من المعروف في الأوساط الاجتماعية والعلمية، ومن المستأنس به أن المؤسسات التربوية، والمنظمات الإنسانية، ومراكز الإعداد والتأهيل، عندما تريد أن تحقق أهدافاً إنسانية نبيلة، أو تحقق سلاماً بين أفراد المجتمع، أو أن تسعى في تهذيب النفوس وزراعة الخير فيها، تراها تستعد استعداداً كبيراً، وتستنفر كل طاقاتها، وتسخر الإمكانات المادية والمعنوية، وتستدعي الخبراء والمتخصصين، وترصد لذلك وقتاً وزمناً يغطي النشاطات والفعاليات الكفيلة في سبيل تحقيق تلك الأهداف، وفي الأخير ربما تتحقق تلك الأهداف أو لا تتحقق، لكن عندما نرى ونشاهد جموعاً بشرية تبلغ الملايين، وفي مدة أكثر من عشرين يوماً، قد هيأ لها الطعام والسكن المجاني، ويتفنن في خدمتها وراحتها ومشتهاياتها أناس سخرتهم الفطرة السليمة، وانتدبتهم العقيدة الصحيحة، ودفعتهم المودة الصادقة لمحمد وآل محمد (صلوات الله عليهم)، يوصلون الليل بالنهار طبخاً وخدمة وتنظيفاً، لا يعرفون التعب والنصب، الذلة عندهم عزّة، والخدمة لديهم تاج لا يلبسه إلا الموفقون لذلك، فهذا مما لا يصدقه المتحضرون واصحاب الثقافات الحديثة، نعم هذا هو مجتمع الأربعين، وهذا هو الإعداد الفطري الذي لم تدعوا له مؤسسة دينية أو أكاديمية ولا رسمية، هذا هو الإعداد الفطري هو الذي دفع الرجل والمرأة والشيخ والشيخة والطفل والغني والفقير والطبيب والكاسب وصاحب المقام والشهادة إلى استنفار طاقاتهم، وبذل أموالهم، وفتح قلوبهم وصدورهم للزائرين قبل بيوتهم، تسود فيهم روح الأخوة الحقيقية التي أرادها الإسلام والإنسانية، فهم لا يفرّقون بين عربي وأعجمي، ولا صغير ولا كبير، ولا أسود ولا أبيض، ولا مسلم ولا مسيحي، ولا سني ولا شيعي، لا تسمع إلا أصوات الترحيب والضيافة الأصيلة، ولا يطرق سمعك إلا كلمات المودة والأخوة، لا وجود للعناوين والألقاب، فالكل عشيرة واحدة، والكل ضيوف على أبي الأحرار(عليه السلام).
مجلة اليقين العدد (67)