نَوَّهت الرواياتُ الواردة عن الصادق المصدَّق(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الأطهار(عليهم السلام) بأنّهم أنصار الحقّ، ووصفتهم إحدى الروايات بأنّهم: (...الأتقياء الأنقياء الأبرار الأصفياء وما هم في أمتي إلا كالشعرة البيضاء في الثور الأسود في الليل الغابر)[1].
وعن الإمام الصادق(عليه السلام)أنّه قال: (واللهِ لَتُمحَّصُنَّ، واللهِ لَتَطيرُنَّ يَميناً وشمالاً حتّى لا يبقى منكم إلاّ كلّ امرئٍ أخَذَ اللهُ ميثاقَه، وكَتَب الإيمانَ في قلبه، وأيّده برُوح منه)[2]. وفي رواية أخرى عنهم (عليهم السلام): (حتّى لا يبقى منكم على هذا الأمر إلاّ الأندَر فالأندر)[3].
الوجه في قلة أنصار الإمام(عجل الله فرجه الشريف): السؤال لماذا هذه القلة في الأعوان والأنصار؟! هذا سؤال كبير يحيّر الألباب، أليس الإمام(عليه السلام) شخصية ربانية ادخرها واعدّها الله تعالى لليوم الموعود؟
أليس الإمام (عجل الله فرجه الشريف)شخصية عالمية تنتظرها البشرية منذ قديم الزمان؟
أليس الجميع يدعي أنه بإنتظار قدومه وخروجه ليكون من أنصاره وأعوانه؟!
يبدو أن الأمر يتلخص كالأتي:
الأمر الأول: أن الإمام الحجّة(عجل الله فرجه الشريف) يأتيهم بخلاف ما كانوا يتصورون عنه ويعتقدون به، حيث إن تصوراتهم لا تنطبق مع حقيقة الإمام المهدي(عجل الله فرجه الشريف) الذي ادخّره الله للإصلاح، عن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام) أنه قال: (لو قد قام القائم لأنكره الناس، لأنه يرجع إليهم شابا موفقا لا يثبت عليه إلا من قد أخذ الله ميثاقه في الذر الأول).الغَيبة للنعماني:ص194. لذا فهم يواجهون الشخصية الحقيقية المخالفة لتصوراتهم السابقة، فيواجهونه بمختلف التهم والافتراءات، ويكذبون مقالته بأنه هو الحجة القائم (عجل الله فرجه الشريف) تماماً، كما كذب المشركون واليهود رسول الله(صلى الله عليه وآله) وافتروا عليه، وأثاروا الناس عليه إلى درجة أفرغوا كرشة الشاة على رأسه الشريف وهو ساجد يصلي في بيت الله الحرام، ولم يؤمنوا به لأنه جاء على خلاف تصوراتهم واعتقاداتهم السابقة، بسبب التحريف والتزييف.
الأمر الثاني: أن غالبية الناس ليسوا صادقين في أقوالهم وادعاءاتهم، فهم يطلقون شعارات التضحية والفداء في سبيل مبادئهم وقيمهم ولكن عندما يرون أن القضية تتطلب بذل المال أو النفس فعلاً فسرعان ما يتراجعون ويتهربون. فادعاء التدين والتمسك بالقيم أحاديث يتحدثون بها حينما تكون الأمور تسير على ما يرام، ولكن إذا ضاقت عليهم الحياة وتطلب الأمر الجهاد والصمود فلا ترى أحداً في الميدان إلاّ القليل، وإلى هذه الحقيقة أشار الإمام الحسين(عليه السلام) قائلاً: (الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درّت معائشهم فإذا محّصوا بالبلاء قلَّ الديانون)[4].