صلاح الباطن في أشهر الله

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الخلق وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم من الأولين والآخرين.

اهتم الدين الإسلامي بصلاح الباطن البشري اهتماماً بالغاً، بل يمكن القول إن الهدف الأسمى من بعثة الأنبياء (عليهم السلام) وإنزال الرسالات هو إصلاح باطن الإنسان وسريرته، لأن الإصلاح الباطني كفيل بإصلاح الحياة ونواحيها والأرض وما عليها، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) مشيراً إلى هدفية بعثته المباركة بل بعث الأنبياء (عليهم السلام) من قبله: (بُعِثْتُ بِمَكَارِمِ الأَخْلَاقِ وَمَحاسِنِهَا)[1]، أي: بصلاح النفس البشرية بالفضائل والأخلاق الباطنية النبيلة، ومعلوم لدىالجميع أن موطن الأخلاق وفضائلها هو قلب الإنسان، والذي بصلاحه يصلح ظاهر الإنسان وعلانيته، قال تعالى: (إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)[2]، ولم يكتف الإسلام بإرشاداته وتعاليمه النظرية في الكتاب العزيز والسنة المعصومة المطهرة فحسب، بل عمد الإسلام إلى الكثير من البرامج والطرق العملية والتطبيقية المتنوعة في برمجة الإرشادات والتعاليم الإسلامية النظرية إلى تطبيق وعمل ملموس في عملية تنقية وتنظيف باطن الإنسان من الأدران والأوساخ التي تَعْلَقُ بالقلب جراء تعاطي الذنوب والمعاصي، ومن البرامج العملية والتطبيقية في إصلاح باطن الإنسان وسريرته هو الدعوة الإلهية إلى الاهتمام بإحياء أيام شهر (رجب الأصب)، من خلال التوجّه إلى المولى تعالى بالتفكُّر والتأمل وتفريغ شيءٍ من الوقت للخلوة بالله تعالى وأداء بعض المستحبات والسنن المندوبة في هذا الشهر الفضيل (وكذا في شهري شعبان ورمضان)، وأن يكون للإنسان في تلك الأيام مساحة كبيرة من العبادة الواعية المثمرة، وأن يكون التأمل في إصلاح النفس وتهذيبها وتسييرها نحو الهدف المنشود هو جزء العبادة المهم في هذه الأيام الرجبية المباركة، لأن معرفة النفس والوقوف على زواياها وخفاياها توصل إلى معرفة الحق تعالى، قال تعالى: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ)[3]، وجاء عن مولى الموحدين عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام): (عَجِبْتُ لِمَنْ يَجْهَلُ نَفْسَهُ كَيْفَ يَعْرِفُ رَبَّهُ)[4]، وقال (عليه السلام) أيضاً: (لا تَجْهَلْ نَفْسَكَ؛ فَإِنَّ الْجَاهِلَ مَعْرِفَةَ نَفْسِهِ جَاهِلٌ بِكُلِّ شَيءٍ)[5]، نسأله تعالى أن يأخذ بأيدينا إلى صلاح النفس وصلاح البلاد والعباد إنه سميعٌ عليمٌ.

مجلة اليقين العدد (47)

 


[1] بحار الأنوار: ج 16، ص287.

[2] الرعد: 11.

[3] فصلت: 53.

[4] غرر الحكم: ح6270.

[5] غرر الحكم: ح10337.