لقد أثبتت التجارب التربوية أن خير الوسائل لاستقامة السلوك والأخلاق هي: التربية القائمة على عقيدة دينية.
ولقد ركز أهل البيت (عليهم السلام) على التربية الإسلامية الحقة للأطفال منذ نعومة اظفارهم وأوصوا بذلك المربين والآباء؛ لأنها هي التي تُقوّم الإحداث وتعودهم الأفعال الحميدة، والسعي لطلب الفضائل.
ومن هذا المنطلق نسعى جميعا لنُعلم أطفالنا دين الله تعالى غضا كما انزله تعالى بعيدا عن الغلو، مستفيدين بقدر الإمكان من معطيات الحضارة التي لا تتعارض مع ديننا الحنيف.
وحيث إن التوجيه السليم يساعد الطفل على تكوين مفاهيمه تكويناً واضحاً منتظماً، لذا فالواجب إتباع أفضل السبل وانجح للوصول للغاية المنشودة، وهذه بعض الإرشادات التي من شأنها أن تساعد الأبوين والمربين على تنشئة الأطفال على الدين وحب الخير:
1ـ يراعي أن يذكر اسم الله تعالى للطفل من خلال مواقف محببة وسارة، وكما ينبغي التركيز على معاني الحب والرجاء (إن الله سيحبه من أجل عمله ويدخله الجنة)، ولا يحسن إن يقرن ذكره تعالى بالقسوة والتعذيب في سن الطفولة، فلا يكثر من الحديث عن غضب الله وعذابه وناره، وإن ذكر فهو للكافرين الذين يعصون الله.
2ـ توجيه الأطفال إلى الجمال في الخلق، فيشعرون بمدى عظمة الخالق وقدرته.
3ـ جعل الطفل يشعر بالحب (محبة من حوله له) فيحب الآخرين، ويحب الله تعالى؛ لأنه يحبه وسخر له الكائنات.
4ـ إتاحة الفرصة للنمو الطبيعي بعيداً عن القيود والكوابح التي لا فائدة فيها..
5ـ أخذ الطفل بآداب السلوك، وتعويده الرحمة والتعاون وآداب الحديث، وغرس المثل الإسلامية عن طريق القدوة الحسنة، الأمر الذي يجعله يعيش في جو تسوده الفضيلة، فيقتبس من المربين كل خير.
6ـ الاستفادة من الفرص السانحة لتوجيه الطفل من خلال الأحداث الجارية بطريقة حكيمة تحبب للخير وتنفر من الشر.
وكذا عدم الاستهانة بخواطر الأطفال وتساؤلاتهم مهما كانت، والإجابة الصحيحة الواعية عن استفساراتهم بصدر رحب، وبما يتناسب مع سنهم ومستوى إدراكهم، ولهذا أثر كبير في إكساب الطفل القيم والأخلاق الحميدة وتغيير سلوكه نحو الأفضل.
7ـ لابد من الممارسة العملية لتعويد الأطفال العادات الإسلامية التي نسعى إليها، لذا يجدر بالمربين الالتزام بها (كآداب الطعام والشراب وركوب السيارة).
8ـ يستفيد المربيون من القصص الهادفة سواء كانت دينية، واقعية، أو خيالية لتزويد الأطفال بما هو مرغوب فيه من السلوك، وتحفزهم على الالتزام به والبعد عما سواه.
وتعرض القصة بطريقة تمثيلية مؤثرة، مع إبراز الاتجاهات والقيم التي تتضمنها القصة، إذ إن الغاية منها الفائدة لا التسلية فحسب.
وعن طريق القصة والأنشودة أيضا تغرس حب المثل العليا، والأخلاق الكريمة، التي يدعو لها الإسلام.
9ـ يجب أن تكون توجيهاتنا لأطفالنا مستمدة من كتاب الله عز وجل وسنة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ونشعر الطفل بذلك، فيعتاد طاعة الله تعالى والاقتداء برسوله صلى الله عليه واله وسلم وينشأ على ذلك.
10ـ غرس احترام القرآن الكريم وتوقيره في قلوب الأطفال، فيشعرون بقدسيته والالتزام بأوامره، بأسلوب سهل جذاب، فيعرف الطفل أنه إذا أتقن التلاوة نال درجة الملائكة الأبرار.. وتعويده الحرص على الالتزام بأدب التلاوة من الاستعاذة والبسملة واحترام المصحف مع حسن الاستماع، وذلك بالعيش في جو الإسلام ومفاهيمه ومبادئه، عنه (صلى الله عليه وآله): (أدبوا أولادكم على ثلاث خصال: حب نبيكم، وحب أهل بيته، وقراءة القرآن)[1].
