بالنظر لطبيعة المرأة النفسية والوظيفية فإنها قد يكون نظرها في سلوكها وأعمالها نظراً آنيّاً قصيراً، لا يتعدى قضاء حاجات اليوم والليلة، بحيث تبيت الأسرة وهي متكاملة الحاجات، وفي غاية الاستقرار، كما أن عواطفها وجهدها النفسي متعلق بهذه المسافة الأسرية القصيرة.
أما إذا ترقّت المرأة إلى مستوى المسؤولية في تبني رسالة أبعد، فسوف تتغير عواطفها وانفعالاتها وسلوكها بما تقتضيه هذه الرسالة، وهكذا كانت عقيلة الطالبيين السيدة زينب(عليها السلام) حينما حدثت الفاجعة الكبرى بمقتل أخيها الحسين(عليه السلام) بعد قتل كل رجالات بيتها وأنصارهم خرجت السيدة زينب تعدو نحو ساحة المعركة، تبحث عن جسد أخيها الحسين بين القتلى غير عابئة بالأعداء المدججين بالسلاح، فلما وقفت على جثمان أخيها العزيز الذي مزقته سيوف الحاقدين وهي تراه جثة بلا رأس مقطع إرباً إرباً، فالكل كان يتصور أنها سوف تموت أو تنهار وتبكي وتصرخ أو يغمى عليها، لكن ما حدث هز أعماق الناظرين، فأمام تلك الجموع الشاخصة بأبصارها إليها جعلت تطيل النظر إليه فوضعت يدها تحت جسده الطاهر المقطع وترفعه نحو السماء وهي تدعو بمرارة قائلة «اللهم تقبل منا هذا القربان».
أي كلام تنطق به هذه السيدة، إن كان لا يعدى عدة كلمات إلا أنه كبير وعميق في مغزاه ومحتواه، بهذا الكلام هزت الجيش الأموي، كانت كالعاصفة دمرت الطغاة القتلة أعداء الرسول من الأعماق، فقد كانوا يتصورون عندما ترى السيدة زينب (عليها السلام) هذا المشهد المرعب والمريع سوف تضعف وتنهار لكنها كانت صامدة وصابرة ولم تنهار وإنما أعطت الأمة دروساً قيمة في التضحية من أجل العقيدة حينما دعت الله تبارك وتعالى أن يتقبل من هذا البيت الطاهر قربان العقيدة وفداء الإيمان.
المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (53)