الرؤى والأحلام

غالباً ما يسرح النائم في عالم الأَحلام والرؤى، فترى عيناه مواقف غير متقيدة بزمن، فتارة يرى طفولته، وأُخرى يرى من نفسه شيخاً كبيراً، وتارة يرى نفسه وسط معارك وحروب، أو مواقف أخرى، خاصة أو عامة، وهو تبعاً للحالة التي تراها عيناه، يستأنس ويشعر بالراحة لبعض المشاهد، ويتمنى لو أنها طالت واستمرت من دون انقطاع، وقد ينزعج من مشاهدة الكثير من الأَحلام المهولة والمفزعة.

وما ينفك النائم مستيقظاً حتى يسأل نفسه عن حقيقة هذه المشاهدات وعلاقتها بالواقع، وهل تترتب عليها آثار سلبية أو إِيجابية في حياته أَو لا؟

إِنّ حقيقة الرؤى والأَحلام لا تزال خافية حتّى على العلماء ذوي الاختصاص، لذلك اختلفت وجهات نظرهم في تفسيرها، فمنهم من حاول حصر الأَحلام في البعد النفسي فقط، ولم ينظر إِليها إِلا من هذه الزاوية، فقال إِنّ الأَحلام تلجأُ إِلى الرموز لتخفي الأَغراض التي يحظرها المجتمع.

وكان المتنبؤون بالأَمس يقولون: (أَخبرنا بأَحلامك نخبرك بمستقبلك)، واليوم يقول أَطباء النفس: (أَخبرنا بأَحلامك نشخِّص مشكلاتك).

ومع ذلك فإِن الأَمر المتفق عليه هو أَن مشاهدة الأَحلام أَمر ثابت لا نقاش فيه، وما يهمنا هنا هو النظرة الإِسلامية بالنسبة إِلى الرؤى والأَحلام، ومدى صحة الاعتماد على أَمثال هذه المشاهدات من المنظار الإِسلامي.

سأل محمدُ بن القاسم النوفلي الإمامَ جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام) أَسئلةً حولَ حقيقةِ المشاهدِ والأَشياءِ التي يشاهدها النائم، فأَجابهُ الإِمام(عليه السلام) عنها باختصار، واليك نصُّ الرواية:

قال: قلت لأَبي عبد الله الصادق(عليه السلام): المؤمن يرى الرؤيا فتكون كما رآها، وربما رأى الرؤيا فلا تكون شيئاً؟

فقال: (إِن المؤمن إِذا نام خرجت من روحه حركةٌ ممدودةٌ صاعدة إِلى السماء، فكل ما رآه روح المؤمن في ملكوت السماء في موضع التقدير والتدبير فهو الحق، وكل ما رآه في الأَرض فهو أَضغاث أَحلام).

فقلتُ له: أَوَ تصعدُ روحٌ إِلى السَّماء؟

قال: نعم.

قلت: حتى لا يبقى منها شيء في بدنه؟

فقال: لا، لو خرجت كُلّها حتى لا يبقى منها شيءٌ، إِذن لمات.

قلت: فكيف تخرج؟

فقال: أَما ترى الشمس في السماء في موضعها وضوئها وشعاعها في الأَرض؟ فكذلك الروح أَصلها في البدن وحركتها ممدودة إِلى السماء)[1].

هذا من ناحية تحليل حقيقة الرؤى والأحلام، أَما من ناحية قيمتها الشرعية والاعتماد على مدلولها وتفسيرها في انطباقها على الحوادث المختلفة في حياة الإنسان، فهي لا تعدو كونها من باب التخمين والحدس، وبالتالي لا يعتمد عليها، لأنَّ الحدس قابل للخطأ إِلا إِذا كان يرجع الى المعصومين (عليهم السلام) بطريق معتبر.

مجلة اليقين العدد (25)

 


[1] أَمالي الشيخ الصدوق: 209.