قال تعالى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ للهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً﴾[1].
يعتبر المسجد هو المحطة الرئيسة للعبادة، لذلك صرحت الآيات والأحاديث الشريفة على أهميته وفضله على سائر البيوت، فالإنسان المسلم حينما يدخل المسجد يتعزّز لديه الجانب الروحي، مما يجعله يمتلك القوة في أداء العبادة والتي هي من أهمّ الأعمال في حياة الإنسان للتحرّك والسير على الخطّ الإلهي ومنهجه، فالمسجد هو محطّة لإمداد الإنسان بالطاقة العبادية، كما أن الصلاة هي منطلق لهذا الإمداد، فإذا كانت صلاة الإنسان غير محركة له نحو التغيير فهذا يعني وجود خلل في عملية استثماره لتلك الطاقة، ومن هنا نعرف ضرورة ارتباط الإنسان المسلم بالمسجد ليتزود بالطاقة التي تجعل منه إنساناً ملتزماً مطيعاً للمنهج الإلهي، حتى يضمن مسيرته ويضبط حركته في الحياة.
ومن جانب آخر، يُعدُّ المسجد محطة لتجمع المؤمنين ففيه يتم اللقاء بين المؤمنين، وما أحوجنا اليوم إلى القوة والوحدة والتلاحم، وكل ذلك يتحقق بارتباطنا الوثيق بالمسجد لذلك نجد الإسلام اهتم اهتماماً كبيراً بالمسجد وجعل لها أحكام وآدابا خاصة.
فضل المسجد في روايات أهل البيت (عليهم السلام):
قال رسول الله(صلّى الله عليه وآله): (في التوراة مكتوب: إن بيوتي في الأرض المساجد، فطوبى لعبد تطهّر في بيته ثم زارني في بيتي، ألا إن على المزور كرامة الزائر، بشّر المشّائين في الظلمات إلى المساجد بالنور الساطع يوم القيامة)[2].
عن الإمام الصادق(عليه السلام): (عليكم بإتيان المساجد، فإنها بيوت الله في الأرض، ومن أتاها متطهراً طهّره الله من ذنوبه وكُتب من زوّاره، فأكثروا فيها الصلاة والدعاء...)[3].
وعن الإمام علي(عليه السلام): (من اختلف إلى المسجد أصاب إحدى الثمان: أخا مستفادا في الله، أو علما مستطرفا، أو آية محكمة، أو يسمع كلمة تدل على هدى، أو رحمة منتظرة، أو كلمة ترده عن ردى، أو يترك ذنبا خشية أو حياء)[4].
وعن الإمام الصادق(عليه السلام) قال: (لا يرجع صاحب المسجد بأقل من إحدى ثلاث: إما دعاء يدعو به يدخله الله به الجنة، وإما دعاء يدعو به فيصرف الله عنه بلاء الدنيا، وإما أخ يستفيده في الله عزّ وجلّ ثم قال: قال رسول الله(صلّى الله عليه وآله): ما استفاد امرؤ مسلم فائدة بعد فائدة الإسلام مثل أخ يستفيده في الله)[5].
وروي في فضل بناء المسجد أن رسول الله(صلّى الله عليه وآله) قال: (من بنى مسجداً في الدنيا أعطاه الله بكل شبر منه مسيرة أربعين ألف عام مدينة من ذهب وفضة ودُرّ وياقوت وزمرّد وزبرجد ولؤلؤ)[6].
وعنه(صلّى الله عليه وآله): (من بنى مسجداً ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة)[7].
ويعني النبي(صلّى الله عليه وآله) بذلك من بنى مسجداً ولو كان صغيراً جداً.
ورأى النبي(صلّى الله عليه وآله): هذه الكلمات مكتوبة على الباب السادس من الجنة: (لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله من أحب أن يكون قبره واسعاً فسيحاً فليبن المساجد)[8].
وعن الإمام الصادق(عليه السلام): (من بنى مسجداً بنى الله له بيتاً في الجنة)[9].
آداب المسجد:
ونحاول هنا أن نسلّط الأضواء على بعض تلك الآداب:
1. التطيّب، ولبس الملابس النظيفة والجديدة قبل دخول المساجد، وتطييب المسجد، ووضع البخور فيه، وعدم أكل شيء يسبب خروج رائحة كريهة منه مثل البصل والثوم وغير ذلك.
