1- عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ هِلَالٍ قَالَ: سَأَلْتُ الرِّضَا (عليه السلام) عَنْ قَوْلِ الله: (الله نُورُ السَّماواتِ والأَرْضِ)، فَقَالَ: هَادٍ لأَهْلِ السَّمَاءِ وهَادٍ لأَهْلِ الأَرْضِ، وفِي رِوَايَةِ الْبَرْقِيِّ: هُدَى مَنْ فِي السَّمَاءِ وهُدَى مَنْ فِي الأَرْضِ)[1].
2- عَنِ ابْنِ أَبِي يَعْفُورٍ قَالَ: (سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) عَنْ قَوْلِ الله عَزَّ وجَلَّ (هُوَ الأَوَّلُ والآخِرُ)، وقُلْتُ: أَمَّا الأَوَّلُ فَقَدْ عَرَفْنَاه وأَمَّا الآخِرُ فَبَيِّنْ لَنَا تَفْسِيرَه، فَقَالَ: إِنَّه لَيْسَ شَيْءٌ إِلَّا يَبِيدُ أَوْ يَتَغَيَّرُ أَوْ يَدْخُلُه التَّغَيُّرُ والزَّوَالُ أَوْ يَنْتَقِلُ مِنْ لَوْنٍ إِلَى لَوْنٍ ومِنْ هَيْئَةٍ إِلَى هَيْئَةٍ ومِنْ صِفَةٍ إِلَى صِفَةٍ ومِنْ زِيَادَةٍ إِلَى نُقْصَانٍ ومِنْ نُقْصَانٍ إِلَى زِيَادَةٍ إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ فَإِنَّه لَمْ يَزَلْ ولَا يَزَالُ بِحَالَةٍ وَاحِدَةٍ هُوَ الأَوَّلُ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ وهُوَ الآخِرُ عَلَى مَا لَمْ يَزَلْ ولَا تَخْتَلِفُ عَلَيْه الصِّفَاتُ والأَسْمَاءُ كَمَا تَخْتَلِفُ عَلَى غَيْرِه، مِثْلُ الإِنْسَانِ الَّذِي يَكُونُ تُرَاباً مَرَّةً ومَرَّةً لَحْماً ودَماً ومَرَّةً رُفَاتاً ورَمِيماً، وكَالْبُسْرِ الَّذِي يَكُونُ مَرَّةً بَلَحاً ومَرَّةً بُسْراً ومَرَّةً رُطَباً ومَرَّةً تَمْراً فَتَتَبَدَّلُ عَلَيْه الأَسْمَاءُ والصِّفَاتُ والله جَلَّ وعَزَّ بِخِلَافِ ذَلِكَ) [2].
3 - عَنْ مَيْمُونٍ الْلبَانِ قَالَ: (سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) وقَدْ سُئِلَ عَنِ الأَوَّلِ والآخِرِ فَقَالَ الأَوَّلُ لَا عَنْ أَوَّلٍ قَبْلَه ولَا عَنْ بَدْءٍ سَبَقَه والآخِرُ لَا عَنْ نِهَايَةٍ كَمَا يُعْقَلُ مِنْ صِفَةِ الْمَخْلُوقِينَ، ولَكِنْ قَدِيمٌ أَوَّلٌ آخِرٌ لَمْ يَزَلْ ولَا يَزُولُ بِلَا بَدْءٍ ولَا نِهَايَةٍ لَا يَقَعُ عَلَيْه الْحُدُوثُ ولَا يَحُولُ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ)[3].
4- عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَمَّنْ ذَكَرَه عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) قَالَ: (قَالَ رَجُلٌ عِنْدَه: الله أَكْبَرُ، فَقَالَ: الله أَكْبَرُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ؟ فَقَالَ: مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): حَدَّدْتَه، فَقَالَ الرَّجُلُ: كَيْفَ أَقُولُ؟ قَالَ: قُلْ: الله أَكْبَرُ مِنْ أَنْ يُوصَفَ)[4].
الشرح:
روي أن رجلا قال عند الإمام الصادق (عليه السلام): (الله أَكْبَرُ، فَقَالَ (عليه السلام): الله أَكْبَرُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ؟) الغرض استعلام حاله هل يعلم ذلك أم لا، (فَقَالَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) لأن عظمته ذاتية مطلقة، فإذا اعتبرت فيه الإضافة لحقته على الإطلاق غير مقيدة ببعض الأشياء دون بعضها، (فَقَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): حَدَّدْتَه) بالتخفيف من الحدِّ، يعني: شرحت عظمته بوجه، وبالتشديد من التحديد، يعني: جعلتها محدودة متعينة بنحو، وهو أنه أكبر من كل شيء، فإن فيه دلالة على أن في المفضل مثل ما في المفضل عليه من الكبر والعظمة مع زيادة، وإن كانت تلك الزيادة هنا غير متناهية.
ولا شبهة في أن عظمة المفضل عليه، أي: (كل شيء) محدودة متناهية، فإذا اعتبرتها في المفضل، أي: الله تعالى، فقد حددته بأن له هذا المقدار من العظمة مع زيادة، وهذا نحو من تحديده وتوصيف عظمته والإحاطة بها (فَقَالَ الرَّجُلُ: كَيْفَ أَقُولُ؟ قَالَ: قُلْ: الله أَكْبَرُ مِنْ أَنْ يُوصَفَ) بشيء من الأشياء، وبنحو من الأنحاء، حتى التوصيف بأنه أكبر من كل شيء. ففي هذه الكلمة الشريفة تنزيه كلي له عن أي وصف من الأوصاف ونعت من النعوت وحد من الحدود.
