صراعُ الخير والشرّ صراع مستمرّ منذ بدء الحياة الأولى للإنسان ولا يهدأُ أصحاب الشرّ عن الظلم والعدوان لكلّ خير وحق، ولا تقتصر طرق الظلم على الظواهر والمحسوسات بلْ يتعدّى إلى الجانب الفكري الذي تقوم حياة كثير من الأمم على عطاءاته.
وقد نجحَتْ المرجعية الدينية في العراق في الدفاع عن المذهب الشيعي والإسلام بصورة عامة وأبرزت العقائد والأحكام بطرق حكيمة نتجَ عنه ازدهار المذهب وزيادة التفاعل معه عالمياً وإثرائه بالفكر الإسلامي الإنساني الخالد الذي أسّسه وبنى قواعده النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله).
هذا الأمر أزعجَ من لا يريدون خيراً بالإسلام والإنسان فراحوا يضعون البرامج والأفكار ليطعنوا بمذهب أهل البيت (عليهم السلام) تارةً، ويزوّروا ويحوّروا الحقائق تارةً أخرى.
ومما صبّوا فيه جهودهم في هذا المجال التعرّض لمسألة تقليد المكلف للعالم أو المرجع في الأحكام الشرعية فقالوا تارةً بحرمته وتارةً بأنّ المكلّف مخيّر بين أن يقلّد أو لا يقلّد،
حقيقة الأمر أنّه محاولة لهدم منظومة المرجعية كونها مصدر قوّة للمذهب الشيعي، ولأنّ مبدأ السفارة العامة - التي يعتقد به الشيعة - تتمثّل مصاديقه بالمرجعية الشيعية فإنّ هؤلاء المشكّكين يعملون على قطع العلاقة بين الناس وبين المرجعية، فإن حصل هذا - والعياذ بالله - ضعف المذهب وتخبط الناس في عقائدهم وأحكامهم.
ويظهر من هذا أنْ هذه الإثارة ليس لها واقعُ علمي بل هي من نتائج التجهيل المبرمج ضدّ المذهب الحقّ.
لذا أردنا في هذه السطور بيان وجوب هذه العلاقة بين المرجعية والناس التي يعبّر عنها بالتقليد حتى عصر مولانا صاحب العصر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ببساطة نحن لا نحتاج إلى دليل نقلي في وجوب التقليد؛ والسبب أنّ العقلاء اتفقوا في الرجوع إلى أهل الاختصاص فيما يجهلون، فالمريض يجهل مرضه وعلاجه فيرجع إلى الطبيب، ولإصلاح عطل السيارة يراجع السائق الميكانيكي... وهكذا.
فالرجوع إلى أهل الخبرة أمر عقلائي ثابت في ذهن كلّ إنسان.. وعلوم الشريعة هي إحدى تلك العلوم وفيها جانب اختصاص لاستنباط الأحكام، فإذا قلنا إن التقليد ليس بواجب، فلا يبقى إلا أن يسعى كلّ إنسان لمعرفة الحكم الشرعي بنفسه للعمل به لتفرغ ذمته، في الصلاة والصوم والحجّ وغيرها.
ومعرفة الأحكام أمر يعسر الوصول إليه على جميع الناس لأنّه يتطلّب جهوداً خاصّة، وتفرّغاً تامّاً للدرس والتحصيل، كيف وأغلب الناس يهمّهم تحصيل معاشهم، فلا بدّ من توفّر ذوي اختصاص يعلّمون الناس أحكام الشريعة كما هو الحال في وجوب توفّر ذوي الاختصاصات الأخرى في الطبّ والهندسة والبناء والنجارة والصياغة وغيرها.
إذاً رجوعُ الجاهل إلى العالم مطلبٌ عقلائيّ تفرضه سيرة العقلاء.. وهذه السيرة حجّة لم تمنع عنها الشريعة المقدّسة؛ فقد كان الناس منذ أيام رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى نهاية الغيبة الصغرى للإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) يرجعون إلى ذوي الاختصاص في كلّ احتياجاتهم، ولم يمنعهم الشرع عن هذا النوع من الرجوع في حياتهم، فدلَّ ذلك على إقراره لها، وهذا هو دليل حجّيتها.
أما الأخبار بغضّ النظر عن دلالتها وصحّة سندها أو ضعفه فنعتبرها مؤيداً لسيرة العقلاء التي أمضاها الأئمة (عليهم السلام) في وجوب رجوع الجاهل إلى العالم.
مجلة ولاء الشباب العدد (24)