2. السير بهدوء وتأنٍّ، وإذا بلغت باب المسجد فاعلم إنّك قصدت رباً عظيماً قادراً على كلّ شيء، فاعترف بعجزك وفقرك بين يديه واعلم أنه يعلم أسرارك فاخلص النية له وخاطبه بقلبك.
3. يستحب عند دخول المسجد أن يقدم رجله اليمنى عند الدخول ويقول: (بسم الله وبالله ومن الله وإلى الله وخير الأسماء كلها لله، توكلتُ على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، اللّهمّ صل على محمد وآل محمد وافتح لي أبواب رحمتك وتوبتك، وأغلق عني أبواب معصيتك، واجعلني من زوارك وعمار مساجدك، وممن يناجيك في الليل والنهار، ومن الذين هم في صلواتك خاشعون، وادحر عني الشيطان الرجيم وجنود إبليس أجمعين)[10].
4. الانشغال بذكر الله والدعاء عند المسير إلى المسجد، فعن أبي ذر... قلت يا رسول الله كيف تعمر مساجد الله؟ قال: (لا ترفع فيها الأصوات، ولا يُخاض فيها بالباطل، ولا يُشترَ فيها ولا يُباع، واترك اللغو ما دمت فيها، فإن لم تفعل فلا تلومنّ يوم القيامة إلا نفسك)[11].
5. الاستعداد للصلاة قبل وقتها، بالوضوء وتجهيز المصلى وغيره، فعن النبي(صلّى الله عليه وآله): (الجلوس في المسجد لانتظار الصلاة عبادة ما لم يحدث، قيل: يا رسول الله وما الحدث؟ قال: الاغتياب)[12].
وعنه(صلّى الله عليه وآله): (يا أبا ذر! إن الله تعالى يعطيك ما دمت جالساً في المسجد بكل نفس تنفّسْتَ درجة في الجنة، وتصلي عليك الملائكة، وتكتب لك بكل نفس تنفستَ فيه عشر حسنات، وتمحي عنك عشر سيئات)[13].
وعنه(صلّى الله عليه وآله): (كل جلوس في المسجد لغو إلا ثلاثة: قراءة مصلٍ أو ذكر الله أو سائل عن علم)[14].
6. يستحب أن يكون أول من يدخل المسجد وآخر من يخرج منه.
7. يستحب السلام على الناس في المسجد.
8. يستحب صلاة الجماعة في المسجد وعدم الانفراد في الصلاة المفروضة إذا كان هناك إمام عادل يصلي به.
9. عدم الخروج من المسجد عند سماع الآذان وأداء الصلاة فيه.
10. يصلي في المسجد من هو جارٌ للمسجد، فعن أمير المؤمنين(عليه السلام): (لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد، إلا أن يكون له عذر أو به علّة، فقيل ومن جار المسجد يا أمير المؤمنين؟ قال من سمع النداء)[15].
وعنه(عليه السلام): (شكت المساجد إلى الله تعالى الذين لا يشهدونها من جيرانها فأوحى الله عزّ وجلّ إليها: وعزتي وجلالي، لا قبلت لهم صلاة واحدة، ولا أظهرت لهم في الناس عدالة، ولا نالتهم رحمتي، ولا جاوروني في جنتي)[16].
وعنه(عليه السلام): (ثلاثة يشكون إلى الله عز وجل: مسجد خراب لا يصلي فيه أهله، وعالم بين جهال، ومصحف معلّق قد وقع عليه غبار لا يقرأ فيه)[17].
وعنه(عليه السلام): (حريم المسجد أربعون ذراعاً، والجوار أربعون داراً من جوانبها)[18].
11. أن لا يأخذ المصلي مكان مُصَلٍّ آخر وصل قبله.
12. يستحب الصلاة ركعتين عند دخول المساجد تحية المسجد.
13. عدم إدخال المجانين أو الأطفال الصغار الذين يزعجون المصلين في المسجد، فعن النبي(صلّى الله عليه وآله): (جنبوا مساجدكم مجانينكم وصبيانكم ورفع أصواتكم إلا بذكر الله تعالى، وبيعكم وشراءكم وسلاحكم، وجمّروها في كل سبعة أيام، وضعوا المطاهر على أبوابها)[19].