وأخيراً فالمربي يسير بهمة ووعي، بخطى ثابتة لإعداد المسلم الواعي.
دور الأم في التربية الدينية:
نهدف من التربية الدينية إيجاد علاقة وثيقة بين الطفل وربه ليستطيع الإنسان بواسطتها أن يكبل كافة نزاعاته الشيطانية وميوله اللامشروعة ويصبغ حياته بالصبغة الإلهية ويبرمجها وفق التعاليم السماوية.
نريد من التربية الدينية ربط كل خيوط حياة الإنسان بالله، ليقوم بجميع أعماله على اسم الله ولأجله، حيث يرى الله في أعماله وكافة شؤون حياته، فيتعلم الحلال والحرام ويوجه حياته المادية والروحية طبقاً للأحكام الإلهية.
والخلاصة فإن الهدف من التربية الدينية هو تربية الإنسان الصالح، يعني شخصاً يجعل كافة قواه المادية والمعنوية في طريق الهدف ولا يخطو خطوة في معصية الله، ونقضي في ظلها على التشويش والاضطراب والقلق والخوف الذي يعتبر العامل الأساسي لكثير من المفاسد والرذائل الأخلاقية ونمحو التعاسة ونؤالف بين الإنسان وحياته.
دور الأم:
يلازم الطفل أمه أكثر من غيرها، فيقتبس منها المفاهيم الدينية والأخلاقية، ويجعلها أسوة في حياته ولهذا فإن تربية الطفل الدينية والأخلاقية من أولى واجباتها. تضع الأم لبنات هذه التربية في السنين الأولى لحياة الطفل عندما يكون غضاً، تنطقه بكلمة التوحيد وتعوّد سمعه على الكلمات الدينية. فستبقى عند ذلك في خاطرهم خالدة إلى الأبد. وقبل أن يشوش الآخرون ذهن الطفل ويلوثوه، على الأم أن تعلمه مفاهيم الخير والشر وتجذرها في ذهنه، وتغرس في قلبه بذور العقيدة وتوجه أخلاقه وسلوكه وفق السنن الإلهية.
الأم وطريقة التربية الدينية:
يتعرف الطفل على العالم من حوله عن طريق حواسه، اللامسة، السامعة، الباصرة، الذائقة، والشامة لذا يجب تعميق الإيمان عنده في هذه المرحلة يؤمن بالله ويعتقد به عن طريق ما يتعرف عليه من عالم الوجود تكون بعد ذلك مرحلة إدراك المجردات والاستدلال عليها في السنين القادمة.
تستطيع الأم وبلغة سهلة أن تعلّم الطفل بأن الله يراه ويراقب أعماله الصالحة والطالحة وأنه لا يخفى عليه شيء. وبيده ثواب وعقاب العالمين. المهم في ذلك هو إيجاد علاقة متينة بين الطفل وخالقه بشكل يتقبل حلال الله ويتجنب محرماته في حياته.
بداية التربية الدينية:
يجب أن تبدأ التربية الدينية منذ نعومة أظافر الطفل حيث يكون ذهنه صافياً وغير ملوّث بالعوامل السلبية حوله. كما ويمكن للأم في هذه السنين أن تبذر في روح الطفل بذور التقوى والشرف وحب الله وعبادته، وتوجهه إليه بلغة سهلة.
الطريق إلى معرفة الله تعالى:
يحتل مفهوم «الله» مكانه في ذهن الطفل ويدرك أن لهذا الكون خالقاً. ولكن السؤال الذي نطرحه هو كيف نعرّف الله للطفل؟!
تستطيع الأم أن تعرّف الله بأنه منبع الخير، القوة، الرحمة، والحب للطفل وتهيء ذهنه لقبول لطفه ورحمته أو تعرّفه بأنه قوي وشديد العقاب. لذا يجب عدم تخويف الطفل من الله وتجب الإشارة دائماً إلى رحمته، رأفته، وحبه للخلق، عطائه وجماله لأن الرب الرؤوف الرحيم أفضل للطفل من ربّ منتقم جبّار. الرب الذي يصوره المربّون بجهلهم للطفل عنوان الخوف والرعب يبقى أثره في ذهن أطفالهم إلى الأبد ربّاً شديداً، منتقماً، جباراً لا يغفر خطيئة وسيعاقبه لا محالة. لذا فسيفرّ ويشمئز من هكذا إله. إن على الأم أن تبذر بذور الرحمة وتحيي الأمل في قلب طفلها وتعلمه أن اليأس من الكبائر. تستطيع الأم أن تعلم طفلها أن بإمكانه أن يكلّم ربّه ويضعه محل سرّه ويرتبط معه بشكل يجعل منتهى أمله أن يرضى عنه، ويتبع أوامره وينتهي عن نواهيه.
