التقى أمير المؤمنين جمعاً من الموالين فيهم صعصعة فقال لهم: أنتم وجوه العرب عندي ورؤساء أصحابي فأشيروا عليّ في أمرهذا الغلام المترف (يعني معاوية).
فقال صعصعة: إن معاوية أترفه الهوى، وحُبِّبت إليه الدنيا فهانت عليه مصارع الرجال ..
ثم قال: الرأي أن ترسل إليه ثقةً من ثقاتك بكتاب تدعوه إلى بيعتك، فإن أجاب وأناب كان له مالك وعليه ما عليك، وإلا جاهدتَه ...فقال علي (عليه السلام): عزمت عليك يا صعصعة إلا كتبت الكتاب بيدك وتوجهت به إلى معاوية، فامتثل لأمر إمامه (عليه السلام) حتى وقف على باب معاوية فقال لآذنه: أستأذن لرسول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فكادوا أن يقتلوه فقال: أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله ووصل الأمر لمعاوية فقال من هذا؟
قيل له: صعصعة بن صوحان معه كتاب من علي، فقال معاوية: هذا أحد سهام علي وخطباء العرب ولقد كنت إلى لقائه شيقاً، فدخل فقال: السلام عليك يا معاوية، هذا كتاب أمير المؤمنين.
فقال معاوية: أما أنه لو كانت الرسل تُقتَل لقتلتك وسأله اختباراً: ممن الرجل؟ فأجاب صعصعة: من نزار، قال معاوية: وما كان نزار؟قال صعصعة: كان إذا غزا نكس، وإذا لقي افترس، وإذا انصرف احترس، ثم أجابه عن سؤاله عن جد آخر: كان في الحرب سيفاً قاطعاً، وفي المكرمات غيثاً نافعاً، وفي اللقاء لهباً ساطعاً، قال معاوية فما تركت لهذا الحي من قريش مجداً ولا فخراً، قال صعصعة: بلى والله تركت الأحمر والأبيض، والأصفر والأشقر، والسرير والمنبر، والملك إلى يوم المحشر، وأنى لا يكون لهم ذلك كذلك وهم منار الله في الأرض ونجومه في السماء.
ففرح معاوية ظاناً أن ابن صوحان يمدح قريشاً كلها فقال: صدقت يا ابن صوحان0
فعرف صعصعة مراد معاوية فقال: ليس لك ولا لقومك في ذلك إصدار ولا إيراد بعدتم عن أنف المرعى، وعلوتم عن عذب الماء.
وفي رواية أنّ معاوية قال يوماً: الأرض لله وأنا خليفته، ما أخذتُ فلي حلال، وما تركت للناس فلي عليهم فيه مِنّةٌ، فقال صعصعة: ما أنت وأقصى الأمة فيه إلا سواء، ولكن مَن ملكَ استأثر، فغضب معاوية وقال: لقد هممتُ (أراد معاوية بذلك تهديد صعصعة).
فقال صعصعة: ما كل من همّ فعل، فقال: معاوية ومن يحول بيني وبين ذلك؟، قال صعصعة: الذي يحول بين المرء وقلبه. ومهما يكن من أمر، فقد ركب معاوية رأسه ولم ينصع لدعوات السلم فلم يكن بد من الحرب تنفيذاً لأمر الله تعالى في مقاتلة البغاة فكانت موقعة صفين وقد أبلى بها صعصعة وصحبه بلاءً حسناً تحت راية بطل المشارق والمغارب أسد الله الغالب سيد الوصيين علي بن أبي طالب صلوات ربي وسلامه عليه.
المصدر: مجلة اليقين العدد (5)، الصفحة (7).