البطالة مشكلة عالمية موجودة تقريباً في كل دول العالم، ولا زال خبراء الاقتصاد في كل دولة يدرسون أفضل الطرق للقضاء على هذا المرض الاقتصادي، وتُعتبر البطالة في الوقتِ الحاضر من أخطر الأزمات انتشاراً بين العديد من فئات الأفراد في المُجتمعِ، والتي تترك أثأراً خطيرة ومشاكل جمة على الفرد والأسرة والمجتمع.
أسباب البطالة:
الأسباب كثيرة ولا نستطيع سردها في مقال، بل تحتاج إلى إسهاب وتفصيل، ونحاول أن نذكر هنا اهم تلك الأسباب إجمالاً.
أسباب اقتصاديّة:
الأسباب الاقتصاديّة للبطالة هي من أكثر الأسباب انتشاراً وتأثيراً على البطالة، والتي تؤدي إلى رفع معدلاتها الدولية، ومن أهم هذه الأسباب:
زيادة عدد الموظفين مع قلة الوظائف المعروضة، وهي من المؤثرات التي تنتج عن الركود الاقتصادي في قطاع الأعمال، وخصوصاً مع زيادة أعداد خريجِي الجامعات، وعدم توفير الوظائف المناسبة لهم.
استبدال العمال بوسائل تكنولوجيّة كالحاسوب، والتي أدّتْ إلى زيادة المنفعة الاقتصادية على الشّركات بتقليل نفقات الدخل للعمال، ولكنها أدت إلى ارتفاع نسبة البطالة. الاستعانة بموظفين من خارج المُجتمع، وهي التي ترتبط بمفهوم العمالة الوافدة سواء في المِهَن الحرفية، أو التي تحتاج إلى استقدام خبراء من الخارج، مما يؤدي إلى الابتعاد عن الاستعانة بأي موظفين أو عمال محليين.
مستوى التعليم:
أسواق العمل باتت تحتاج إلى درجة عالية من التخصص، فنوع التعليم والتركيز على تخصصات علمية راكدة وغير مطلوبة يساهم في ظهور مشكلة البطالة.
ـ تكاسل بعض الشباب عن العمل، وذلك لغياب القدوة والحافز الذي يدفعهم للبحث عن فرصة عمل.
ـ رغبة الشباب في الحصول على فرصة عمل محددة براتب محدد وقد لا تتيح لهم الظروف الحصول عليهم فيفضلون البقاء دون عمل.
ـ انخفاض جودة التعليم في المدارس، وتخرج دفعات غير قادرة على مواجهة تحديات سوق العمل، وهذا ما يدفع أصحاب الشركات إلى الاستغناء عنهم واستبعادهم.
أسباب اجتماعية:
الأسباب الاجتماعية للبطالة هي الأسباب المتعلقة بالمجتمع الذي يتأثر في كلّ من الأسباب السياسية والاقتصادية الخاصة بالبطالة، ومن أهم الأسباب الاجتماعية:
ارتفاع معدلات النمو السكاني مع انتشار الفقر، والذي يُقابله عدم وجود وظائف أو مِهَن كافية للقوى العاملة. غياب التنمية المحلية للمُجتمع، والتي تعتمد على الاستفادة من التأثيرات الإيجابية التي يُقدمها قطاع الاقتصاد للمنشآت.
عدم الاهتمامِ بتطوير قطاع التعليم، ممّا يُؤدي إلى غياب نشر التثقيف الكافي والوعي المناسب بقضية البطالة بصِفَتِها من القضايا الاجتماعيّة المهمة.
زيادة أعداد الشّباب القادرين على العمل مع شعورهم باليأس؛ بسبب عدم حصولهم على وظائف أو مهن تساعدهم في الحصول على الدخل المناسب لهم.
غياب التطوير المُستمر لأفكار المشروعات الحديثة، والتي تساعد على تقديم العديد من الوظائف للأفراد القادرين على العمل.
آثار البطالة على الفرد:
الإصابة بالاكتئاب وببعض الحالات النفسية كالانسحاب نحو الذات، بسبب عدم التزام الفرد بعمل ثابت يشعره بقيمته والغاية من وجوده في الحياة، ناهيك عن شعوره بأنه عالة على المجتمع الذي يحيا فيه، الأمر الذي قد يؤدي إلى انتحار البعض بسبب عدم اعتبارهم عناصر فاعلة في المجتمع.
ـ تدني اعتبار الشخص لذاته بسبب حالة العجز والملل وعدم الرضا التي يحياها، الأمر الذي ينعكس في الكثير من الأحيان على صحته الجسدية، مما يزيد من حالات الإعياء البدني والأمراض التي تصيب العاطل عن العمل.
