أول المؤمنين:
قال السيد محمد الموسوي الشيرازي وهو صاحب كتاب ليالي بيشاور، للحافظ سليمان الحنفي القندوزي: إنّ علّياً (عليه السلام) أول من آمن، وقد نُقل ذلك عن كبار علمائكم كالبخاري ومسلم في صحيحهما، والإمام أحمد في مسنده، وابن عبد البر في الاستيعاب والنسائي في الخصائص، وغيرهم الكثير...فقد روي في كتاب المناقب بالإسناد عن أبي زبير المكي، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، رواية أنقلها لك إتماما للحجة وإكمالا للفائدة.
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: «إن الله تبارك و تعالى اصطفاني واختارني وجعلني رسولا، وأنزل عليَّ سيد الكتب، فقلت: إلهي و سيدي، إنك أرسلت موسى إلى فرعون فسألك أن تجعل معه أخاه هارون وزيرا، تشد به عضده و يصدق به قوله و إني أسألك يا سيدي وإلهي، أن تجعل لي من أهلي وزيرا تشد به عضدي، فاجعل لي عليا وزيرا وأخا، واجعل الشجاعة في قلبه، و ألبسه الهيبة على عدوه، وهو أول من آمن بي وصدقني و أول من وحّد الله معي، وإني سألت ذلك ربي عز و جل فأعطانيه، فهو سيد الأوصياء، اللحوق به سعادة، و الموت في طاعته شهادة، واسمه في التوراة مقرون إلى اسمي، وزوجته الصديقة الكبرى ابنتي، و ابناه سيدا شباب أهل الجنة ابناي، وهو وهما والأئمة بعدهم حجج الله على خلقه بعد النبيين، وهم أبواب العلم في أمتي، من تبعهم نجا من النار، ومن اقتدى بهم هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ، لم يهب الله عز وجل محبتهم لعبدٍ إلا أدخله الله الجنة»[1].
فقال الحافظ سليمان الحنفي القندوزي: نحن كلنا نقول بما تقولون، ونقرّ بأنّ علّياً كرم الله وجهه أول من آمن، وأن أبا بكر وعمر وعثمان وغيرهم آمنوا بعده بمدّة من الزمن، ولكن إيمان أولئك يفرق إيمان علي بن أبي طالب إذ لا يحسب العقلاء إيمانه في ذلك الزمان فضيلة، ويحسبون إيمان أولئك المتأخرين عنه فضيلة.
وذلك لأن عليا كرم الله وجهه، آمن وهو صبي لم يبلغ الحلم، وأولئك آمنوا وهم شيوخ كبار في كمال العقل والإدراك، ومن الواضح أن إيمان شيخ محنك ومجرب ذي عقل وبصيرة أفضل من إيمان طفل لم يبلغ الحلم، وأضف على هذا أنّ إيمان سيدنا علي تقليداً وإيمانهم كان تحقيقاً وهو أفضل من الإيمان التقليدي.
فقال السيد الشيرازي: إني أتعجب من هذا الكلام، وأنتم علماء القوم! أنا لا أنسبكم إلى اللجاج والعناد والتعصب .
ولكن أقول: إنكم تفوهتم من غير تفكر، وتكلمتم من غير تدبر، تبعا لأسلافكم الذين قلّدوا بني أمية وتبعوا الناصبين العداء للعترة الهادية! والآن لكي يتضح لكم الأمر، أجيبوا على سؤالي:
هل إن علياً (عليه السلام) حين آمن صبياً، كان إيمانه بدعوة من رسول الله (صلى الله عليه وآله) أم من عند نفسه؟!
قال الحافظ: من الواضح أن عليا كرم الله وجهه إنما آمن بدعوة من النبي (صلى الله عليه وآله) لا من عند نفسه.
فقال السيد الشيرازي: هل إن النبي (صلى الله عليه وآله) حين دعا عليا (عليه السلام) إلى الإيمان كان يعلم أن لا تكليف على الطفل الذي لم يبلغ الحلم أم لا؟!
إذا قلتم: ما كان يعلم! فقد نسبتم الجهل إلى النبي (صلى الله عليه وآله) وذلك لا يجور، لأنه (صلى الله عليه وآله) مدينة العلم، ولا يخفى عليه شيء من الأحكام.
وإذا قلتم: إنّ النبي (صلى الله عليه وآله) كان يعلم أن لا تكليف على الطفل ومع ذلك دعا علّياً (عليه السلام) وهو صبي إلى الإيمان بالله والإيمان برسالته، فيلزم من قولكم أنه (صلى الله عليه وآله) قام بعمل لغو وعبث، والقول بهذا في حد الكفر بالله سبحانه، لأن النبي (صلى الله عليه وآله) مؤيد بالعصمة، ومسدد بالحكمة من الله تعالى وهو بريء من اللغو والعبث، وقد قال عزّ وجل في شأنه: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) (النجم4).
فأقول: إن دل هذا على شيء فإنما يدل على قابلية الإمام علي (عليه السلام) ولياقته وكماله وفضله وتميزه و وفور عقله.
وصغر السن لا ينافي الكمال العقلي، وبلوغ الحلم وحده لا يكون سبب التكليف، فإن هناك من بلغ الحلم ولم يكلف ـ لقصر عقله وسفهه ـ وبالعكس، نجد من لم يبلغ الحلم، لكن الله كلفه بأعظم التكاليف، كما قال سبحانه وتعالى في شأن يحيى (عليه السلام): (وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ) (مريم 12). (فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (البقرة 258).
المصدر: مجلة اليقين، العدد (9)، الصفحة (8 - 9).