عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) الناس بصفين فحمد الله وأثنى عليه وصلى على محمد النبي (صلى الله عليه وآله) ثم قال: «... فهلم أيها الناس إلى التعاون على طاعة الله عز وجل والقيام بعدله والوفاء بعهده والانصاف له في جميع حقه، فإنه ليس العباد إلى شيء أحوج منهم إلى التناصح في ذلك وحسن التعاون...»[1].
حرص الإسلام على قوة المجتمع المسلم في وجه المحن كافة، وحرص على مناعة الجبهة الداخلية في المجتمع، فوضع من القيم الأخلاقية الاجتماعية ما يحقق ذلك، ومن ذلك التضامن والتعاون، وهما قیمتان تحملان معنى المساعدة والشعور مع الغير، ومع ذلك فثمة فروق بسيطة بينهما، وهناك مظاهر للتضامن، وهناك أهمية له في المجتمع.
الفرق بين التضامن والتعاون: التضامن خلق إسلامي عظيم يعبر عن عطف الفئات القوية وتعاونها مع الفئات الضعيفة، کتضامن القوي مع الضعيف، والغني مع الفقير، والتضامن مع المرضى في الأمراض الخطرة والأوبئة، وهكذا نجد أن هناك فئتين: فئة قوية وأخرى ضعيفة.
أما التعاون فيحمل معاني التضامن ویشترك في بعضها، لكن التعاون فيه معنى النديّة في التعامل، بمعنى أن تكون الفئتان متكافئتين في درجة القوة والمكانة الاجتماعية والخصائص والمميزات، لكنهما احتاجا للتعاون فيما بينها، لتحقيق مصلحة مشتركة، كإنجاز عمل محدد، أو دفع ضرر قادم، أو صد عدوان مشترك، ففي التعاون معنى المشاركة، وفي التضامن معنى المعاونة والعطف والمواساة. ومن أمثلة التضامن: تضامن الدولة القوية مع الدول والشعوب المستضعفة، ومثال التعاون، التعاون في بناء البيت، والتعاون في زراعة الأرض، وغير ذلك.
مظاهر التضامن وأمثلته:
- مواجهة الفقر والبطالة، وذلك من خلال تقديم الدعم الاقتصادي للشعوب الضعيفة، من خلال المساعدات المالية، والعينية، وتوفير فرص عمل ومشاريع حيوية في المجتمعات.
- مواجهة الكوارث الطبيعية: كإيواء متضرري الزلازل، والفيضانات، والحرائق، وتقديم العلاج والدعم المادي لهم.
التضامن مع متضرري الحروب، بتقديم شتی أنواع الدعم لهم، كالمادي، والطبي، والنفسي والتعليمي، والاجتماعي.
- مواجهة الأوبئة والأمراض الخطرة: وذلك من خلال توفير العلاج المناسب وفي الوقت المناسب، وإمداد المشافي في الأماكن المتضررة بما يلزم، من كوادر طبية، وأدوية مناسبة.
التضامن النفسي:
خاصة مع متضرري الحروب من فئات الأطفال والنساء. التضامن السياسي، بتضامن الدول القوية مع الدول الضعيفة والمستضعفة التضامن الاقتصادي، بسد احتياجات الدول والشعوب في الأزمات المالية. التضامن مع الحالات الخاصة في المجتمع، كالتضامن مع ذوي الإعاقة، وتقديم الدعم المناسب لهم، كالدعم التعليمي، والنفسي، والاجتماعي، وغير ذلك.
التضامن التعليمي:
تقديم الدعم والخبرات اللازمة في مجال التعليم، كتقديم الدراسات المناسبة، والمشاريع التعليمية الحيوية والمهمة، وسبل النهوض بالتعليم.
أهمية التضامن وآثاره:
تقوية النسيج الاجتماعي بين الشعوب. اختصار الجهود وتبادل الخبرات. اندماج الفرد وانصهاره في المجتمع وتقليص ظاهرة الأنانية. تعزيز الانتماء للمجتمع، إذ يشعر الفرد مع غيره ويبذل من أجله. تعزيز القيم النبيلة في المجتمع. نصرة الشعوب المستضعفة. تقوية المجتمعات وتماسكها وترابطها. تشجيع ثقافة التعايش بين الدول والشعوب. القضاء على الأخطار المحدقة بالمجتمعات، كأخطار الأوبئة، وآثار الحروب، ومطامع الاحتلال وهيمنة الدول الطامعة على الشعوب الضعيفة، وغير ذلك.
إن مجتمعا تتحقق فيه قيم التضامن والتعاون هو مجتمع حي، جدير بالحياة الحقة التي ترفل بالسعادة والاستقرار والأمن والأمان، وهذا بخلاف المجتمعات المنغلقة على ذاتها، فهي مجتمعات يتوغل في صفوفها التخلف، وتعمها الفوضى، وتواجه هزات الحياة وتقلبات الزمن وحدها، فتعيش على فتات الدول والمساعدات.
ومما يؤكد على أهمية التعاون عن مسمع أبي سیار، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «من نفس عن مؤمن کربة نفس الله عنه کرب الآخرة، وخرج من قبره وهو ثلج الفؤاد، ومن أطعمه من جوع أطعمه الله من ثمار الجنة، ومن سقاه شربة سقاه الله من الرحیق المختوم»[2].
وقفة:
يُحكى أن رجلاً تعرض لحادثة في صغره أفقدته إحدى قدميه، فحصل على قدم اصطناعية تُمكّنه من السير، إلا أنه كان يعاني من العَرَج. وفي يوم من الأيام خرج هذا الرجل للتنزه، وقابل خلال نزهته رجلا أعمى ليصبحا أصدقاء ويبدا بالتنزه معاً، وصل الرجلان أثناء نزهتها إلى نهر، فأرادا عبوره، ولكن أيّاً منهما لم يستطع عبور النهر وحده، فالرجل الأعرج تعيقه قدمه الاصطناعية، أما الأعمى فلم يستطع رؤية الطريق أمامه، ولم يجدا أمامهما حلّاً سوى التعاون بينهما، فحمل الرجلُ الأعمى الرجلَ الأعرج على ظهره، وبدأ الأعرج يدل الأعمى على الطريق واتجاه السير، وبذلك فقد عبر الاثنان النهر دون أي مشاكل.