14. أن يسعى المصلي إلى رد المظالم وإرجاع الحقوق والاهتمام بصدق وأمانة بمحاولة تطهير نفسه من المعاصي، فمن أراد أن يستعد لمقابلة ملك من الملوك يسعى قبل مقابلته إلى محاولة إرضائه، وعمل ما يحبه ذلك الملك، فما بالك بمن يسعى إلى لقاء ربه في بيته المكرم، فعن النبي(صلّى الله عليه وآله): (أوحى الله إليّ أن يا أخا المرسلين المنذرين أنذر قومك لا يدخلوا بيتاً من بيوتي ولأحد من عبادي عند أحدهم مظلمة، فإني ألعنه ما دام قائماً يصلي بين يديّ حتى يردّ تلك المظلمة، فأكون سمعه الذي يسمع به، وأكون بصره الذي يبصر به، ويكون من أوليائي وأصفيائي، ويكون جاري مع النبيين والصدّيقين والشهداء في الجنّة)[20].
15. أن يحاول المصلّون أن يجعلوا من أجواء المسجد أجواء هداية للناس خصوصاً لمن يأتي لبيت الله طالباً التعلّم والهداية والتوبة، فالمسجد يعتبر أهم مؤسسة تعليمية تثقيفية، فالنبي(صلّى الله عليه وآله) كان يعلّم الناس في المسجد، وكان بعد كل صلاة يلقي خطبة، فيستحب أن يشكل القائمون على أمور المساجد لجاناً تعليمية تعلّم الناس الأمور الشرعية، وكيفية قراءة القرآن، والتدبّر فيه وكل ما يتعلق بأمور دينهم.
16. عدم البصق والنخامة والتجشؤ في المسجد وعدم السعال بصوت عالٍ وإغلاق أي جهاز يصدر صوتاً ويزعج المصلين.
17. تجنّبُ إنشاد الشعر للدنيا، والإعلان عن الضالّة في المسجد، وكراهة اللعب في المسجد، وأن لا يكشف الإنسان بدنه للآخرين (السرّة - الفخذ - الركبة).
18. تنظيف المسجد وعدم إلقاء أي مخلّفات في فنائِه.
19. عند الذهاب للمسجد يستحب قول: (بسم الله الذي خلقني فهو يهديني، والذي هو يطعمني ويسقيني، وإذا مرضت فهو يشفيني، والذي يميتني ثم يحييني، والذي أَطمع أن يغفر لي خطئتي يوم الدين، ربِّ هب لي حكماً وألحقني بالصالحين، واجعل لي لسان صدق في الآخرين، واجعلني من ورثة جنة النعيم واغفر لأبي)[21].
20. يستحب أن تقول عند الخروج من المسجد بعد أن تقدم الرجل اليسرى، وتصلي على النبي(صلّى الله عليه وآله): (اللّهمّ دعوتَني فأجبت دعوَتَك، وصليتُ مكتوبتك، وانتشرتُ في أرضك كما أمرتني، فأسألك من فضلك العمل بطاعتك، واجتناب معصيتك، والكفاف من رزقك برحمتك)[22].
[1] سورة الجن: آية18.
[2] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج80، ص373.
[3] المصدر السابق: ج80، ص384.
[4] وسائل الشيعة، الحر العاملي: ج5، ص197.
[5] الأمالي، الشيخ الطوسي: ص46.
[6] وسائل الشيعة، الحر العاملي: ج5، ص204.
[7] بحار الأنوار، العلامة المجلسي ج74، ص122 ح20.
[8] مستدرك الوسائل، الميرزا النوري: ج3، ص385.
[9] الكافي، الشيخ الكليني: ج3، ص368.
[10] مصباح المتهجد، الشيخ الطوسي: ص32.
[11] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج74، ص86.
[12] الكافي، الشيخ الكليني: ج2، ص256.
[13] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج74، ص86.
[14] المصدر السابق: ج74، ص88.
[15] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج80، ص379.
[16] المصدر السابق: ج80، ص348.
[17] الكافي، الشيخ الكليني: ج2، ص613.
[18] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج81، ص3.
[19] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج80، ص349.
[20] المصدر السابق: ج81، ص257.
[21] مفتاح الفلاح، الشيخ البهائي: ص32.
[22] مصباح المتهجد، الشيخ الطوسي: ص82.