ليلة القدر والإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

ببعض التأمل والالتفات بدقة إلى مفاهيم سورة القدر المباركة يستطيع أن يدرك المتتبع أن فيها دلالة على وجود الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، يتضح ذلك من خلال فهم تفسير السورة، وذكرها ضمن النقاط التالية:

أولا: استند مجموعة من المفسرين إلى روايات عن أهل البيت (عليهم السلام) أن المراد بمطلع الفجر هو عصر الظهور للإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، فقد جاء في رواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) يذكر تفسيراً لقوله تعالى: (بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ) يعني حتى يخرج القائم عليه السلام)[1].  

  وفي البحار قرأ علي بن أبي طالب (عليه السلام): (إنا أنزلناه في ليلة القدر) وعنده الحسن والحسين (عليهما السلام)، فقال له الحسين (عليه السلام): يا أبتا، كأن بها من فيك حلاوة؟ فقال له: يا بن رسول الله وابني إني أعلم فيها ما لم تعلم، إنها لما نزلت بعث إلي جدك رسول الله فقرأها عليَّ، ثم ضرب على كتفي الأيمن وقال: يا أخي ووصيي، ووالي أمتي بعدي، وحرب أعدائي إلى يوم يبعثون، هذه السورة لك من بعدي، ولولدك من بعدك، إن جبرئيل أخي من الملائكة حدث إلي أحداث أمتي في سنتها، وإنه ليحدث ذلك إليك كأحداث النبوة، ولها نور ساطع في قلبك وقلوب أوصيائك إلى مطلع فجر القائم)[2].

  إذاً نفهم من هذه النقطة أن الروايات تفسّر مطلع الفجر في السورة المباركة بـ(فجر القائم) وهو فجر الظهور المبارك.

  ثانياً: إن ليلة القدر دائمة مستمرة الى يوم القيامة، كما ذكرت المصادر الكثيرة، فعن أبي ذر رضي ‌الله‌ عنه أنه قال: (قلت: يا رسول الله، ليلة القدر شيء يكون على عهد الأنبياء، ينزل فيها عليهم الأمر فإذا مضوا رفعت؟ قال: لا بل هي إلى يوم القيامة)[3].

  وإذا كانت ليلة مستمرّة فسوف تستمر معها جميع لوازمها ومتعلقاتها، ومنها تنزّل الملائكة، وبما أن تنزّل الملائكة بما قدّر فيها من الآجال والأرزاق، وكل أمر يحدث من موت أو حياة أو خصب أو جدب أو خير أو شر، وهو لا يكون إلا على النبي (صلى الله عليه وآله) أو الوصيّ، فبعد النبي (صلى الله عليه وآله) لابد وأن يكون نزولها على الأئمة (عليهم السلام) وأولهم أمير المؤمنين (عليه السلام) وآخرهم المهدي المنتظر أرواحنا له الفداء.

  ومن الروايات التي صرّحت أن الملائكة تنزل على أمير المؤمنين (عليه السلام) في ليلة القدر، ما جاء عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (كان عليّ (عليه السلام) كثيراً ما يقول: (اجتمع التيمي والعدوي عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يقرأ (إنا أنزلناه) بتخشّع وبكاء، فيقولان: ما أشد رقتك لهذه السورة، فيقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): لما رأت عيني ووعى قلبي، ولما يرى قلب هذا من بعدي، فيقولان: وما الذي رأيت وما الذي يرى؟ قال: فيكتب لها في التراب (تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر)، قال: ثم يقول: هل بقي شيء بعد قوله (كل أمر)؟ فيقولان لا، فيقول: هل تعلمان مَن المنزل عليه بذلك؟ فيقولان: أنت يا رسول الله، فيقول: نعم، فيقول: هل تكون ليلة القدر من بعدي؟ فيقولان: نعم، فيقول: فهل ينزل ذلك الأمر فيها؟ فيقولان: نعم، فيقول: فإلى من؟ فيقولان: لا ندري، فيأخذ برأسي ويقول: إن لم تدريا فادريا، هو هذا من بعدي...)[4].

  ولو قلنا بعدم نزول الملائكة على الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) لتعارض الأمر مع استمرارية ليلة القدر ولوازمها، إذاً الملائكة مستمرة في النزول على الامام الغائب من كل سنه في ليلة القدر، وهذا ما استفاده المفسرون من الروايات.

مجلة اليقين العدد (50)

 


[1] تفسير فرات الكوفي: ج1، ص582.

[2] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج25، ص71.     

[3] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج25، 98.

[4] مدينة المعاجز، هاشم البحراني: ج2، ص448.