الخادم وكيس الذهب

عزم قوم من أهل الثراء في بلاد الشام على الحج، فأرادوا أن يصحبهم من يقوم على خدمتهم، فأشار البعض عليهم برجل خدوم طباخ خفيف الظل، لم يحجّ بعد. فعرضوا عليه أن يصحبهم ويخدمهم، فيصنع طعامهم ويقضي حوائجهم، وتكون أجرته هي الحجّ معهم، فوافق فرحاً على ذلك، وكان الحج من أمانيه التي حال بينه وبينها الفقر.

عندما وصلوا إلى مكة استأجروا بيتاً، وخصصوا فيه حجرة تكون مطبخاً، وبدأ الخادم بالعمل جاداً فرحاً. فوجئ الخادم ذات يوم وهو يدق بالهاون (وهي آلة تُدق بها الحبوب القاسية) أن أرض الغرفة تُطَبْطِبُ وتهتز وتوحي بأنّ شيئاً مدفوناً في قعرها. فدعته نفسه أن يبحث عن المُخبَّأ فلعل رزقاً ينتظره في جوف الأرض، وكانت المفاجأة السعيدة: كيسٌ من الذهب في صندوق صغير من الحديد.
التفت يمنة ويسرة لئلا يكون أحد قد اطلع على الرزق المستور، وبعد تفكير رأى أن يعيده إلى مكانه حتى يأذن القوم بالرحيل فيأخذه معه، ويخفيه عنهم. وبدأ مع تلك الساعة سيل الأفكار والأماني، ماذا يصنع بهذا المال؟

وكيف سيودّع أيام الفقر والحاجة؟ ونسي في غمرة ذلك أن هذا المال حرام عليه، في بلد حرام لا تحل لقطته.

لما آذنوا بالرحيل جعل كيس الذهب بين متاعه، وحملها على جمله، وأحكم إخفاءها.

وعندما وصلوا منطقة قرب تبوك نزلوا ليرتاحوا، ونزل صاحبنا وبدأ عمله المعتاد في الخدمة والطبخ. وفجأة شرَدَ جمل الخادم بما حمل، فتسارع القوم لردّه وكان أشدّهم في ذلك صاحبه، ولكنّ الجمل فات على الجميع ولم يدركه أحد.
في العام الذي يليه رغب آخرون من الأثرياء الحجّ، وسألوا عمّن يرافقهم، ويقوم بخدمتهم، فأوصاهم الأوّلون بصاحبنا ومدحوه لهم، وأثنوا على عمله خيراً.

وفي طريقهم للحج، نزلوا منزلاً قريباً من المنزل الذي فقد فيه صاحبنا جمله. ولما ذهب لقضاء حاجته مرّ ببئر مهجورة، فأطلّ فيها فوجد في قاعها أثر جمل ميت، فنزل والأمل يحدوه أن يكون الجملُ جملَه.

فوجد جمله بالفعل ميتاً، قد بليت عظامه، وأما المتاع وكيس الذهب فكانت حالتهما كما هي لم ينقص منهما شيء.
أخذ الخادم الذهب وأخفاه، وعادت إليه أفراحه وأمانيه.

وسكن مع أصحابه في البيت نفسه، واتخذ من الحجرة التي خصصت له مطبخاً، ورأى أن يعيد المال إلى مكانه، ريثما ينتهي الحج فيأخذه مرة أخرى.

في تلك الأيام جاء رجل هِنْدي، لعله صاحب البيت، وطلب أن يأخذ شيئاً من البيت فأذنوا له، فدخل حجرة صاحبنا، وقصد إلى موضع الصندوق فحفر ثم أخرج الصندوق، وكان الخادم ينظر إليه وهو في غاية الذهول، فلمّا رآه قد عثر عليه، وأخذه استوقفه قائلاً له: ما هذا الذي أخذت؟

قال الهندي: ذهبٌ كنت خبّأته في هذا الموضع من سنين، وقد احتجته اليوم فجئت لآخذه.

لم يتمالك صاحبنا نفسه أن قال للهندي: وهل تعلم أن مَالَكَ هذا قد وصل إلى أطراف بلاد الشام، ثم عاد إلى هذه البقعة لم ينقص منه شيء.

قال الهندي: والله لو طاف الأرض كلها لعاد إلى مكانه، وما ضاع منه شيء لأني أزكيه كل عام، لا أترك من زكاته شيئا، واستودعته ربي فمن استودع ربه شيئاً، فإنه سيحفظه له بإذن الله، وقد حفظه الله لي..

المصدر: مجلة بيوت المتقين، العدد (48)، صفحة (30)