وبالجملة تفسير السائل إشارة إلى أنا وجدنا عظمته فوق عظمة غيره على الإطلاق، وهذا لا يخلو من تحديد عظمته بوجه ما ولو بفرض العقل، وتفسيره (عليه السلام) إشارة إلى عجز العقل عن إدراك عظمته وغيرها من الصفات، وعن توصيفه بشيء منها وبينهما بون بعيد.
5- عَنْ هِشَامٍ الْجَوَالِيقِيِّ قَالَ: (سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) عَنْ قَوْلِ الله عَزَّ وجَلَّ: (سُبْحانَ الله) مَا يُعْنَى بِه؟ قَالَ: تَنْزِيهُه) [5].
الشرح:
أي: (تَنْزِيهُه) عن النقائص والمعايب وغيرهما مما لا يليق بجناب الحق وساحة القدس، مثل: الضد والند والشريك والنظير والتشابه بالخلق والاتصاف بالصفات والتكيف بالكيفيات، وإنما حُذف متعلق التنزيه للدلالة على التعميم.
6- عَنْ أَبِي هَاشِمٍ الْجَعْفَرِيِّ قَالَ: (سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ الثَّانِيَ (عليه السلام): مَا مَعْنَى الْوَاحِدِ؟ فَقَالَ: إِجْمَاعُ الأَلْسُنِ عَلَيْه بِالْوَحْدَانِيَّةِ، كَقَوْلِه تَعَالَى: (ولَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ الله)[6].
الشرح:
قول أبي هاشم الجعفري: (سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ الثَّانِيَ (عليه السلام): مَا مَعْنَى الْوَاحِدِ؟) سأل عن تفصيل معناه وتفسير مغزاه.
(فَقَـــــــــالَ: إِجْمَـــــــاعُ الأَلْسُـــــنِ عَلَيْه بِالْوَحْدَانِيَّةِ) أي تفـــرده بالإلوهية ووجوب الوجود وسائر ما يختص به، فهو فرد لا يشاركه أحد بهذه الأوصاف، وإنما أجاب بالمشتق منه، أي: الصفات المشتقة من ذاته، والتي يتفرد بها سبحانه، مع أن السؤال عن المشتق، أي: نفس الذات المقدسة المتصفة بهذه الصفات، لأن المشتق لا يمكن معرفته إلّا بمعرفة المشتق منه، لأن ذاته سبحانه لا تعرف إلا عن طريق صفاته، والمراد بإجماع الألسن المقالية، أي: لسان القول، على سبيل الاختيار والاضطرار، أي: سواء كان باختيار الشخص المؤمن، وهو واضح، أو باضطرار الشخص غير المؤمن، وذلك عند الشدائد والمحن، كما ورد عن رجل قال للإمام الصادق (عليه السلام): يا بن رسول الله دلني على الله ما هو فقد أكثر علي المجادلون وحيروني. فقال له: يا عبد الله هل ركبت سفينة قط؟ قال: نعم. قال: فهل كسرت بك حيث لا سفينة تنجيك، ولا سباحة تغنيك؟ قال: نعم. قال: فهل تعلق قلبك هنالك أن شيئا من الأشياء قادر على أن يخلصك من ورطتك؟ قال: نعم. قال الصادق عليه السلام: فذلك الشيء هو الله القادر على الانجاء حيث لا منجي، وعلى الإغاثة حيث لا مغيث)[7]، أو إجماع الألسن الحالية، من تشبيه غير المحسوس بالمحسوس، فيقال: لسان حال هذا الشخص أنه محتاج، بنطق العجز والافتقار، بمعنى: أن عجزه وافتقاره إلى الله في سائر شؤون حياته يحكيان عن وحدانيته، لأن الكل محتاج إليه لا إلى غيره، كَقَوْلِه تَعَالَى: (ولَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ الله) انطباقه على الاحتمال الأول، أي: القول باللسان التكويني الطبيعي، ظاهر، لأن الظاهر أنهم كانوا يقولون ذلك بلسان المقال على تقدير السؤال، وسر ذلك، أن الله تعالى وهب كل نفس قسطاً من معرفته حتى نفوس الجاحدين له فإنها أيضاً معترفة بوجوده ووحدانيته وإيجاده لهم، لشهادة أعلام وجوده وآيات صنعه في أنفسهم على ذلك، بحيث تحكم صراحة عقولهم بالحاجة إلى صانع حكيم وخالق عليم، وتُقرُّ باللسان عند الاضطرار والشدائد والكُربات كما تشهد به التجربة والآيات والروايات، وأما على الاحتمال الثاني فيحتاج إلى تأويل ذكره بعض المحققين، وهو: أنهم يقولون ذلك بألسنة ماهياتهم، أي: حقائقهم، وإنياتهم، أي: وجوداتهم، الشاهدة على أنفسهم بالليسية والبطلان، أي: العدم، ولخالقهم بالقيومية والسلطان، وإن أنكرت ألسنة أفواههم وجحدت أفواه أجسامهم الحالية.
مجلة بيوت المتقين العدد (24)