روى عبد الله بن فضالة، عن أبي عبد الله وأبي جعفر (عليه السلام) قال: سمعته يقول: (إذا بلغ الغلام ثلاث سنين يقال له: قل «لا إله إلا الله» سبع مرات ثم يترك حتى يتم له ثلاث سنين وسبعة أشهر وعشرون يوما فيقال له: قل: «محمد رسول الله» سبع مرات ويترك حتى يتم له أربع سنين ثم يقال له: قل سبع مرات «صلى الله عليه وآله»، ثم يترك حتى يتم له خمس سنين، ثم يقال له: أيهما يمينك وأيهما شمالك؟ فإذا عرف ذلك حول وجهه إلى القبلة ويقال له: أسجد، ثم يترك حتى يتم له سبع سنين فإذا تم له سبع سنين قيل له: اغسل وجهك وكفيك فإذا غسلهما قيل له: صل، ثم يترك حتى يتم له تسع سنين فإذا تمت له علم الوضوء وضرب عليه، وأمر الصلاة وضرب عليها، فإذا تعلم الوضوء والصلاة غفر الله عز وجل له ولوالديه إن شاء الله)[2].
تعليم الطفل معرفة الله وحب النبي وآله (صلى الله عليه وآله):
الطفل مجبول بفطرته على الإيمان بالله تعالى، حيثُ تبدأ تساؤلاته عن نشوء الكون وعن نشوئه ونشوء أبويه ونشوء منْ يحيط به، وإن تفكيره المحدود مهيأ لقبول فكرة الخالق والصانع فعلى الوالدين استثمار تساؤلاته لتعريفه بالله تعالى الخالق في الحدود التي يتقبّلها تفكيره المحدود، والإيمان بالله تعالى كما يؤكده العلماء سواء كانوا علماء دين أو علماء نفس (من أهم القيّم التي يجب غرسها في الطفل.. والذي سوف يعطيه الأمل في الحياة والاعتماد على الخالق، ويوجِد عنده الوازع الديني الذي يحميه من اقتراف المآثم)[3].
والتربية والتعليم يفضّل أن تكون بالتدريج ضمن منهج متسلسل متناسب مع العمر العقلي للطفل، ودرجات نضوجه اللغوي والعقلي، وتعميق الإيمان بالله ضروري في تربية الطفل، فالطفل في هذه المرحلة يكون مقلداً لوالديه في كل شيء بما فيه الإيمان بالله تعالى، إنّ الأساس الذي يؤمن به الطفل بالله وحبه للخالق العظيم هو نفس الأساس الذي يحب به الوالدان الله.
والطفل في هذه المرحلة يميل دائماً إلى علاقات المحبة والمودّة والرقّة واللين، وتكون الصورة التي يحملها الطفل في عقله عن الله تعالى صورة جميلة محببة له فيزداد تعلقه بالله تعالى ويرى أنه مانح الحب والرحمة له.
وإذا أردنا أن نكوّن له صورة عن يوم القيامة فالأفضل أن نركز على نعيم الجنة بما يتناسب مع رغباته، من أكل وشرب وألعاب وغير ذلك، ونركز على أنه سيحصل عليها إنْ أصبح خلوقاً ملتزماً بالآداب الإسلامية، ويُحرم منها إنْ لم يلتزم، ويؤجل التركيز على النار والعذاب إلى مرحلة متقدمة من عمره.
التركيز على حبّ النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل البيت (عليهم السلام): قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (أدبّوا أولادكم على ثلاث خصال: حبّ نبيكم، وحبّ أهل بيته، وقراءة القرآن)[4]. وعن جابر قال: قال أبو أيوب الأنصاري: (اعرضوا حب علي على أولادكم، فمن أحبه فهو منكم، ومن لم يحبه فاسألوا أمه من أين جاءت به، فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول لعلي بن أبي طالب (عليه السلام): لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق أو ولد زنية أو حملته أمه وهي طامث)[5].
