاً عاجزاً وبرجل واحدة ومع سمعته التي سبقته في كل مكان.
وجاءتْ والدتُه في أحد الأيام لتبشّره بقرب زواجه من فتاة مؤمنة لا ترغب في أكثر من إنسان مؤمن وصائن لنفسه من الأهواء.
وتعجّب زيد من كلام أمّه وقال لها: كيف ترضى فتاة بشخص مثلي ليس لي تاريخ إيماني كما أن وضعي الصحّي ليس تاماً؟
قالت له الأمّ: اسمع أن المهم عند الزوجة أن يكون زوجها مؤمناً إذا كانت مؤمنة، وأنا عرضتك مؤمناً مصاباً في جسدك ولم أعرضْك بتاريخك السابق فإنّ ذنوب الإنسان التي تاب عنها ليس من حق شخص عرضها أمام الآخرين فأنت الآن في منظار الإيمان مؤمن يحتاج الى زوجة فمن تريد زوجاً مؤمناً سترضى بك خصوصاً، ومساعدة المؤمن المحتاج لها من الأجر الكثير عند الله.
وتم الأمر على عَجَل، فلمْ يكنْ هناك أسبابٌ تدعو للتأخير، فقد تم كل شيء خلال أيام قليلة، وبدأ زيد حياته الجديدة مع امرأة مؤمنة لكنّه كان متعجباً من قبولها وهي امرأة كاملة الأوصاف.
وأحبّ أن يعرف السبب في قبولها، فقالت له: إنها كانت تبحث عن زوج مؤمن وأنت كنت خياري للزواج وأنا كنت أساعد أمي وأبي الكبيرين حتى توفيا، وسألت الله أن يستخدمني في خدمة عباده لشدة ما رأيت من توفيق بسبب قيامي بمساعدة والدي طوال هذه السنين.
اخذ زيد نفساً عميقاً، وقال في نفسه: البارُّ يساعد العاقَّ فقد كنت عاقاًّ لوالدتي وكانت بارّة بوالديها فلو استمر كلّ منا في وضعه لمّا التقينا، فسبحان من جمع البرّ الى البرّ، وأوقف قطار العقوق وجعلني أبدأ صيامي بعد طول معصيتي مع زوجة مؤمنة ولو أني عرفت هذه الفتاة قبل أن تحصل هذه الحادثة لكنت لا زلت بعيداً عن ربي فسبحان من جعل البلاء طريقا للعودة والتوبة.