ـ تأخر سن الزواج، وزيادة نسبة العزوف عن الزواج في المجتمعات، وهذا الاثر آفة وخطر كبير؛ لأنه يولد الفساد والانحراف والموبقات في المجتمع. وللكلام تتمة في العدد القادم وسوف نتحدث عن الأثر الاجتماعي، وعن اهم الحلول للبطالة.
آثار البطالة على المجتمع:
- ارتفاع معدلات الجريمة بشكل كبير كالسرقات والتهريب والتزوير والاتجار بالبشر والمخدرات والعديد من الجرائم على شاكلتها، بسبب بحث بعض العاطلين عن العمل وبدائل تتيح لهم تأمين احتياجاتهم الأساسية.
- ازدياد هجرة الكفاءات العلمية والفنية إلى خارج دولها - خصوصاً الدول النامية- وذلك بسبب عدم توفر فرص عمل تناسبها أو جهات رسمية تحتضنها، بحيث تنسب إنجازات تلك العقول والطاقات إلى الدول التي استضافتها وليست الدول التي نشأت فيها.
- ارتفاع معدلات الطلاق والخلافات العائلية بسبب فقدان معيل تلك الأسر لعمله، وبالتالي عدم قدرته على تلبية متطلبات أسرته المعيشية، وتفاقم المشاكل التي تزيد من تفكك الأسر، وبالتالي توجه أفرادها لعالم الجريمة والانحراف.
- ازدياد حالات الشغب والتمرد في الدول التي ترتفع فيها معدلات البطالة؛ وذلك لأن البطالة تخلق نوعاً من البلبلة وعدم الثقة في الحكومات والنهج الاقتصادي الذي تتخذه للنهوض بالبلد، الأمر الذي يزيد من معاناة الفرد والمجتمع والأسرة.
هذه أهم الآثار التي تترتب بسبب البطالة، وهي أسباب مخيفة وخطيرة وتحتاج لحلول جذرية؛ لكي نحافظ على المجتمع مما ينتج عن آفة البطالة وأثرها السلبي.
كيف تُعالج البطالة:
يقع على عاتق الأسرة مسئولية كبيرة، وهي تنشئة الأبناء على حب العمل وتحمل المسئولية.
* يجب أن تمنح الشباب فرصة للتدريب حتى يصبحوا أكثر قدرة على أداء المهام المطلوبة منهم.
* العمل على رفع مستوى التعليم، وذلك بتطوير المناهج في مختلف المراحل الدراسية لإعداد كوادر قادرة على مواجهة تحديات سوق العمل.
* توعية الشباب بضرورة تَقبّل فرص العمل المتاحة أمامهم، وعدم التمسك بالحصول على فرصة عمل محددة، ومحاربة ثقافة العيب التي تجنب الفرد ممارسة الكثير من الفرص باعتبار أنها غير مناسبة له.
الحل للبطالة هو بالطبع خلق فرص عمل جديدة بإقامة مشاريع ضخمة تفيد المجتمع. كما أن الإنفاق على التعليم يعد حلاً سريعاً لمشكلة البطالة، فالإنفاق على تدريب المعلمين وتحسين أدائهم يؤدي إلى تحسين مستوى التعليم للطلاب بشكل أفضل، وبالتالي يقضي بخلق آلاف الوظائف مستقبلاً؛ لأنّ المتعلمين بشكل أفضل هم أكثر قدرة في الحصول على وظائف أفضل، وبالتالي يكونون قادرين على شراء المزيد من الأشياء مع ارتفاع الأجور مما يكسبون.
وقد بيَّن الإسلام الحاجة المادية وأثرها على النفس، وحلّلها تحليلاً نفسياً ومادياً، فإذا أدركت النفس حاجاتها الضرورية اطمأنت، واستقرت كما قال (صلى الله عليه وآله): «إن النفس إذا أحرزت قوتها استقرت»[1]. لذلك دعا الإسلام إلى العمل، وكره البطالة والفراغ وسد أبوابها، لكي يحفظ الإنسان نفسه ويستطيع توفير حاجاته الضرورية، ويكون عضواً فعَّالاً في المجتمع، فقال (صلى الله عليه وآله): «والذي نفسي بيده لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب خير له من أن يسأل الناس أعطوه أم منعوه»[2]. وفي الحديث: «إن اللهَ يحب العبد المحترف؛ ويكره العبد البطال»[3]. وقال الحواريون لعيسى: من أفضل منا؟ قال: «أفضل منكم من يعمل بيده، ويأكل من كسبه...»[4].