النصراني ورأس الحسين(عليه السلام)

لما علم النصراني أن الرأس بين يدي يزيد هو رأس الحسين(عليه السلام) استنكر وقال ليزيد: أُفٍّ لَكَ وَلِدِينِكَ، لِي دِينٌ أَحْسَنُ مِنْ دِينِكَ، إِنَّ أَبِي مِنْ حَوَافِدِ دَاوُدَ(عليه السلام)، وَبَيْنِي وَبَيْنَهُ آبَاءٌ كَثِيرَةٌ، وَالنَّصَارَى يُعَظِّمُونِّي وَيَأْخُذُونَ مِنْ تُرَابِ قَدَمِي تَبَرُّكاً بِأَبِي مِنْ حَوَافِدِ دَاوُدَ، وَأَنْتُمْ تَقْتُلُونَ ابْنَ بِنْتِ رَسُولِ الله، وَمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَبِيِّكُمْ إِلَّا أُمٌّ وَاحِدَةٌ، فَأَيُّ دِينٍ دِينُكُمْ!

ثُمَّ قَالَ لِيَزِيدَ: هَلْ سَمِعْتَ حَدِيثَ كَنِيسَةِ الْحَافِرِ؟

فَقَالَ لَهُ: قُلْ حَتَّى أَسْمَعَ.

فَقَالَ: بَيْنَ عُمَانَ وَ الصِّينِ بَحْرٌ مَسِيرَةُ سَنَةٍ، لَيْسَ فِيهَا عُمْرَانٌ إِلَّا بَلْدَةٌ وَاحِدَةٌ فِي وَسْطِ الْمَاءِ، طُولُهَا ثَمَانُونَ فَرْسَخاً فِي ثَمَانِينَ، مَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ بَلْدَةٌ أَكْبَرُ مِنْهَا، وَمِنْهَا يُحْمَلُ الْكَافُورُ وَالْيَاقُوتُ، أَشْجَارُهُمُ الْعُودُ وَالْعَنْبَرُ، وَهِيَ فِي أَيْدِي النَّصَارَى، لَا مِلْكَ لِأَحَدٍ مِنَ الْمُلُوكِ فِيهَا سِوَاهُمْ، وَفِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ كَنَائِسُ كَثِيرَةٌ، أَعْظَمُهَا كَنِيسَةُ الْحَافِرِ، فِي مِحْرَابِهَا حُقَّةُ ذَهَبٍ مُعَلَّقَةٌ، فِيهَا حَافِرٌ، يَقُولُونَ إِنَّ هَذَا حَافِرُ حِمَارٍ كَانَ يَرْكَبُهُ عِيسَى، وَقَدْ زَيَّنُوا حَوْلَ الْحُقَّةِ بِالذَّهَبِ وَالدِّيبَاجِ، يَقْصِدُهَا فِي كُلِّ عَامٍ عَالَمٌ مِنَ النَّصَارَى، وَيَطُوفُونَ حَوْلَهَا، وَيُقَبِّلُونَهَا، وَيَرْفَعُونَ حَوَائِجَهُمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى...، وَأَنْتُمْ تَقْتُلُونَ ابْنَ بِنْتِ نَبِيِّكُمْ، فَلَا بَارَكَ اللَّهُ تَعَالَى فِيكُمْ، وَلَا فِي دِينِكُمْ.

فَقَالَ يَزِيدُ: اقْتُلُوا هَذَا النَّصْرَانِيَّ.

فقَالَ النَّصْرَانِيَّ: اعْلَمْ أَنِّي رَأَيْتُ الْبَارِحَةَ نَبِيَّكُمْ فِي الْمَنَامِ، يَقُولُ لِي: يَا نَصْرَانِيُّ، أَنْتَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَتَعَجَّبْتُ مِنْ كَلَامِهِ، وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ الله(صلى الله عليه وآله).

ثُمَّ وَثَبَ إِلَى رَأْسِ الْحُسَيْنِ فَضَمَّهُ إِلَى صَدْرِهِ، وَجَعَلَ يُقَبِّلُهُ وَ يَبْكِي حَتَّى قُتِلَ[1].

مجلة ولاء الشباب العدد (54)

 


[1] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج45، ص141.