وفي هذهِ المرحلة تنمو المشاعر والعواطف والأحاسيس عند الطفل، من حب وبغض وانجذاب ونفور، واندفاع وانكماش، فيجب على الوالدين استثمار حالات الاستعداد العاطفي عند الطفل وتنمية مشاعره وعواطفه، وتوجيهها نحو الارتباط بأرقى النماذج البشرية والمبادرة إلى تركيز حبّ النبي (صلى الله عليه وآله)، وحبّ أهل البيت (عليهم السلام) في خلجات نفسه، والطريقة الأفضل في تركيز الحبّ هو إبراز مواقفهم وسلوكهم في المجتمع وخصوصاً ما يتعلق برحمتهم وعطفهم وكرمهم، ومعاناتهم وما تعرضوا له من حرمان واعتداء، يجعل الطفل متعاطفاً معهم محباً لهم، مبغضاً لمن آذاهم من مشركين ومنحرفين.
التركيز على قراءة القرآن: قراءة القرآن في الصغر تجعل الطفل منشدّاً إلى كتاب الله، متطلعاً على ما جاء فيه وخصوصاً الآيات والسور التي يفهم الطفل معانيها، وقد أثبت الواقع قدرة الطفل في هذه المرحلة على ترديد ما يسمعه، وقدرته على الحفظ، فينشأ الطفل وله جاذبية وشوق للقرآن الكريم، وينعكس ما في القرآن من مفاهيم وقيم على عقله وسلوكه، فعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (من قبّل ولده كتب الله عز وجل له حسنة، ومن فرّحه فرّحه الله يوم القيامة، ومن علّمه القرآن دعي بالأبوين فيكسيان حلتين يضيئ من نورهما وجوه أهل الجنة)[6]. وعن منهال القصاب عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: (من قرأ القرآن وهو شاب مؤمن اختلط القرآن بدمه ولحمه وجعله الله مع السَفَرة الكرام البررة وكان القرآن حجيجا عنه يوم القيامة، ويقول يا رب إن كل عامل قد أصاب أجر عمله إلا عاملي، فبلِّغ به كريم عطاياك، فيكسوه الله عزّ وجل حلتين من حلل الجنة ويوضع على رأسه تاج الكرامة، ثم يقال له: هل أرضيناك فيه؟ فيقول القرآن: يا رب قد كنت أرغب له فيما هو أفضل من هذا، قال: فيعطى الأمن بيمينه والخلد بيساره ثم يدخل الجنة، فيقال له: اقرأ آية واصعد درجة، ثم يقال له: بلغنا به وأرضيناك فيه؟ فيقول: اللهم نعم، قال ومن قرأ كثيرا وتعاهده من شدة حفظه أعطاه الله أجر هذا مرتين)[7]. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (من علم ولده القرآن فكأنما حج البيت عشرة ألف حجة، واعتمر عشرة آلاف عمرة، وأعتق عشرة آلاف رقبة من ولد إسماعيل (عليه السلام)، وغزا عشرة آلاف غزوة، وأطعم عشرة آلاف مسكين مسلم جائع وكأنما كسا عشرة آلاف عار مسلم، ويكتب له بكل حرف عشرة حسنات، ويمحى عنه عشر سيئات ويكون معه في قبره حتى يبعث، ويثقل ميزانه، ويتجاوز به على الصراط، كالبرق الخاطف، ولم يفارقه القرآن حتى ينزل به من الكرامة أفضل ما يتمنى)[8].
تربية الطفل على طاعة الوالدين:
يلعب الوالدان الدور الأكبر في تربية الأطفال، فالمسؤولية تقع على عاتقهما أولاً وقبل كلّ شيء، فهما اللذان يحدّدان شخصية الطفل المستقبلية، وتلعب المدرسة والمحيط الاجتماعي دوراً ثانوياً في التربية، والطفل اذا لم يتمرّن على طاعة الوالدين فإنه لا يتقبل ما يصدر منهما من نصائح وإرشادات وأوامر إصلاحية وتربوية، فيخلق لنفسه ولهما وللمجتمع مشاكل عديدة، فيكون متمرداً على جميع القيم وعلى جميع القوانين والعادات والتقاليد الموضوعة من قبل الدولة ومن قبل المجتمع، قال الإمام الحسن العسكري (عليه السلام): (جرأة الولد على والده في صغره، تدعو إلى العقوق في كبره)[9]. وقال الإمام الباقر (عليه السلام): (... شرّ الأبناء من دعاه التقصير إلى العقوق)[10].
