يُقيم أتباع مذهب أهل البيت (عليهم السلام) العزاء في ذكرى شهادة الإمام الحسين(عليه السلام) كل سنة، وقد شجَّع أهلُ البيت(عليهم السلام) على إقامة هذا العزاء تحت عنوان إحياء أمرهم(عليهم السلام) كما ورد عن الإمام الصادق(عليه السلام) قوله: (رَحِمَ الله مَنْ أَحْيَا أَمْرَنَا)[1] وهذا الأمر اشتهر به أتباع أهل البيت(عليهم السلام) وصار من ثوابتهم الدينية.
والبعض من الناس، ثَقُل عليه أمر هذا العزاء السنوي المتجدّد، فأطلق كلمات النقد والتشويش، وزرع الشبهات في الدين، فبرز يسأل: لماذا لا يُقام عزاءٌ سنويّ لرسول الله(صلى الله عليه وآله) وهو أفضل من الحسين(عليه السلام) بإجماع المسلمين؟
هذه أولى الشبهات التي عُرضت بصيغة السؤال.
والثانية: لماذا العزاء والبكاء كلّ سنة على خلاف عادة الناس في ذكرى موتاهم؟
ونحن من مقام تقديم النصح بالدقة والموضوعية في طرح الأفكار، نقول:
أما السؤال، عن عزاء النبي(صلى الله عليه وآله)؟ فهو سؤال لا يستند إلى معلومة صحيحة، فإن العكس هو الواقع، والمشهور عند الشيعة أنهم يقيمون المجالس والتعازي في يوم وفاة النبي(صلى الله عليه وآله) في كل عام، ويعلنون الحداد والحزن والبكاء، فمن أين أتى هذا السائل بأن الشيعة لا يقيمون العزاء في ذكرى وفاة النبي(صلى الله عليه وآله)؟ إنها معلومة خاطئة ولابد لكلّ سؤال أن يبتني على معلومات ثابتة صحيحة، تكسبه المشروعية والصحة.
وأما مسألة التكرار السنوي لإحياء الذكرى، فإننا نعتبر الحسين(عليه السلام)، شخصية تمثل امتداداً للرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله)، كيف وهو القائل: «حسين منّي وأنا من حسين، أحبّ الله مَنْ أحبّ حسيناً»[2]، فهو نور من نوره الشريف، وهو حافظٌ لشريعته الإلهية، ولهذا فكلّ حديث يذكر عن الحسين(عليه السلام) هو حديث عن جدّه المصطفى(صلى الله عليه وآله). بل يظهر بعض الروايات أن خصال النبوّة والإمامة جمعتها شخصيات الأئمة(عليهم السلام)، وتتفعل تلك الخصال حسب الدور الذي يؤدّيه المعصوم، وفق معطيات الظروف التي تحيط بالمجتمع الإسلامي.
إن الرسالة الإسلامية عند الشيعة لها جانبان، الأول جانب التأسيس والإنشاء، والدعوة إلى الله تعالى، وقد أتمها النبي(صلى الله عليه وآله) على الوجه الأكمل دون نقص أو خلل، والثاني جانب الاستمرار والبقاء، وهي مهمة الأئمة(عليهم السلام)، وهذا الجانب يقتضي شخصية لها صفات النبوة، وأن التجسيد الكامل للرسول(صلى الله عليه وآله)، تمثل في الإمام الحسين(عليه السلام)، روى عبد الله بن الفضل قال: (يَا ابنَ رَسولِ الله، كَيفَ صارَ يَومُ عاشوراءَ يَومَ مُصيبَةٍ وغَمٍّ وجَزَعٍ وبُكاءٍ دونَ اليَومِ الَّذي قُبِضَ فيهِ رَسولُ الله(صلى الله عليه وآله)، وَاليَومِ الَّذي ماتَت فيهِ فاطِمَةُ(عليها السلام)، وَاليَومِ الَّذي قُتِلَ فيهِ أميرُ المُؤمِنينَ(عليه السلام)، وَاليَومِ الَّذي قُتِلَ فيهِ الحَسَنُ(عليه السلام) بِالسَّمِّ؟ فَقالَ: «إنَّ يَومَ الحُسَينِ(عليه السلام) أعظَمُ مُصيبَةً مِن جَميعِ سائِرِ الأَيّامِ؛ وذلِكَ أنَّ أصحابَ الكِساءِ الَّذينَ كانوا أكرَمَ الخَلقِ عَلَى اللَّهِ تَعالى كانوا خَمسَةً، فَلَمّا مَضى عَنهُمُ النَّبِيُّ(صلى الله عليه وآله) بَقِيَ أميرُ المُؤمِنينَ وفاطِمَةُ وَالحَسَنُ وَالحُسَينُ(عليهم السلام)، فَكانَ فيهِم لِلنّاسِ عَزاءٌ وسَلوَةٌ، فَلَمّا مَضَت فاطِمَةُ(عليها السلام) كانَ في أميرِ المُؤمِنينَ وَالحَسَنِ وَالحُسَين(عليهم السلام) لِلنّاسِ عَزاءٌ وسَلوَةٌ، فَلَمّا مَضى مِنهُم أميرُ المُؤمِنينَ(عليه السلام) كانَ لِلنّاسِ فِي الحَسَنِ وَالحُسَينِ(عليهما السلام) عَزاءٌ وسَلوَةٌ، فَلَمّا مَضَى الحَسَنُ(عليه السلام) كانَ لِلنّاسِ فِي الحُسَينِ(عليه السلام) عَزاءٌ وسَلوَةٌ، فَلَمّا قُتِلَ الحُسَينُ(عليه السلام) لَم يَكُن بَقِيَ مِن أهلِ الكِساءِ أحَدٌ لِلنّاسِ فيهِ بَعدَهُ عَزاءٌ وسَلوَةٌ، فَكانَ ذَهابُهُ كَذَهابِ جَميعِهِم، كَما كانَ بَقاؤُهُ كَبَقاءِ جَميعِهِم، فَلِذلِكَ صارَ يَومُهُ أعظَمَ مُصيبَةً»)[3] .
وأما إقامة الذكرى والعزاء والبكاء في كل سنة فلا يرى العقل ولا الشرع مانعاً منه، وما ورد في جواز بل استحباب البكاء عليه وإقامة العزاء ليس محدوداً بزمان دون غيره.
فقد روى أحمد في مسنده ج2، ص 78 بسندٍ عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «دخلتُ على النبي(صلى الله عليه وآله) ذات يوم وعيناه تفيضان، قال: قام من عندي جبريل قبل، فَحدَّثَني أن الحسين يُقتَل بشط الفرات، هل لك إلى أنْ أُشِمَّك من تربته؟
قلت: نعم. فمدَّ(صلى الله عليه وآله) يده، فقبض قبضة من تراب، فأعطانيها، فلم أملك عينيّ أن فَاضَتَا».
فهذا لا قيد فيه بزمان معين.
ولو لاحظنا الفوائد المترتبة على المأتم الحسيني، من استثارة العزائم في وجه الظالمين، ومن تذكير المؤمنين بمسؤوليتهم تجاه الدين، وما إلى ذلك، فإذا كان تحصيل تلك الفوائد يتعلّق بتجديد العزاء فما المانع من ذلك؟، بل ربما هذه الجهات هي التي تدعو أهل البيت(عليهم السلام) إلى جعل المنبر والمأتم الحسيني مما ينطبق عليه إحياء الأمر.
مجلة ولاء الشباب العدد (33)