جامع الأمير فخر الدين

جامع الأمير فخر الدين

أقدم مساجد جبل لبنان، تميّز بطريقة بناء العمارات الدينية على النمط المملوكي بالتفاصيل المعمارية والزخرفة، واستخدام الحجارة في البناء والتغطية.

تاريخ بناء الجامع:

تم بناء جامع الأمير فخر الدِّين في عهد المماليك عام 899هـ/1493م، من قبل الأمير فخر الدِّين الأول بن عثمان بن معن (1516-1544م)، والأمير فخر الدِّين هو سليل العرب من المسلمين من شبه الجزيرة العربية، وكان من الذي هاجروا من الجزيرة إلى العراق ومن ثم حلب، حتى البقاع وبعلبك ومن ثم بعقلين، وعندما كان يتولى الأمارة في حكم السلطان المملوكي الجركسي قاتيباي وقف إلى جانب العثمانيين في معركة دابق عام 1516م، ليصبح بعد انتصارهم أميراً على الشوف مكافأةً من السلطان سليم الأول على موقفه.

النصوص التاريخية في الجامع:

يضم جامع فخر الدِّين في لبنان نصوصٍ تاريخية، كُتب الأول بخط الثلث على الحائط الجنوبي لقاعدة المئذنة، يضم آيةً من القرآن الكريم مع ذكر اسم باني الجامع، والنص بالشكل الآتي: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ الله أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ Q رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ الله وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ)[1].

وأيضاً عمّر هذا المكان المبارك ابتغاء لوجه الله العظيم، ورجاء لثوابه العميم العبد الفقير إلى عفو ربه القدير المقرّ الفخري الأمير فخر الدِّين عثمان بن الحاج يونس بن معن غفر الله له. في الخامس من شهر الله المحرم من شهور سنة تسع وتسعين وثمان مائة للهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام.

ونفس الآية في النص الأول ذُكرت في النص الثاني مع الآية التي تليها، ويقع النص الثاني في أعلى باب المدخل الغربي لجامع الأمير فخر الدِّين، ولكنها كُتبت بخط النسخ، والآية الثانية هي: (لِيَجْزِيَهُمْ الله أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالله يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ)[2]. والنص الثالث هو نصٌ تركي يعود للعهد العثماني كُتب أعلى باب المدخل الشرقي للجامع، ويتألف من سبعة أسطرٍ.

تصميم الجامع والترميمات:

يتكون جامع فخر الدِّين من رواقين بدون صحن، وكان يتميز بطريقة بناء العمارات الدينية على النمط المملوكي بالتفاصيل المعمارية والزخرفة واستخدام الحجارة في البناء والتغطية، فكان مماثلاً لطريقة بناء المساجد والقصور، والزوايا في دمشق وحلب وبيروت والقاهرة وطرابلس الشام.

وقد تعرض جامع فخر الدِّين للعديد من الأضرار خلال الزمان وحصل على عدة عمليات ترميمية، خاصة بعد هجوم أحمد باشا كجك عام 1022هـ/ 1613م على دير القمر بعد خروج الأمير فخر الدِّين الثاني بن الأمير قرقماز منها متجهاً إلى توسكانة، ولذلك قام الأمير أحمد بن ملحم بن معن بإصلاحه وترميمه عام 1084هـ/1673م، وذلك مُثبت بنصٍ تاريخي على لوحٍ حجري داخل المسجد.

وبسبب أحداث الجبل عام 1841م تعرض لكثيرٍ من الأضرار بعد خروج جيش إبراهيم باشا بن محمد علي، ولذلك بقي مهملاً لسنواتٍ لم يتم استخدامه فيها، وهذا ما يوضحه السطر الرابع من النص التركي الذي يقول: (كم بقي في ظلمة السحاب من شهورٍ وسنين، ثم ظهر كالشمس الحمد لرب العالمين).

وقد بقي الجامع على وضعه مستقراً في عهد المتصرفية في جبل لبنان (1861-1914)، حتى أُجريت أعمال الترميم في عهد الاستقلال بعد اعتباره من المباني الأثرية عام 1945م بإشرافٍ من مديرية الآثار.

المصدر: بيوت المتقين (93) شهر صفر 1443هـ

 


[1]  سورة النور: آية 36 ـ 37.

[2] سورة النور: آية 38.