وتربية الطفل على طاعة الوالدين تتطلب جهداً متواصلاً منهما على تمرينه على ذلك؛ لاَنّ الطفل في هذه المرحلة يروم إلى بناء ذاته وإلى الاستقلالية الذاتية، فيحتاج إلى جهد إضافي من قبل الوالدين، وأفضل الوسائل في التمرين على الطاعة هو إشعاره بالحبّ والحنان، ومن الوسائل التي تجعله مطيعاً هي إشباع حاجاته الأساسية وهي (الأمن، والمحبة، والتقدير..) فإذا شعر الطفل بالحب والحنان والتقدير من قبل والديه، فإنه يحاول المحافظة على ذلك بإرضاء والديه، وأهم مصاديق الإرضاء هو طاعتهما، فالوالدان هما الأساس في تربية الطفل على الطاعة، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (رحم الله والدين أعانا ولدهما على برّهما)[11].
وأسلوب الإعانة كما حددّه رسول الله (صلى الله عليه وآله): (رحم الله عبداً أعان ولده على برّه بالإحسان إليه، والتألُّف له، وتعليمه وتأديبه)[12]، وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (أحبوا الصبيان وارحموهم وإذا وعدتموهم شيئا فَفُوا لهم، فإنهم لا يدرون إلا أنكم ترزقونهم)[13].
اللين والشدة بين الإفراط والتفريط: حبّ الأطفال للوالدين ردّ فعل لحبّ الوالدين لهما، فإذا كان الحبُّ هو السائد في العلاقة بين الطفل ووالديه، فإنّ الطاعة لهما ستكون متحققة الوقوع، وعلى الوالدين أنْ يُصدرا الأوامر برفق ولين وبصورة نصح وإرشاد، فإن الطفل سيستجيب لهما، أمّا استخدام التأنيب والتعنيف فإنه سيؤدي إلى نتائج عكسية.
وقد أكدّت الروايات على الاعتدال في التعامل مع الطفل فلا إفراط ولا تفريط، قال الإمام الباقر (عليه السلام): (شرّ الآباء من دَعاه البرّ إلى الإفراط، وشرّ الأبناء من دَعاة التقصيرُ إلى العُقوق)[14].
فإذا لم ينفع الإقناع واللين يأتي دور التأنيب أو العقاب المعنوي دون البدني، والعقوبة العاطفية خيرٌ من العقوبة البدنية، كما أجاب الإمام الكاظم (عليه السلام) حينما سُئِل عن كيفية التعامل مع الطفل فقال (عليه السلام): (لا تضربه واهجره... ولا تُطل)[15].
فالإمام (عليه السلام) لا يدعو إلى اللّين والتساهل مع الطفل في حالة تكرار الأخطاء، كما لا يدعو إلى استمرار العقوبة العاطفية وهي الهجر، وإنّما يدعو إلى الاعتدال والتوازن بين اللين والشدّة.
والإفراط أو التفريط يؤدي إلى تأثيرات سلبية على الطفل من جميع الجوانب العقلية والعاطفية والخَلقية، ويجب في ضوء المنهج التربوي السليم أنْ يحدث التوازن بين المدح والتأنيب، فالمدح الزائد كالتأنيب الزائد يؤثر على التوازن الانفعالي للطفل، ويجعله مضطرباً قلقاً.
فالمربي الصالح هو الذي يسير وفق مقتضيات العقل في الاستجابة لمطاليب الطفل، فيعمل على تحقيق مصلحة الطفل مع العطف والحنان عليه، ويمنعه متى كان طلبه يخالف صالحه، بكل صرامة، متبعاً في ذلك مختلف الوسائل، من النظرة الشزراء، والإهمال الموقت وما شاكل ذلك. وفي الحديث: قبّل رسول الله الحسن والحسين، فقال الأقرع بن حابس: إنّ لي عشرة من الأولاد ما قبّلت واحداً منهم، فقال (صلى الله عليه وآله): (ما عليّ أن نزع الله الرحمة منك)[16].
[1] ميزان الحكمة: ج4، ص3680.
[2] من لا يحضره الفقيه للصدوق: ج1، ص281.
[3] قاموس الطفل الطبي: ص294.
[4] كنز العمال للمتقي الهندي: ج16، ص456.
[5] علل الشرائع للصدوق: ج1، ص145.
[6] الكافي، الشيخ الكليني: ج6، ص49.
[7] ثواب الأعمال الشيخ الصدوق: ص101.
[8] بحار الأنوار العلامة المجلسي: ج89، ص189.
[9] البحار: ج75، ص374.
[10]إحقاق الحق: ج19، ص495.
[11] الكافي: ج6، ص48.
[12] المستدرك: ج15، ص169.
[13] الكافي: ج6، ص49.
[14] تاريخ اليعقوبي لليعقوبي: ج2، ص320.
[15] بحار الأنوار للمجلسي: ج101، ص99.
[16] الكافي: ج6، ص49.