مسجد «الجند» في اليمن

مسجد «الجند» في اليمن

مسجد «الجَنَدْ» في اليمن بناه معاذ بن جبل بأمر الرسول (صلى الله عليه وآله)

يمثل جامع الجَنَدْ باليمن حقبة مثقلة بالشجن، يتماهى فيها الديني بالتاريخي في حيز مكاني، آسر يجبرك وأنت تتجول في رحابه على أن تختزل التاريخ في لحظات عجلى، تحتشد فيها صور زاهية الألوان بديعة الخطوط والظلال، تشير جميعها إلى حقيقة واحدة ظلت حاضرة عند اليمنيين على مدى قرون متطاولة، عنوانها من هنا أشرق نور الهداية، وهنا صلى معاذ بن جبل.

يقع جامع الصحابي الجليل معاذ بن جبل في القسم الشمالي الشرقي من مدينة الجَنَدْ الواقعة على بعد 22 كم شمال شرق مدينة تعز، ويعود تأسيسه إلى عهد النبي (صلى الله عليه وآله) في السنة السادسة، وقيل التاسعة من الهجرة النبوية.

ويعد جامع الجَنَدْ من أقدم مساجد اليمن وأكثرها شهرة وقدسية من المساجد الأخرى في البلاد، ومرد شهرته ومكانته تعود إلى عدة أسباب وهي: أن أول من وضع حجر أساسه وبناه هو الصحابي الجليل معاذ بن جبل الذي كلّفه الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) بالذهاب إلى اليمن ليكون والياً عليها، وليدعو أهلها إلى الإسلام، ومن أسباب اشتهاره دقة اختيار الموقع الذي بني فيه.

كما ورد في كتب السيرة أن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أمر معاذاً بأن يبني المسجد في الجند بين السكاسك والسكون قائلاً له: (يا معاذ انطلق حتى تأتي الجند فحيثما بركت هذه الناقة، فأذّن وصلِّ، وابتنِ مسجداً)[1]،  وقد أقام المسجد حيث بركت ناقته.

ومن أسباب اشتهاره: أن الكثير من اليمنيين من كل أصقاع البلاد يقصدونه في أول جمعة من شهر رجب في كل سنة للصلاة فيه، ويرتدون الملابس الجديدة احتفاء بذكرى هذه المناسبة التي تذكر المصادر بأنها أول جمعة تقام في اليمن، وخطب فيها الصحابي معاذ بن جبل.

مخلاف الجَنَدْ:

الجَنَدْ كانت حينها أهم مخاليف اليمن وهي تنسب إلى جند بن شهرات أحد بطون قبيلة المعافر، إذ كانت تقسم اليمن حينئذاك إلى ثلاثة أقاليم مخاليف هي الجَنَدْ وحضرموت وصنعاء، أما اليوم فلم تعد من شهرة للمكان سوى بقاء هذا المعلم الديني العريق صامدا، رغم انه يشكو الإهمال الذي يتعرض له منذ عقود خاصة الأخيرة منها.

شكل مختلف:

والمبنى الذي شَيَّده الصحابي معاذ بن جبل يختلف كلياً عما هو عليه حالياً، وليس من أثر للصحابي سوى محرابه الذي حرصت على إبقائه كل التجديدات المتعاقبة على المسجد، ومساحته الحالية تقدر بحوالي 4365 متراً مربعاً.

ويضم صحنه (الفناء) الأوسط المكشوف والذي وضع فيه عمود مربع، ارتفاعه متران، ويستخدم كمزولة لتحديد أوقات الصلاة، وتحيط به أبنية مظللة من الجهات الأربع تشرف على الصحن من ثلاث جهات، هي الشرقية، والجنوبية، والغربية، أما الجهة الشمالية ففيها قبلة المسجد ومحرابه للصلاة، وهي الأكثر عمقاً، وتُطلّ المظلات على الصحن بأقواس عالية متجاورة، أضفت على المنظر هالة البناء الإسلامي العريق، وتنتصب في الجزء الجنوبي الغربي من زاويته مئذنة تتكون من جزء سفلي اسطواني يعلوه شكل مثمن، ومن فوقه شكل مسدس، وتنتهي بقبة جميلة.

ويشير محمد بن عبد الرحمن علوي إلى قيم الجامع والتجديدات التي توالت عليه عبر التاريخ، وأهمها ما قام به وزير السيدة بنت أحمد الأفضل ابن أبي البركات سنة (480هـ - 1087م) كما أوصلت الماء من جبل التعكر الذي يبعد 60 كم، ومن وادي السودان القريب من مدينة القاعدة عبر ساقية عرفت بساقية الجند، يتخللها أفلاج عجيبة وعقود يقارب ارتفاعها 600 ذراعاً، واستمرت تزود الجامع بالمياه حتى أواخر ستينات القرن الماضي وآثارها لا تزال باقية إلى الآن.

المصدر: بيوت المتقين (54) شهر شعبان 1439هـ

 


[1] كفاية الطالب اللبيب، جلال الدين السيوطي:ج2، ص107.